الجزائر

عدت يا أكتوبر! بأي حال عدت؟



عدت يا أكتوبر! بأي حال عدت؟
ربع قرن من الزمن يفصلنا عن أحداث 05 أكتوبر 1988، أول ربيع في العالم العربي والإسلامي، هدد أركان نظام بني على أحادية الحزب واللغة والثقافة والإعلام والتصور، لنجد أنفسنا بعد خمسة وعشرين سنة في نقطة الصفر، لا تنمية اقتصادية ولا تعددية فعلية ولا مؤسسات دولة ناتجة عن صناديق انتخابية غير مطعون فيها. شلل تام في هرم السلطة بسبب مرض الرئيس وعجزه عن رئاسة مجلس الوزراء طيلة عشرة أشهر.فساد ينخر جسد الدولة، ملفات الفساد تتقاذف بها مختلف التيارات التي تتجسد فيها السلطة الفعلية عبر مختلف الجرائد الوطنية والدولية. شلل في الحياة السياسية والحزبية على بعد ثلاثة أشهر عن موعد تاريخي هام في حياة الأمم ألا وهي الانتخابات الرئاسية التي أصبحت لا حدث بسبب عدم اتضاح الرؤية وغياب المرشحين الحقيقيين لهذا الموعد وعدم التأكد من إجرائها أصلا.
أيكون تمديدا؟ أم تجديدا؟ والذهاب لعهدة رابعة، في هذا الجو المعكر، انتفاضات يومية في مختلف مناطق الوطن لشباب طلبه الوحيد منصب شغل أو سكن. بطالون منتفضون، حركات انشقاقية بمنطقة القبائل وجنوب الوطن. تعددية واجهية، تصفية حسابات بين مختلف مكونات السلطة الفعلية للنظام. نيران تلتهب في مجالس القضاء بالصدفة وعفوية وإتلاف وثائق وملفات الفساد.
ماذا تغير إذن بعد ربع قرن من الزمن الذي يفصلنا عن انتفاضة الشعب الجزائري ضد الحقرة، والنظام الأحادي، والاستبداد والإقصاء؟
بعد عشرية دموية أتت على الأخضر واليابس وفتكت بأكثر من 200 ألف جزائري نتيجة العنف والإرهاب، وبأكثر من 30 ألف مفقود، زيادة عن 127 ضحية خلال الربيع الأسود لمنطقة القبائل.
لا شيء تغير، كل الأزمات والمشاكل ثابتة ومستتبة. فثورات وانتفاضات سنوات 88 و89 زعزعت كل الأنظمة الشمولية والديكتاتوريات في العالم بأقل تكلفة إلا عندنا. فالنظام صامد ومتحجر لم تتمكن من زعزعته العواصف والزوابع التي هبت عليه بل الضحايا كانت كالعادة من جهة الشعب، حيث ارتكبت في حقه مجازر وسال دمه بغزارة وتمت تصفية خيرة أبنائه، واستهلاكنا خمسة رؤساء دولة واثنى عشر وزيرا أولا أو رئيس حكومة، لقد سقط الكاجيبي KGB في روسيا، وسقط تشاوسيسكو برومانيا، وتوحدت ألمانيا بانهيار جدار برلين دون سقوط قطرة دم وغابت العداوة التي دامت طويلا حيث أصبحت انجيلا ميركل رئيسة حكومة ألمانيا الموحدة وهي منحدرة من ألمانيا الشيوعية، واقتصادها اليوم يتربع على عرش أوروبا والعالم بفضل الديمقراطية والإرادة الخالصة للمضي بالبلد إلى الأمام وبر الأمان. أما عندنا، فانقلبت الأمور، فعوضا أن نتساءل عن شرعية النظام المستبد أصبحنا نتساءل عن شرعية الأحداث.
فماذا حدث في أكتوبر وماذا نتج عنه؟
لحد اليوم السؤال الأبدي الباقي بدون جواب هو: من المحرك الحقيقي للشارع في أحداث أكتوبر 1988؟
هل هو الخطاب المحرض للرئيس الشاذلي بن جديد يوم 19 سبتمبر 1988، أم هي إحدى تيارات السلطة أو الأجنحة التي يتركب منها النظام في الجزائر؟
وهل المشاكل المتراكمة والظلم القائم هي التي جعلت من الشعب بطلا فنزل إلى الشارع بكل عفوية للتنديد بهذا الاستبداد، فصنع ملحمة أكتوبر؟ أم النظام أو أحد تياراته هو المحرك الفعلي للشارع واللاعب المتحكم في زمام الأمور خلف الستار؟
بعد قرن من الزمن يبقى السؤال مطروحا دون أن يتجرأ أحد من المسؤولين على إعطاء جواب مقنع.
والثابت والمؤكد أن النظام أدار ظهره للشعب رغم مئات القتلى والجرحى واتلاف المنشآت الأساسية للدولة، فعوض السماع والاستجابة لمطالبه، فضل المناورة والمراوغة الاستخباراتية لاستمالة النشطاء المعروفين لمراودتهم وتجنيدهم، العرض الذي امتنع عنه المرحوم أحمد سحنون وقبله الآخرون.
لقد رفض العرض علي يحيى عبد النور والمرحوم الهاشمي نايت جودي وقبلته زمرة أخرى، فنجح النظام بتفخيخ الانفتاح الديمقراطي، وسياسة ربح الوقت، فأغرق الحقل السياسي باعتماد أحزاب تصلح لممارسة كل شيء إلا السياسة واعتماد جمعيات ومنظمات ونقابات هدفها التشويش على المنظمات ذات التمثيل الشعبي والامتداد القاعدي وإقصاء النشطاء الفعليين ذات مصداقية من نشطاء فعليين للحقل السياسي، نقابيين، صحفيين، جمعويين، حقوقيين، مثقفين، فأصيب الشارع بالتخمة وحدث ما يشبه إسهال من الاعتمادات إلى أن أصبح المشهد السياسي مختنقا لا نعرف الصالح من الطالح وعمت الضبابية وانعدام الرؤية حتى أصبح الشارع مجددا يطعن في كل شيء ويتساءل عن خفايا أحداث أكتوبر 1988، وظروف تنصيب وإقالة قاصدي مرباح، وعزل مولود حمروش، وتفخيخ وإيقاف المسار الانتخابي، ظروف (است) اقالة الشاذلي بن جديد، واستقدام ثم اغتيال محمد بوضياف وتصفية الصحافيين والمثقفين والفنانين وكل ما يرمز إلى هذه الأمة. ظروف اغتيال رجل الملفات والعلبة السوداء للنظام قاصدي مرباح، وقتل حشاني، واستقالة زروال وأسباب الانتخابات الرئاسية المسبقة، ظروف اغتيال معطوب الوناس، وعبد الحق بن حمودة، والانقلاب على عبد الحميد مهري، واغتيال المحامي علي المسيلي، وإفلاس بنك الخليفة، والاختلاسات التي مست كثيرا من القطاعات.
بل ظروف النزول بالجزائر لتحتل أسفل المراتب في كافة الميادين، ظروف دفع الشباب اليائس لرمي بنفسه إلى التهلكة والحرقة والمغامرة إلى المجهول وتفضيله أن يكون طعمة الحوت على أن يبقى في موطنه الجزائر.
بعد ربع قرن على أكبر انتفاضة عرفها البلد تبقى الأمور على حالها، ويبقى الجزائري مغلوبا على أمره يائسا فانحصر أمله حتى أصبح همه الوحيد هو الحصول على قوت يومه وسلامة رأسه وعائلته لتصبح الحرية والديمقراطية من الكماليات. صدق الشاعر أبو طيب المتنبي حين قال: عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
علي آيت جودي/ مناضل ديمقراطي


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)