الجزائر


عماء
أصبح تاريخ الجزائر وثقافتها هدفا لعمليات توثيق تلفزي تقوم به قنوات عربية، بعد أن كانت العملية ذاتها حكرا على قنوات فرنسية.حيث يسجل المتابعون اهتماما غير مسبوق لقناة الجزيرة الوثائقية بشخصيات جزائرية، في صورة الأمير عبد القادر، هواري بومدين، و أخيرا محمد أركون و إتيان ديني أو الحاج نصر الدين دينيه، كما يحلو للمهتمين بتحوله الديني قبل مكانته الفنية، تسميته. ويأتي عمل الوثائقية بعد أن نجحت القناة الأم في تسجيل شهادات شخصيات محورية في تاريخ الجزائر الحديث كالرئيس أحمد بن بلة والمثقف والوزير أحمد طالب الإبراهيمي وغيرهما...ومن المعروف أن الأفلام الوثائقية أصبحت من أهم طرق التأريخ إن لم تكن أهمها على الإطلاق، كونها تستهدف الجمهور الواسع، وتستطيع إعادة بعث الوقائع التاريخية على مسرح الأحداث، سواء بكشف الحقائق أو حتى «التلاعب» بها. وكثيرا ما اشتكى الجزائريون من "النظرة الخارجية" التي يرون أنها مجحفة خصوصا من جانب وسائل الإعلام الفرنسية، وسوف يشتكون من نظرة عربية سيكتشفون فيها أوجه التقصير لا محالة، وسينسون خلال ممارسة هذه الرياضة الوطنية طرح أسئلة جوهرية عما نفعله نحن بتاريخنا وثقافتنا، ولماذا لا نوجه جهدنا نحو التوثيق الحقيقي الذي يقوم به محترفون، عوض بعض الأعمال المتواضعة التي ينجزها هواة على عجلة من أمرهم في المناسبات؟ وهل أن الكثير من الأعمال تستحق التسميات التي أطلقت عليها والأموال التي صرفت؟والأجوبة سنجدها بكل تأكيد عند معاينة ما يبث وما يُنتج في الجزائر اليوم، فباستثناء أعمال في الجانب التاريخي أنتجها التلفزيون العمومي على فترات فإن الباقيات الصالحات غير معنية سوى بتمجيد السياسيين والرياضيين في حصص يستغرب مشاهدها "العاقل" كيف نالت حظها من البث، خصوصا حين يتعلق الأمر بصحافيين يلقون بالأحكام جزافا ويبلغ بهم الأمر أحيانا إلى حد السب والشتم، في سلوك يغذي العنف المتوفر بكميات زائدة عن الحاجة في مجتمعنا، وحتى وإن كان الكثير من المسؤولين يشيدون بقنوات من هذا النوع ويمتدحون ما يسمونه احترافيتها، فإن ذلك لا يمنع من طرح أسئلة عن دور هذا الفضاء في حياتنا وعما سيضيفه، أي هل أنه سيساهم في نمو الثقافة الديمقراطية، وفي إبراز الثقافة الوطنية كقيمة والاحتفاء بالمبدعينو إسماع أصواتهم المختلفة وإضاءة مختلف جوانب الحياة العامة بنزاهة وعقلانية وفق ما تقتضيه مبادئ ومواثيق الشرف المهني، أم أنها ستتحول إلى أدوات تضليل وتزييف للوعي؟المعاينات الأولية تبدو غير مطمئنة، و إذا استمر هذا الوضع فإن الجزائر ستبقى"غير مرئية"، لأن إبراز مكانة بلد لا تتم بكلام إنشائي في نشرات الأخبار، ولكن بأعمال متقنة يقوم بها أشخاص يعرفون مهنتهم ولا ينتظرون الامتداح ولا يعيشون وظيفتهم كمرض عصيب يدوم من التربص إلى التقاعد.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)