الجزائر

عيون البراءة يُتلفها السرطان



- 17 إصابة لدى الأطفال بمستشفى السرطان بالحاسي في سنة- سرطان العين مرض نادر يفتك بالرضع والأطفال وينتهي بفقدان البصر
- معظم الحالات تقصد المستشفى بعد تفشي الداء وتلف العين
عندما يجتمع الفقر والمرض ليتقاسم يوميات عائلة بسيطة لا تقوى حتى على ضمان مصاريف ابنها الرضيع المصاب بورم خبيث، تنقطع حبال المودة وتتفكك العلاقة الزوجية بعد رفض الأب علاج طفله الصغير وعندما تجد الأم نفسها وحيدة تكابد من اجل التكفل بفلذة كبدها المصاب بسرطان العين وظروفها المالية لا تسمح لها بالتنقل من ولاية لأخرى بحثا عن مُسكّن لصغيرها الذي أنهك المرض قواه وجعله يفقد نعمة البصر.
الأكيد هنا أن الأمر ليس بالهين وليس في متناول الأم الضعيفة، خاصة وأنها ملزمة بمواصلة الطريق وشق درب مظلم لا تعلم محطته الأخيرة ومتى تنهي رحلة العذاب ويتعافى ابنها الصغير.
حالة نفسية صعبة تعيشها عائلات مرضى سرطان العين وبشكل أدق الأمهات من يوم اكتشاف الداء و تهرب أغلب الآباء من المسؤولية إلى خوض رحلة العلاج المجهولة و التي لا تخلو من الخوف والقلق تارة و الألم والأنين تارة أخرى، وبين هذا وذاك تجدهن يبحثن عن بصيص أمل يرفع من معنوياتهن ويجعلهن اكثر قوة خاصة وان اغلبهن لا يكتشفن المرض إلا بعد تلف العين .
بالصدفة ونحن نتطرق إلى نشاط جمعية «نهال» وكيفية التكفل بالحالات المرضية التي تقصدها ، شد اهتمامنا الأطفال المصابين بسرطان العين الذين استفادوا من دعم الجمعية ومعاناتهم مع الداء رغم صغر سنهم وتضحيات عائلات بأكملها، كل واحدة حسب وضعها الاجتماعي والشخصي
وحتى نلفت اهتمام المسؤولين حاولنا تسليط الضوء على حجم معاناة هؤلاء البراعم وما تقاسيه العائلة في صورة خاصة طغت عليها ملامح الحزن والشعور بالخوف فلم نرد أن نفوت هذه الفرصة دون الحديث عن هذه الفئة الهشة والضعيفة التي لم تعد قادرة لا معنويا ولا ماديا على مواصلة رحلة العذاب، خاصة إذا كانت مضطرة إلى تقبل الوضع واستئصال العضو المصاب عاجلا أم أجلا ما دفعنا لمعرفة المزيد عن هذا النوع من الورم الذي لم يرحم أصحاب البنية الضعيفة بمساعدة رئيسة الجمعية زروق أسماء التي فتحت مقرها للتخفيف من معاناة البراعم الصغار و حمل الأولياء الثقيل.
المريض يخضع لاستئصال العين وتعويضها بأخرى اصطناعية كإجراء تجميلي
لم نكن نعلم أن سرطان الشبكية أو ما يطلق عليه ب "ريتوبلاستوم" يفتك بالأطفال والرضع ولم نكن نعلم أن هذا الورم الخبيث قد يخرب خلايا العين ويفقدها وظيفتها إلى حد العمى في مدة زمنية قصيرة لا تتعدى السنة لدرجة أن العائلة لا تتفطن بإصابة قرة عينها إلا بعد قوات الأوان ما يتطلب إخضاع الطفل المصاب لعملية جراحية لوقف النزيف ونزع العضو المتضرر ويا ليت الأمر يتوقف عند الجراحة بل تتبعها مرحلة العلاج الكيماوي و حصص العلاج بالأشعة وأحيانا إجراء عملية ثانية للعين الأخرى.
لا يمكن أن يضع أي كان نفسه مكان هذه العائلة ولا يمكن أن يتقاسم معها وجعها أو يشعر بنفس الإحساس ، حتى وإن كان حاضرا بجانبها دوما لان مرارة الحياة وقساوتها تتجرعها سوى العائلة التي سرقت منها الابتسامة ودفنت أحلامها وإنطفأت شمعتها.
والمقلق فعلا الحصيلة التي سجلتها المؤسسة الاستشفائية لعلاج مرضى السرطان الأمير عبد القادر بالحاسي في الفترة الممتدة مابين 2020و 2021 باستقبال 17 إصابة بسرطان العين يخضعون حاليا لحصص العلاج الكيماوي والأشعة لا تتجاوز أعمارهم ال6سنوات، وحسب مصدر طبي فان سرطان العين لدى الأطفال هو نوع نادر وغير معروف والأكثر من ذلك التشخيص الأولي حسب ذات المصدر يشير إلى أن الحالات التي تم تحوليها إلى ذات المؤسسة في وضعية حرجة ومتأخرة تحتاج لعملية جراحية لاستئصال العضو المريض وتعويضها بأخرى اصطناعية كإجراء تجميلي لا غير، لأن فقدان البصر مصير يتقاسمه كل من يعاني من "ريتوبلاستوم"
و المثير للحسرة أن 17مريضا أطفالا لا تتعدى أعمارهم 6 سنوات حُوّلوا من مستشفيات ادرار وعين تموشنت وغليزان ومستغانم وبشار للخضوع للجراحة و حصص العلاج الكيماوي بعدما تدهورت وضعيتهم الصحية..
أمهات يروين معاناتهن وصدمتهن لحظة إخبارهن باستئصال العين المصابة
آسيا وفاطنة وفتيحة وسعيدة أمهات جمعتهن نفس الظروف ولم تترك لهن الوقت الكافي لاستيعاب فكرة أن فلذات كبدهن قد فكك السرطان خلايا العين ليصطدمن بفاجعة أخرى أمرُّ من الأولى وهي ضرورة استئصال العضو المريض لمنع انتشار الداء وتخريب أنسجة المخ لاسيما وان حالات أبنائهن متأخرة وتستدعي التدخل الفوري ،ثم إخضاعهم لجرعات الكيماوي وحصص العلاج بالأشعة وحتى الكيرو تيرابي .
كل واحدة منهن تروي بمرارة قسوة الحياة والإحساس بالضعف وعدم القدرة على تسكين الألم الذي يسببه الكيماوي من جهة والورم الخبيث من جهة أخرى في غياب العلاج الشافي لابنها المصاب وهو في مرحلة متأخرة من المرض.
كَسر اليأس أم كانت تحلم بإنجاب طفل سليم ،بعدما ابتلت ابنتها "ريتاج" بهذا الداء وعمرها لا يتجاوز 4 سنوات لترزق للأسف بمولود ثاني يعاني هو الآخر من نفس المرض -سرطان العين ، هذه الوضعية الجديدة ألزمت الأم بحمل ابنها الرضيع والسفر إلى مدينة وهران بحثا عن العلاج لعلها تنقده قبل فوات الأوان وقبل أن يفقد هو كذلك البصر مثلما حدث مع شقيقته .
قصة أخرى اشد قسوة من الأولى لزوجة تخلى عنها شريك حياتها بمجرد اكتشافه بان طفله حديث الولادة مصاب بالسرطان، ومن هنا تبدأ رحلة المعاناة من يوم مغادرتها مسكن الزوجية بولاية مستغانم نحو مستشفى الحاسي لمدة عامين إلى أن فارق رضيعها الحياة في سنة 2014 . حالة ثالثة تدمع لها العين بمجرد الاحتكاك بوالدة لحسن هذه الأخيرة فقدت ابنها وعمره آنذاك 4 سنوات وترددت كثيرا خوفا من إنجاب طفل مريض ومع ذلك لم يسلم رضيعها الثاني من سرطان العين ولم يسلم كذلك من مضاعفات "ريتوبلاستوم" حيث اخبرها الطبيب الاسبوع الفارط فقط بأن لحسن سيفقد البصر ويخضع للجراحة لإزالة العين المصابة .
ونحن نتقرب من عائلات المرضى لم نتصور حجم الضرر الذي لحق بها ، خاصة أن جميع الحالات يتراوح عمرها مابين 8 أشهر و8 سنوات بحاجة لدعم مادي ومعنوي وهو ما تسعى إليه جمعية نهال من خلال تجنيد أخصائيين نفسانيين لتتبع الوضعية البسيكولوجية للأم وطفلها في أن واحد، إلى جانب التعاقد مع العيادات الخاصة لاستفادة المرضى من عين اصطناعية وترميم ما أتلفه السرطان وتمكين الطفل من ممارسة حياته بشكل عادي ، حتى وان كان ذلك لا يعيد له نعمة البصر مع حرص الجمعية على استبدلها كل سنة .
مشقة التنقل إلى العاصمة لإجراء حصص ال"كيرو ترابي"
زيادة على كل تلك المتاعب والعذاب في رحلة العلاج الشاقة بداية من التشخيص إلى البحث عن العين الاصطناعية التي تناسب كل حالة والتي يبدأ سعرها من 10 آلاف دينار الى 100 ألف دينار ويتطلب تجديدها كل سنة فان من سوء حظ عائلات المرضى أن علاج ال"كيرو تيرابي" غير متوفر بولاية وهران و الهيكل الصحي الوحيد الذي يقُدم هذه الخدمة هو مستشفى مصطفى باشا بالجزائر العاصمة ،ما يدفع الزوجان للتنقل إلى غاية هذه المؤسسة رغم إمكانياتهما الضعيفة وما يثقل كاهلهما أن العائلة البسيطة ليس لها أقارب في المدينة التي يخضع فيها طفلها للعلاج وأمام هذه المعضلة تبقى الأم بجانب صغيرها في المستشفى لمدة شهر تقريبا أما الأب فلا خيار له سوى الشارع أو حديقة المستشفى ليفترش الرصيف ليلا مادامت وضعيته المالية لا تسمح له بالبحث عن فندق آو حتى مرقد.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)