الجزائر - A la une

عمارات باب الوادي بين وزارة من طين وديوان من عجين


عمارات باب الوادي بين وزارة من طين وديوان من عجين
ثمانية ملايين نسمة هو العدد الذي بلغه سكان الجزائر قبيل الاستقلال، شكل الفرنسيون منها النسبة الأقل، حيث كان أغلبهم يتمركز في العاصمة، لهذا تتميز الأحياء العاصمية القديمة بطابع عمراني «كولونيالي» كبلدية باب الوادي التي بنيت خصيصا لإيواء الأقلية الفرنسية آنذاك.
تنقلت «البلاد» إلى هذا الحي العريق بحثا عن إنجازات الدولة الجزائرية فيه، وذلك بعد خمسين سنة من الاستقلال، فلم تحصد إلا هموم سكانه الكثيرة، وهم الذين يشكلون ربع سكان الجزائر قبيل الاستقلال حسب إحصائيات 2006، فكيف لحيٍّ كان مخصصا للأقلية الفرنسية أن يأوي ربع سكان البلاد في تلك الفترة؟
انفجار سكاني في حي «كولونيالي»
تتألف عمارات باب الوادي القديمة، في معظمها، من خمسة إلى ستة طوابق. في كل طابق بيتان. كل بيت يتألف من غرفتين على الأقل إلى أربع أو خمس غرف على الأكثر. تأوي هذه البيوت من أسرتين إلى ثلاث أو أربع أسر، أي: بمعدل أسرة في كل غرفة. يشتركون في المطبخ والحمام. أما في بعض العمارات الأخرى فتشترك العائلات الساكنة في نفس الطابق في نفس الحمام، وليس لديهم مصدر تهوية إلا باب المنزل. هذا ما حدثنا به شباب أحياء باب الوادي خلال الجولة التي قمنا بها في نهج العقيد لطفي، سعيد تواتي، حي رشيد كواش، رابح بصاص، شارع الداي، إبراهيم غرافة، باسطا علي، الإخوة مرزوق، محمد تازريت ومحمد بومزراق وغيرها من الأحياء.
بين الحلم الأمريكي والحلم الجزائري.. ألف سنة ضوئية
حدثنا «نسيم» العائد من أمريكا بعد ثلاث سنوات قضاها هناك للدراسة، عن الفارق الكبير بين الحلم الأمريكي، وهي العبارة التي يرددها الناس كثيرا في بلد العم سام، ومفادها خلق عالم جديد يستطيع المرء فيه أن يثبت ذاته وقدراته، وبين الحلم الجزائري، وخاصة حلم شباب باب الوادي الذي وبعد خمسين سنة من الاستقلال مايزال يلهث وراء لقمة العيش، ومايزال قصارى حلمه أن يحظى ببيت بعيد عن تلك العمارات التي بنتها فرنسا لتدليل أقليتها الساحقة؛ فترك النظام الجزائري أسقف بيوتها لتسقط على رؤوس مواطنيه.
انتشار التجارة العشوائية في ظل غياب المرافق اللائقة
لا يحتاج الزائر لحي باب الوادي إلى كبير جهد حتى يكتشف ذلك الاكتظاظ المخيف، فقد تحولت أرصفة شوارعه إلى سوق حية يعرض فيها الشباب تجارته، وهذا ما دفع المارة لاقتحام الطرق ضاربين مخاطر حوادث المرور عرض الحائط، وغير مبالين بزحمة السير الخانقة التي أصبحت روتينا يوميا، خاصة في ظل عدم توقف مواقف حافلات كثيرة بالحي.
حدثنا السيد ياسين لعروي أثناء تجولنا في حي محمد بومزراق عن عدة أماكن مهجورة كانت دورا للسينما، وهي الآن مهجورة، وغير مستغلة من قبل السلطات، قائلا: «توجد أكثر من أربع أو خمس دور للسينما، موزعة على عدة أحياء، غير مستغلة وغير مأهولة، في الوقت الذي كان على المسؤولين تحويلها إلى مراكز تجارية أو ثقافية أو حتى هدمها وتحويلها إلى مواقف حافلات»، ثم أردف قائلا: «لا يقتصر الإهمال على دور السينما بل حتى على المعابد، كالمعبد اليهودي هناك».
أثار حديثه فضولنا فقررنا زيارة المعبد الموجود في شارع حطاب باي سليمان غير بعيد عن شارع محمد بومزراق.
معبد يهودي يهدد التلاميذ والمارة
يقع المعبد بين متوسطة نفيسة وابتدائية مالك بن رابية، ويظهر بالعين المجردة خطورة هذا المبنى على حياة التلاميذ والمارة، فجداره الخلفي به صدع كبير تتساقط منه الحجارة، في غالب الأحيان، على حد تعبير الأستاذة مريم. ب التي حدثتنا قائلة: «غالبا ما تسقط الحجارة من جدران المعبد، ورغم أنها لم تسبب أضرارا خطيرة إلا أنها تدق ناقوس خطر يترصد فلذات أكبادنا، فمستعملي هذا الممر هم تلاميذ».
وحين سألناها عن رأي المسؤولين في خطورة المعبد،
أجابت: «بعد كر وفر ومناشدات عديدة تكرمت علينا السلطات بهذه الألواح وبعض من الزنك لتغطي نصف هذا الجدار وتشغل ممر الراجلين… لست أدري إن كان هذا الحل يعتبر إنجازا آخر من إنجازات مسؤولينا العباقرة، أو إن كانت سياسة «بريكولاج» أنهم بهذا التصرف لم يبعدوا الخطر عنا بل زاد لأنهم شغلوا ممر الراجلين ثم إن هكذا جدار إن انهار فسيردم ألواحهم في ثانية».
«يالّي امزوّق من برّا واش احوالك من داخل»
بات هاجس السكنات الهشة يؤرق سكان باب الوادي، خاصة بعد الشتاء الماضي الذي عزز فكرة انهيار عماراتهم في أي لحظة على الرغم من إدراكهم أنها مصنفة في الدرجة الرابعة.
حدثنا (سمير.ن) قائلا: «السلطات هنا تنتظر زلزال آخر كزلزال 2003 لتدرك أن هذه العمارات غير صالحة لإيواء الحيوانات؛ فما بالكم بالمواطنين. إن هذه البنايات لا تحتاج زلزالا لتنهار بل تحتاج لعطسة فقط حتى يسقط سقف المطبخ أو الحمام فوق رؤوس سكانها…»
قاطعته السيدة (نعيمة.س) قائلة: «ليست الأسقف فقط التي تهدد حياتنا، فنحن نصلحها على حسابنا الخاص مرتين في السنة، قبل الفيضانات وبعد الزلزال وإلى يومنا هذا، هناك تهديدات أخرى كانهيار السلالم والشرفات… وتهديدات صحية كالقاذورات والرطوبة، وتهديدات اجتماعية كانتشار تجارة المخدرات وحرب الشوارع».سألنا المارة عن الترميمات التي استفادت منها بعض بنايات البلدية بإشراف كل من وزارة السكن والديوان الوطني للترقية والتسيير، فعلق السيد (ميلود.ج) قائلا: «تخصص الدولة مليارات السنتيمات لترميم 15 بناية أو 30 على الأكثر، لكن في الواقع لا تستفيد هذه الأخيرة إلا من بعض الدهان الذي تطلى به واجهاتها… أتساءل أين ذهبت تلك المليارات؟ وأناشد والي ولاية الجزائر ووزير السكن بتركيب نظارات طبية لا ترى «واش مزوق من برا»». ثم أردف قائلا: «بعد زلزال 21 ماي حدث شق كبير في غرفة نوم ببيتي، وما كان على مسؤولي الترميمات إلا سد ذاك الشق بلوح خشبي. أجزم أنه منذ ذلك التاريخ وهو يتآكل من الرطوبة وتسرب المياه». خرجنا من حي باب الوادي، حي الشهداء، مثقلين بهموم قاطنيه، فارغة أيدينا مما كنا نؤمله من إنجازات دولة الاستقلال والحرية بعد خمسين سنة من حصولنا عليه.
ربما سيعود أحفادنا بعد خمسين سنة من أخرى ليسجلوا نفس ملاحظتنا عن ذلك الإنجاز الوحيد، وبراعة الاختراع المدهشة التي تزين ما تركته لنا فرنسا الاستعمارية: ألواح وخرابات فوق السقوف والأسطح ودهانات فوق دهانات.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)