الجزائر

عيد في غياب الفرحة بمصر


لم يعد عيد هذا العام في مصر مناسبة لإزالة الفوارق السياسية والمجتمعية القائمة بين أفراد وفئات المجتمع المصري، حيث مثلت "صلاة العيد" على غير العادة مناسبة لإعادة تأكيد تلك الفوارق الناتجة عن أحداث الثلاثين من جوان الماضي. ولأول مرة أضحت هناك صلوات لفئات سياسية تعكس حجم الفوارق القائمة، سواء على مستوى الخطاب أوالميادين، وبالتالي المطالب والدعوات التي رفعت في هذا اليوم الذي لم يعد يوحد المصريين بشكل كاف، لاسيما أنه يأتي ساعات بعد تأكيد بيان للرئاسة المصرية بفشل كل الجهود الدبلوماسية التي ظلت تقودها مجموعة من الجهات والشخصيات المحلية والخارجية.في ميدان رابعة العدوية بشرق القاهرة، حيث يعتصم منذ أكثر من شهر أنصار الرئيس المعزول، محمد مرسي، أدى الآلاف صلاة عيد الفطر، صباح الخميس، وأمّ المصلين الدكتور طلعت عفيفي، وزير الأوقاف السابق، الذي ألقى خطبة عقب الصلاة تناول فيها جانبًا من السيرة النبوية تحدث فيها عن التجارة مع الله ونصرة الدين.
وأضاف الخطيب مخاطبا المعتصمين: "لقد أبهرتم العالم ويباهي بكم أهل الأرض والسماء.. أنتم تحدثون أسطورة في الكون وتغيرون سنن وضعها بشر في الكون.. أنتم لا تكتبون تاريخًا وحسب، بل وتصنعون قرارًا، القرار لا يصنع في البيت الأبيض أوالكنيست أوالرئاسة أوالمخابرات بل أنتم من تصنعونه.."، مشيرا إلى أن مواقف العالم اليوم تتغير تجاه اعتصام رابعة، وذلك في إشارة الى الموقف الأمريكي الذي بدا أنه يعرف تطورا، لاسيما بعد زيارة جون ماكين الأخيرة.
ودعا الخطيب من أسماهم "بأحرار العالم".. «تعالوا إلى الاعتصام لتجدوا قطعة من الجنة نزلت على الأرض، فيها الركوع والسجود والكرم والجود والأخلاق، وسلاحنا الوحيد هو الله».
وانتشرت على مداخل الاعتصام وفي أماكن متفرقة منه، لافتات الترحيب بالمصلين والتهنئة بالعيد، وقام المعتصمون بتوزيع الألعاب والهدايا على الأطفال، وردد المتواجدون عدة هتافات، منها «كل سنة وانت طيب.. ريسنا مرسي راجع قريب».
فيما أعلن حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، تنظيم فعاليات ترفيهية بداية من الساعة 9 صباح الخميس لمدة 3 ساعات، من بينها «عرائس الليلة الكبيرة، واسكتش الإعلام الليلة، وعطوة كنانة، ومونولوج، وفرقة النور الفنية، وتقديم هدايا للأطفال.
كان التحالف الوطني لدعم الشرعية قد دعا الشعب المصري للمشاركة في مليونية «عيد النصر»، صباح الخميس، والخروج في مسيرات من عدة أماكن إلى مقري اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في «رابعة العدوية» بمدينة نصر، و«النهضة» بالجيزة، تحت شعار «الشعب يُريد إسقاط الانقلاب»، عقب صلاتي الفجر وعيد الفطر.
بينما ألقت زوجة الرئيس المعزول محمد مرسى كلمة من فوق منصة رابعة العدوية، أكدت فيها أنها واثقة من عودة زوجها لممارسة مهام منصبه، رغم تأكيدها أنها لم تره ولم تسمعه منذ عزله فى الثالث من جويلية الماضى. وقالت السيدة نجلاء علي محمود، قرينة الرئيس المعزول، وسط هتافات "راجع راجع"، ( في إشارة المعتصمين إلى تصميمهم على رجوع الرئيس المعزول لمنصبه).."إن شاء الله راجع". وأضافت:«تعودت أن أسمع بشريات ليلة العيد ولكني اليوم رأيتها بشرى واضحة"، وذكرت الآية القرآنية "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون"، ثم أضافت بلهجة حماسية "أحسب أن الشعب المصري أثبت أنها إسلامية، مهما يكيد الظالمون ويمكرون، وأحسب أننا من حزب الله الغالبين".
وفي مشهد يشبه اختباء حسن الهضيبى، مرشد الإخوان الثاني عام 1954 بعد صدور قرار بضبطه وإحضاره فى أحداث المنشية، اضطر محمد بديع، مرشد الإخوان الحالي، والصادر بشأنه قرارات ضبط وإحضار فى أحداث قتل المتظاهرين أمام مكتب الإرشاد، حيث من المقرر بدء محاكمته أمام محكمة الجنايات الشهر الجارى، للاختباء فى إحدى الشقق التى يملكها رجل أعمال شهير جداً بالقرب من محيط رابعة العدوية، ولم يظهر فى صلاة العيد مع أنصاره، واكتفى بإصدار رسالة لهم بمناسبة عيد الفطر المبارك، حرض فيها ضد الجيش والشرطة، واتهمهما بأنهما خائنان.
وقال: «ها هو العيد يهل علينا بعد رمضان فريد أعتقد أنه لم يمر علينا مثله فى تاريخنا المعاصر، بل لا أبالغ إذا قلت في تاريخ البشرية من حيث نوعية واستمرار ومشقات الأحداث التى حدثت فيه، فهل تكون مشاعرنا هي الحزن على ما أصاب ثورتنا السلمية الطاهرة المبهرة فى 25 يناير من غدر وخيانة غير مسبوقة فى انقلاب عسكرى دموي، ومن أناس من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، بل وكثير منهم يصلي لقبلتنا».
وأضاف: «جاء العيد وقلوبنا تتفطر على ارتقاء شهداء بالمئات، قتلهم إخوة وأقارب فى الجيش والشرطة وحتى بلطجية من المصريين بسلاح وذخيرة ميرى ندفع جميعاً ثمنها من جيوبنا بل ندفع مرتبات هؤلاء الجنود والضباط من قوت أولادنا»، وذكر بديع أنصاره بما حدث للرسول الكريم فى غزوة أحد، وقال: «ستتم فرحتنا بإذن الله بنصر الله»، وختم رسالته بتكبيرات العيد.
ومن مفارقات اعتصام رابعة العدوية، هذه المرة، هو الإعلان المتعدد الأشكال ل«شهر العسل" الجديد بين أنصار مرسي والإدارة الامريكية، فبعد أن ظل المعتصمون يدينون موقف الإدارة الامريكية من الأحداث في مصر طوال شهر ونيف من الاحتجاج، يبدو أن العيد هذه المرة قد أقبل عليهم بهداياه الأمريكية، لاسيما بعد تصريحات عضو لجنة الدفاع بالكونغرس الأمريكي، والمنافس السابق للرئيس الامريكي باراك أوباما في انتخابات الرئاسة، الجنرال "جون ماكين"، الذي اعتبر ما حدث في مصر "انقلابا"، مبررا ذلك بأن تعطيل عمل أي رئيس منتخب يعد "انقلابا" ورافضا تفسير معنى مفردة "انقلاب" في المؤتمر الصحفي الذي عقده خلال زيارته الأخيرة للقاهرة ، قائلا: لم آت بقاموس مفردات، فالانقلاب هو الانقلاب، والبطة هي البطة! لا معنى آخر".
وهو الموقف الذي انعكس على فعاليات العيد في ميدان رابعة بشكل كبير، حيث رفعت صور ومجسمات "بطط" كثيرة كنوع من الاستبشار بموقف ماكين. كما اختفت من منصة رابعة كل الشعارات التي تدين الإدارة الامريكية، أوتتهم الفريق أول عبد الأتراح السيسي وزير الدفاع (نائب رئيس مجلس الوزراء المصري) بالعمالة للأمريكيين. وعلى غير العادة لم تردد هتافات "يا سيسي يا جبان ياعميل الأمريكان" نهائيا خلال احتفالية العيد، بل بالعكس عرجت الكثير من المداخلات على تثمين الدور الأمريكي الذي انحاز أخيرا "للشرعية" على حد وصف تلك المداخلات.. لاسيما أن الفترة الأخيرة عرفت توترا واضحا بين الإدارة الامريكية و الحكومة المصرية المؤقتة، خاصة بعد تصريحات الفريق السيسي لجريدة "واشنطن بوست" الامريكية، حيث شن فيها هجوما كبيرا على مواقف إدارة أوباما وترددها في تفسير ما يحدث في مصر، مؤكدا:«مصر لم تبق في عباءة الأمريكيين وأنها تحررت من ذلك بفضل إرادة شعبها"، وهو التصريح الذي اعتبر الأهم في مسيرة العلاقات الأمريكية - المصرية منذ أكثر من ثلاثين عاما، حسب وصف الصحافة الأمريكية نفسها!
وهي اللحظة التاريخية المتوترة في العلاقات الرسمية بين واشطن والقاهرة، التي يبدو أن جماعة الاخوان وحلفاؤها قد استثمروها بشكل جيد أملا في جعلها فترة "شهر عسل"جديد بينهم وبين ادارة أوباما، ما تطلب إزالة كل المنغصات التي من شأنها أن تؤثر في العلاقة، بما فيها اتهام السيسي بالعمالة للأمريكان كما عهد الاعتصام فعله! والكف عن إدانة واشنطن.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)