الجزائر

علبة الألوان الحديدية كاري culture


علبة الألوان الحديدية                                    كاري culture
أذكر؛ في سنوات الصغر، كيف كانت ألوان الرسوم تُبهرني، تخطفني من رتابة حروف القراءة الإلزامية المملّة، كنت أرتقب بفارغ صبر حصص دروس الرسم، كي أنغمس في فوضى الألوان، بمباركة المعلّم الذي كان يرى في خربشاتي فاتحة إبداع..
لا أعرف لماذا لا تزال راسخة في ذاكرتي؛ صورة أقلام ألوان زميل لي بالمدرسة، مرصوصة في علبة حديدية أنيقة، لم يكن لمثيلتها وجود في مكتبات الجزائر، أيامها.
كان زميلنا صاحب علبة الألوان الحديدية، عريس حصة الرسم.. كنّا ننظر إلى أقلامه الملوّنة وكأنها من ثمار الجنّة، وكنا ننظر إليه كأنما ننظر إلى شيطان استحوذ على التفّاحة، ولم يكن يقدّر قيمتها. فعلى الرغم من امتلاكه لألوان الإبهار تلك، لم تكن لأصابعه علاقة بالرسم، بل لم يكن للرسم علاقة بأصابعه، في الوقت الذي كانت فيه أصابعي تشهق من أجل امتلاك قلم واحد من أقلام تلك العلبة الحديدية المستوردة من الجنّة، بعد أن أرهقت ألوان اللبان جلدها.
سألت والدي أيامها: “إذا ذهبت إلى جنّة الألوان بفرنسا، هل ستحضر لي علبة الألوان الحديدية؟؟”. فأجابني والدي بانشراح: “طبعا وسأحضر لك أيضا الكثير من علب الشوكولاتة والحلوى”..
صدّقت والدي، ووعدت أصابعي بعلبة ألوان الجنّة، ناسيا أمر علب الشوكولاتة والحلوى.. ولأن أصابعي صدّقت وعدي، فقد سارعت بتطليق ألوان اللبان، وأقسمت أن لا تقرب ورقة الرسم، حتى تلمس ألوان الجنّة..
ولأنّ والدي لم يسافر إلى الجنّة حينها، فقدت أصابعي - مع مرور الوقت - حسّ الرسم..
الموهبة هبة لا تحتمل التأجيل، لذلك أنصح كل الآباء أن لا يماطلوا مع مواهب أبنائهم.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)