الجزائر

عناصر جديدة في "قضية شهداء الرفض"



عناصر جديدة في
في الحلقة الثانية حول شهادة المجاهد محمد نجادي “ضابط المصالح السرية للثورة” (*)، نتناول باختصار بعض الإضافات المفيدة الخاصة بعدد من المتمردين الخارجين على قواعد الانضباط أو منطق الثورة.من هؤلاء من أسميناهم “شهداء الرفض”، أمثال الطاهر حمايدية (الزبير) ومحمد الصالح العرفاوي (بوسيف) ومحمد الحسن بوزيدي (عقب الليل)... ومنهم حبس لكن تمكنوا من الإفلات، أمثال عمر بن بولعيد شقيق الشهيد مصطفى قائد الأوراس والشيخ محمود بوزوزو الذي شاء الأجل أن ينجو من مصير المناضلين العربي أولبصير ومحمد الصغير بالبڤرة، من قادة الحركة المصالية المناوئة لجبهة التحرير.كما نتناول بعض الجوانب المجهولة على غرار “شرطة أمن الحدود” المسؤولة على أمن الثورة والثوار، والتي كانت تشارك كذلك في العمل الهجومي الذي يستهدف مراكز العدو القريبة من الحدود.ونجد في شهادة المجاهد نجادي فضلا عما سبق تعريفا وافيا لنظام المناطق الحدودية من خلال قيادة الحدود المكلفة أساسا بالتكوين والتدريب والإمداد.منطقة العمليات الشمالية ذات المهام القتالية، سواء مناوشة مواقع العدو المنتشرة على امتداد الشريط الحدودي الجزائري، أو إسناد عمليات عبور وحدات جيش التحرير باتجاه التراب الجزائري. قضية النقيب الزبير:نهاية مأساوية لضابط متمرد أضاف المجاهد محمد نجادي عناصر جديدة لمعلوماتنا حول عدد من القضايا المتعلقة بالإنضباط أو الأخلاق تناولها حسب التسلسل الزمني، بدءا بمضاعفات مؤتمر الصومام وقرراته في المناطق الحدودية الغربية.قضية محمد الصالح العرفاوي:حسب نجادي أن العرفاوي كان في صائفة 1956 مسؤول قسمة بني صاف من الناحية الثانية في المنطقة الخامسة (غرب البلاد)، وبعد إقرار سلم الرتب العسكرية تطبيقا لقرارات مؤتمر الصومام قلد هواري بومدين رتبة رائد، فاستكثر عليه ذلك، مقدرا أنه جدير بمثل هذه الرتبة أسوة ببومدين وربما قبله! فاعتر ذلك منه اخلال بالإنضباط في الولاية، وبناء على ذلك تمت محاكمته وإعدامه.خليفة موقف العرفاوي بوسيف في الثورة تعود إلى رحلة اليخت “دنيا” الذي نقل كمية من الأسلحة من الإسكندرية، إلى السواحل المغربية شرق مليلية أواخر مارس 1955، فقد كان المساعد الأول لقائد المهمة نذير بوزار، بينما فرض بومدين نفسه في ذات المهمة كمساعد ثان.. ويفوق العرفاوي بومدين من ناحية تجربة الحياة والإستعداد للجهاد الميداني، علما أنه التجأ إلى مصر من ناحية قالمة قبل الثورة، محاكما وطريدا بسبب حادثة عنف، وقد ارتبط في القاهرة بنذير بوزار ضابط الأمن السابق بالمغرب.قضية عقب الليل (السرّاي):يفهم من كتاب نجادي أن محمد الحسن بوزيدي عقب الليل في الثورة لم يكن يهضم بدوره الترقية السريعة لبومدين، منذ تعيينه مراقبا بالمنطقة الخامسة.. وكان يخيل إليه أن مثل هذه الترقية تعود إلى نوع من المحسوبية والجهوية تلميحا لرعاية بوالصوف له، وكلاهما من الشرق الجزائري. وبناء على ذلك حوكم وأعدم في أكتوبر 1956.لكن بعض مسؤولي الولاية لاحقا مثل الجيلالي ڤزان (عفان) يعزون قضيته إلى تحفظه على نقل مقر الولاية إلى ناحية وجدة، إثر التحاق بن مهيدي بالعاصمة أوائل يونيو 1956.قضية عمر بن بولعيد ورفاقه:كان عمر بن بولعيد من معارضي مؤتمر الصومام، ومن المشاركين في لقاء 15 ديسمبر 1956 بتونس للتعبير عن ذلك.. ثم بدا له أن يلتحق بالمغرب سنة 1957 وهناك اعتقل وحبس مع مرافقه بسجن أمن الحدود بضواحي وجدة.وشاءت الصدف أن يسجن معهم الشيخ محمود بوزوزو، بدعوى المجيء إلى المغرب بغرض دعم أنصار الحركة المصالية فيه.وحسب نجادي أن الجماعة استغلت دور محمد كاش في الحراسة، وكان لطيفا إنسانيا.. فاحتالت عليه بطلب حجر تيمم لأحدها (لعل الشيخ بوزوزو)، بحجة كبر السن وبرودة الطقس، وقد تحولت الحجر إلى وسيلة لصرع الحارس الإنسان، والإلتحاق بوجدة على جناح السرعة، ومنها إلى الدار البيضاء، حيث ساعدتهم السلطات المغربية في مغادرة البلاد!قضية النقيب الزوبير:تطرق نجادي في كتابه إلى قضية النقيب الطاهر حمايدية الزوبير في الثورة مستعينا بتقرير للعقيد لطفي بن علي بودغن حول القضية بتاريخ 28 يناير 1960، ويذكر من خصال النقيب قائد منطقة تلمسان أنه كان على قدر من التكوين السياسي، والمقدرة على التنظيم والشجاعة الميدانية.ترك منطقته بعض الوقت، ليعيش بالمنطقة الحدودية للمغرب الشرقي...وهناك اكتشف البون الشاسع بين الحياتين.. وما لبث أن اصطدم بقيادة الحدود التي كانت على رأسها الرائد رشيد (أحمد مستغانمي)، وامتد الخلاف إلى قيادة الولاية نفسها ممثلة في العقيد لطفي ونائبه العسكري الرائد فراج (الطاهر لعوج الهديلي)..اكتست غضبة النقيب الزبير طابع حركة تمرد مقنع في البداية، ليصبح معلنا بعد ذلك، وامتدت من خريف 1950 إلى صائفة 1960، وكان يطرح مطالب موضوعية في الظاهر: من المفروض أن تكون قيادة الحدود والولاية داخل التراب الجزائري، وتحت شعار مثل هذه المطالب تمكن من استقطاب العديد من جنود جيش التحرير وعناصر اتحادية جبهة التحرير.كانت دعوته تتلقى تجاوبا ملحوظا، فكانت مديرية الوقاية لذلك تتابع تطور الوضع باهتمام كبير، محاولة تطويق الحركة بتحييد أخطر عناصرها، أو الحد من تأثيرهم على الأقل.والأدهى أن العدو علم بهذه الحركة، فراح يحاول تغذيتها بإنشاء محطة إذاعية مزورة، ثبت تحت عنوان “هنا صوت مقاومي الولاية الخامسة”! كان قائد الولاية العقيد لطفي غائبا منذ أواخر ربيع 1959، مشغولا باجتماعات “العقداء العشرة” الماراطونية، ثم بدوره المجلس الوطني للثورة الجزائري التي انعقدت بطرابلس من 16 ديسمبر 1959 إلى 18 يناير 1960، ومع ذلك استطاع أن يجتمع بالنقيب المتمرد مرتين، لخصها في تقرير حول القضية بتاريخ 28 يناير 1960، أي بعد عودته من العاصمة الليبية.خلال اللقاء الأول حاول العقيد لطفي تطمينه بأن اجتماع مجلس الثورة بطرابلس، يمكن أن يبحث موضوع قيادة الحدود الغربية التي يشتكي منها، وفي اللقاء الثاني ذكّره بالمبادئ التي كانت وما تزال تغذي المقاومة الطويلة للشعب الجزائري، قبل أن يطلب منه مساعدته في مهمة تهدئة النفوس والمواقف.وحسب التقرير أن النقيب عبر عن استعداده لتسليم نفسه، شريطة قبول استقالته التي أصبحت قراره النهائي، لتعذر العمل من جديد مع قيادة الحدود، ورفض لطفي فكرة الإستقالة، لأن الثورة والولاية بحاجة إليه، مذكرا بأن عمله مستقبلا سيكون معه أساسا.وردا على ذلك حاول النقيب أن يعرف مستقبل قائد الولاية نفسه في جيش التحرير! وهنا أوصاه بألا يرتكب ما من شأنه أن يجل تسوية المشكلة.لمس العقيد مع ذلك استعداد النقيب للمصالحة، فقال له من جانبي اعتبر الحادث انتهى تقريبا، وطلب منه أن يشرع من الآن بحملة شرح في صفوف الجنود وجواره الشعبي، وفي اتجاه تهدئة النفوس تمهيدا لعودة المياه إلى مجاريها.وخرج العقيد لطفي من الإجتماع بالنقيب الزبير بانطباع ايجابي مفاده: ازدياد حظوظ حل سريع ايجابي للجميع.. ومع ذلك لم يكن مرتاحا للنتيجة النهائية، كما يكشف عن ذلك ابتهاله إلى الله، أن يساعده في تسوية مشكلة “عقدناها كثيرا لأسباب ذاتية عاطفية”.عقب ذلك تدخلت الحكومة المؤقتة بواسطة عبد الله بن طوبال وزير الداخلية والسعيد محمدي، وزير الدولة، فوافق الزبير في نهاية المطاف على وضع حد لحركته، بشرط ألا يلاحق الجنود والضباط الذين آزروه، لأنه يعتبر نفسه المسؤول الأول عما حدث.شارك نجادي رفقة أحمد مدغري في التحقيق، واستنطاق المتورطين في الحركة بدرجة أخرى، ورافقا كذلك العقيد هواري بومدين قائد الأركان العامة لجيش في زيارة النقيب الزبير في سجنه.. وهي زيارة وادع، لأن السجين حوكم وأعدم عقب ذلك، وحسب الشاهد أن النقيب الزبير قبيل تنفيذ الحكم طلب أمرين:أن تتمتع ابنته بحقوقها بعد الإستقلالأن تستهدف الفرقة المنفذة رأسه تحقيقا لعذابه.وقد تم رد الإعتبار بمناسبة الذكرى ال23 للإستقلال لعدد من “شهداء الرفض” بالمغرب، من أمثال رمضان عبار والزبير والعرفاوي وعقب الليل.. وغيرهم.. من خبايا منطقة الحدود الغربية انتدب المجاهد المتعلم محمد نجادي في صائفة 1958 للإلتحاق بالمغرب، لأن قيادة الثورة هناك كانت بصدد تطوير المصالح المتخصصة، ومن ثمة حاجتها الماسة إلى عناصر شابة متعلقة، ولم يكن الطريق من المنطقة السادسة (سعيدة معسكر) سهلا مهلا، بل كان محفوفا بالمخاطر الناجمة عن الإصطدام أكثر من مرة بعمليات التمشيط الروتينية أو الهادفة التي تضطرهم إلى العودة على أعقابهم، بعد قطع مسافات طويلة باتجاه الحدود.وصادف في طريقه جرحى في نفس الإتجاه بهدف العلاج، بعضهم كان يعاني من كسور في الفك، الأمر الذي يجعلهم يكتفون بالسوائل من الأطعمة التي يجدون صعوبة في ابتلاعها مع ذلك.هذه الحالة الخطرة لم تكن لتؤثر في معنوياتهم، ناهيك أنهم كانوا يتندرون من أنفسهم أمام رفقاهم السالمين، فيتنابزون بعبارة “يا مهرس الفم!” دخل نجادي ورفاقه التراب المغربي من ناحية برڤنت، ليلتحقوا منها بناحية وجدة، حيث تم توزيعهم على مختلف المصالح الأمنية المتواجدة هناك، وقد عين الشاهد مؤقتا في مصلحة “شرطة الحدود”، ذات المهام السياسية العسكرية والصلاحيات التي تغطي المنطقة الحدودية كلها، وكان على رأسها آنذاك، ضابط كفؤ هو رابح الصغايري، ويقابله على صعيد التنظيم المدني عبد الكريم الزاوي، مندوب اتحادية جبهة التحرير الوطني، بالمغرب الشرقي وتنشط مصلحة أمن الحدود تحت غطاء “مكاتب تسوية النزاعات الإجتماعية والعائلية للاجئين”، ومن مهامها: إقناع الجزائريين بالإنخرط في اتحادية جبهة التحرير، عزل مصالح القنصلية الفرنسية، التصدي لعلماء العدو المقيمين بالمنطقة أو المتسلليين إليها، حماية جنود جيش التحرير، حراسة الحدود، مراقبة قاعدة أنقاد الجوية..كان العدو يومئذ قد أقام خطا دفاعيا منيعا لحماية حدود الجزائر الغربية، أسوة بنظيره الشرقي بهدف منع تسلل الثوار ودخول الأسلحة إلى الولاية 4 و5 و6 التابعة لأركان الغرب لجيش التحرير.حاول الثوار في البداية اعتراض عملية إقامة هذا الحاجز المنيع، فكانوا مثلا يقتلعون ليلا الأسلاك الشائكة التي يضعها نهارا، لكن تغلب العدو في النهاية.. بالنظر إلى الوسائل الضخمة التي جندها لمشروعه، واستطاع أن يمد خطين من الأسلاك الشائكة المكهربة بضغط عال المحاطة بحقول الألغام، يتخللهما طريق لتحرك العربات والمصفحات.في هذه الفترة القصيرة شارك نجادي في غارة حدودية، كان من نتائجها أسر 4 جنود فرنسيين، وعند استنطاقهم تبين أن اقتناعهم بالحرب الإستعمارية ضد الشعب الجزائري كان ضعيفا، حتى أن أحدهم فكر في النجاة بنفسه، بإعلان استعداده لإعتناق الإسلام!.ويعرفنا الشاهد بنظام جيش التحرير في المناطق الحدودية الغربية، القائم على أساس هيئتين متكاملتين هما:أولا: تنظيم قيادة الحدود الغربية، يتضمن قيادة مركزية مقرها بقاعة بن مهيدي، على رأسها الرائد أحمد مستغانمي (رشيد)، ويساعده النقيب حمود شايد والملازمين الأولين ميلود حبيبي وقويدر علالي.كما يتضمن ثلاث نواحي من الشمال إلى الجنوب هي:الناحية الأولى بقيادة الملازم الأول عبد الله بكايالناحية الثانية بقيادة عبد الوافي بنفس الرتبةالناحية الثالثة بقيادة صالح نهاري بنفس الرتبة أيضاولقيادة الحدود قاعدة على بعد 15 كلم من الحدود: قاعدة ملوية التي وضعها منذ 1956 المناضل مصطفى بالحاج (بوعبد الله) تحت تصرف جيش التحرير. وتمتد على مساحة 173 هكتار. وهي مخصصة للتدريب والزراعة وتربية الأنعام.قاعدة النعيمة التي وضعها المناضل محمد بالحاج تحت تصرف جيش التحرير أيضا، وهي مخصصة لتخزين الأسلحة والمواد المتفجرة.وتتكفل قيادة الحدود بالإمداد والتكوين والتدريب أساسا.ثانيا: منطقة العمليات الشمالية، وهي تنظيم قتالي تحت إشراف قيادة الأركان العامة، من مهامها إسناد عبور وحدات جيش التحرير إلى الجزائر، فضلا عن مناوشة مراكز جيش الإحتلال القريبة من الشريط الحدودي.وكان على رأس المنطقة النقيب لعربي الطيبي بمساعدة ثلاثة ضباط برتبة ملازم أول هم:بن زيان نائبا عسكريا عمر بن محجوب نائبا سياسيا عبد القادر بن قدادرة نائبا مكلفا بالإستخبار والإتصالومن الوقائع البارزة بهذه المنطقة، استضافة المناضل الكبير نلسون مانديلا الذي حل بها أواخر 1960، لدراسة تجربة الحرب الثورية بمختلف مظاهرها. (*) طالع الحلقة الأول في الفجر عدد 9 أبريل الجاري.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)