الجزائر

عندما تتعفن.. نفتح تحقيقا


 تقول الأخبار إن وزارة التجارة فتحت تحقيقا في قضية ''البطاطا'' لوضع حد للمضاربين والمخازن غير الشرعية التي يتم فيها تخزين المنتوج لخلق الأزمة والتلاعب بالأسعار. وقد تكتشف الوزارة بعد هذا التحقيق ''الماء الساخن'' وتقدم تفسيرات ومبررات للأزمة، لكن المؤكد، وكالعادة، أنها لن تضع حدا لأي كان ولأي شيء. وقد يضطر رئيس الجمهورية لعقد مجلس لكل الوزراء ويجندهم جميعا للتعاون على حل الأزمة.
وكان وزير الصحة، من جهته، قد حقق منذ أشهر، واكتشف بأن من بين 052 موزع دواء معتمد، لا يشتغل سوى 35 منهم، وبعضهم لا يتوفر على محلات تخزين مناسبة وأجهزة تبريد مثلما هو معمول به عالميا. ولاحظ نفس الوزير منذ أيام، وطبعا بعد التحقيق، أن أغلب مستوردي الأدوية لم يلتزموا بالبرامج المتفق عليها مع وزارته. وبينت تحقيقاته كذلك، أن الكثير من مديري المستشفيات لم يقدموا توقعات احتياجاتهم من الأدوية، واتخذ إجراءات عقابية ضدهم ''يعطيه الصحة''، ليكتشف، بعد التحقيق طبعا، أنه ظلم بعضهم، لأنهم قدموا توقعات احتياجاتهم، إنها فوضى عارمة.
ومع ذلك، فإن معالي الوزير، وبعد كل تحقيق، يتكرّم علينا بتصريحات رنانة، يؤكد فيها أنه لن يسمح بالتلاعب بصحة المواطن، دون أن ينسى تذكيرنا بملايير الدينارات التي خصصتها الدولة والهياكل التي أنجزتها وستنجزها للتكفل بصحتنا، ''يكثر خيرها''.
وبين تحقيق وآخر يغط مسؤولونا في نوم عميق، ولا يستيقظون إلا للأمر بفتح تحقيق، بينما تتواصل معاناة المواطن، وتتدهور الحالة الصحية للمرضى، ومنهم من يموت لغياب الكثير من الأدوية منذ أكثر من سنة، في حين لم يعترف الوزير إلا هذه الأيام بتسجيل ''ندرة في الأدوية على مستوى المؤسسات الاستشفائية مؤخرا'' ويعد بتوفيرها نهاية هذا الشهر، وإلى غاية ذلك، لا يعلم إلا الله كم من مريض سيضاف إلى قائمة الموتى.
ركزت في ملاحظاتي على قطاع الصحة وندرة الأدوية، لأن المسألة تتعلق بأغلى ما يملكه الإنسان، الحياة، لكن الموضوع في الواقع يخص كل القطاعات التي تشهد سوء تسيير أرهق المواطن الذي عجز عن فهم التباين الصارخ بين البحبوحة المالية التي تشهدها البلاد وظروف معيشته المزرية.
إننا أمام طينة من المسؤولين الذين لا يفكرون، ولا يسيّرون، ولا يتابعون مشاكل قطاعاتهم إلا عندما ''يصل الموس إلى عظم المواطن''، ويكثر صراخه ألما، وينتابهم الخوف من تداعيات غضبه، ومن سخط أولياء نعمتهم، فيتحركون بالإعلان عن فتح تحقيقات، وإطلاق تهديد ووعيد ضد أطراف تبقى دائما في خانة المجهول، ويتم اللجوء إلى الحلول الظرفية الترقيعية، وتتأجل الأزمة ولا تُحل. ويبقى المواطن في انتظار ساعة الفرج التي يرى فيها مسؤوليه يفكرون ويستشرفون ويسيّرون شؤونه حسب القواعد المتعارف عليها، ولا ينتظرون تعفن الأوضاع لفتح تحقيق.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)