الجزائر

عن جدوى ممارسة الإسلاميين للعمل السياسي


بقلم: بسام ناصر
بعد إجهاض الربيع العربي وإفشال ثوراته الشعبية وما تلقته حركات الإسلام السياسي (بحسب التوصيف المتداول) من ضربات موجعة ثار جدل واسع حول أداء تلك الحركات والحكم عليها بالفشل لتبزغ على إثر أفول نجمها نجوم كيانات أخرى أقدر على التعاطي مع الواقع وإكراهاته بمرونة عالية.
من المتسالم عليه بين عقلاء الناس أن الحكم على تجربة شخص أو جماعة أو حزب أو دولة لا يكون إلا بعد اكتمال تلك التجربة بإعطاء أصحابها الفرصة الكاملة والتي تختبر فيها أفكارهم وتصوراتهم ورؤاهم في معامل الواقع بتحدياته القاسية وإكراهاته الشديدة.
وفي هذا السياق فإن الحكم على تجارب تلك الحركات بالفشل بسبب قصورها الذاتي فكرا وممارسة لا يأخذ في الاعتبار عامل التدبير الخارجي (محليا ودوليا) لإفشالها وهو ما بات يُعرف بتدبير وتخطيط وتنفيذ قوى الثورة المضادة التي حشدت ودبرت ومولت ونفذت لضرب تلك الثورات وإجهاضها وبالتالي قصم ظهر أكبر قوة سياسية منظمة تصدرت المشهد إبان الربيع العربي ألا وهي حركات الإسلام السياسي .
ونظرا لما قيل ويقال عن فشل تلك الحركات فإن أسئلة جدوى ممارسة الإسلاميين للعمل السياسي تحضر دائما وبقوة ففي ظل معطيات الواقع التي تقول بأن تلك الحركات باتت مستهدفة بشكل مباشر ومورست ضد بعضها كل أصناف القمع والملاحقة والخنق ما ثمرة الاستمرار على النهج ذاته في ممارسة العمل السياسي الذي اعتادت عليه؟.
وهل الأنظمة السياسية القائمة ما زالت تمنح تلك الحركات أي هامش محترم لممارسة العمل السياسي أم إنها تخنق بعضها بالكلية وتحاصر بعضها الآخر محاصرة شديدة وتقيد حركتها تقييدا صارما؟ فإن كان الأمر كذلك فلماذا لا تعتزل المشاركة السياسية برمتها وتتفرغ للعمل الدعوي والتعليمي والخيري ضمن الهوامش المتاحة لذلك؟.
لا يخفى على كل من له معرفة بأفكار تلك الحركات ورؤاها أنها اختارت منذ تأسيسها وعبر محطاتها الدعوية المتلاحقة منهجية العمل الإصلاحي ونأت بنفسها عن منهجية العمل الانقلابي الجذري وقبلت بالعملية الديمقراطية وانخرطت في مؤسساتها وهي بطبيعة فكرها ورؤاها وحركتها متصالحة مع أنظمتها السياسية ومجتمعاتها المحلية وقبلت بالتالي العمل من خلال الأطر القانونية والدستورية النافذة والمعمول بها.
لذلك كله فإن تلك الحركات بطبيعة بنيتها الفكرية والسياسية لا تجد نفسها إلا عبر المشاركة السياسية بما تسمح به الأنظمة السياسية القائمة لأنها بحسب مبادئها وأصولها المؤسسة حددت خياراتها واختطت طريقها للعمل من خلال القائم وتحت مظلته فهي محكومة في أدائها وحركتها بالسقف الذي يضعه ذلك النظام ولا يمكنها فعل ما يصطدم مع ذلك النظام أو يمكن تفسيره بالتمرد عليه.
وهب أن تلك الحركات اختارت طريق اعتزال العمل السياسي أخذا برؤية انعدام جدوى تلك الممارسة في ظل الظروف القهرية القائمة وانكفأت على نفسها وقصرت جهودها ونشاطاتها على الجوانب الدعوية والتعليمية والخيرية فهل يعني هذا أنها ستكون أكثر جدوى وإنتاجية أم أنها ستبقى تمارس أعمالها المعتادة من قبل لأن قنوات العمل الدعوي والتعليمي والخيري محددة أمامها بل يتم قضمها هي الأخرى شيئا فشيئا؟.
لا مفر أمام هذا الواقع الخانق من التعامل مع القائم بما يتيحه ويسمح به والصبر على مشاقه وتبعاته وتحدياته وتداعياته فليس ثمة خيارات أخرى يمكن الأخذ بها ولعل مشاركة تلك الحركات في العمل السياسي تمكنها على قدر المستطاع والمتاح من تحصيل مكاسب جزئية وتساعدها على إنجاز إصلاحات محدودة بما يعود عليها وعلى المجتمع بنفع أكبر وفائدة أعم.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)