الجزائر

عبد النور مداحي لا يشعر بالإعاقة و يغامر أكثر من الأصحاء: أوّل جزائري من ذوي الهمم يتسلّق قمة «كليمنجارو»


عبد النور مداحي شاب جزائري استثنائي، يتحدى أعلى القمّم الجبلية في إفريقيا، رغم أنه من ذوي الهمم، فإعاقته لم تثنه عن اتباع شغفه والمضي في طريق وعرة على الكثير من الأصحاء، بل شكلت حافزا وسلاحا لتعزيز الثقة بالنفس، فاستطاع بفضل ذلك تسلّق العديد من قمّم الجبال في الجزائر، بعدما انطلق من سفوح الشلف ليلاحق حلمه، فصنع الاستثناء و وصل إلى أعالي «كليمنجارو» بتنزانيا، ليقف على أعلى قمة في إفريقيا طالبا أفقا أوسع تصل حدوده إلى إفرست.لا تأتي القوة من مقدرة جسمانية بل من إرادة لا تقهر
يعرف عبد النور على مواقع التواصل، باسم «إيسكو مداحي» لا يتعدى عمره 26 ربيعا، و ينحدر من حي النّصر بولاية الشلف، جامعي درس تخصصين مختلفين ومحب للغات الأجنبية، المثير في قصته، هو أنّه ولد بتشوّه حركي على مستوى أطراف اليدين والرّجلين، جعله عاجزا عن الحركة طيلة سنوات، ما دفعه لإجراء ثلاث عمليات جراحية بمستشفى الدويرة بالعاصمة كما كشف عنه للنصر، وقد كان حينها طفلا في العاشرة فقط، فلم تنجح عمليتان لكن الله حباه بالتوفيق في الثالثة، فبدأ في التعامل مع مرحلة ما بعد العملية بحذر شديد من خلال الاستعانة بجلسات لإعادة التأهيل الحركي، ثم استعمل العكازات التي تعوّد عليها تدريجيا و منحته شعورا بالقدرة على المشي أما بالنسبة لذراعيه، فقال إنه يستطيع فرد اثنين فقط من أصابع كل ذراع.
بدأ حبّه للمغامرة و»الهايكينغ» وحياة البراري ينمو مبكرا، وتحديدا عندما كان يتابع برامج «ناشيونال جيوغرافيك» الوثائقية وهو مراهق، فكان وفيا لبرنامج «من أجل البقاء»، و تأثّر جدا بما يقدّمه «بير جريلز» إلى غاية التفكير في استنساخه، وهو ما حصل فعليا، في أواخر سنة 2017، حين عاش تجربة الحياة البرية واكتشاف الطبيعة لأول مرة.
مطوّع القمم وكاسر الأرقام
أراد المغامر تجربة شيء مختلف قليلا، فاتّخذ مسلكا مغايرا بخوضه لتجربة تسلق الجبال أو ما يعرف بال»هايكينغ»، وهو المشي لمسافات طويلة في مسارات صعبة، حيث بدأ المغامرة مع مطلع سنة 2021 واختار كانطلاقة أولى قمّة «لالة خديجة» التي يصل ارتفاعها إلى 2308 أمتار فوق سطح البحر، وهنا اقتنع مداحي، بأنّه المسار الذي يودّ الاستمرار فيه، قائلا إنّ هذه التجربة جعلته يشعر بشعور مختلف، وفتحت شهيته لخوض تحديات أخرى وتطويع قمم جزائرية بأسماء وارتفاعات متباينة.
ترك عبد النور حبّه للمغامرة يقوده، واستطاع تسلّق أعلى القمم الجزائرية، حيث استطاع الوصول إلى ثاني أعلى قمة في الجزائر وهي قمة «شيليا» بخنشلة، ثم تسلق «تاهات أتاكور» أعلى قمة في الجزائر كما بلغ قمة «معيطة» بالنعامة، و»استيسن» بالبيض و»البابور» بسطيف، فضلا عن قمة الونشريس بتيسمسيلت.
وأكّد «إيسكو» مثلما يطلق عليه متابعوه، أنّه حرص على اختيار أعلى المرتفعات وأصعبها ليترك توقيعه عليها، إذ يعتبر أنّ تجاربه أبعد من أن تكون مجرّد مغامرات، بل هو أسلوب حياة، حيث تكمن المتعة في صعوبة الوصول واجتياز التضاريس الوعرة التي تميّز كل قمة و تجاوز المواقف التي يواجهها خلال الرحلة وعيشها بكل شغف، خاصة في حال انكسار العكازات، بالإضافة إلى أنّ غالبية القمم التي تسلقها عبارة عن جبال صعبة، وهو ما يحقّق الغرض من المغامرة، وبالرّغم من خوف عائلته في بداية الأمر، إلا أنّها اقتنعت في النهاية، بل وتحول الأهل إلى أكبر داعم ومشجّع له، خاصة بعد رؤيتهم للفيديوهات التي توثّق تجاربه ومغامراته.
يستغل محدثنا، معرفته بأساليب المونتاج وصناعة الأفلام، ليقوم بإنتاج محتوى وثائقي عن مختلف تجاربه، إذ يعتبر إلى جانب كونه مغامرا ومتسلقا للجبال صانع محتوى كذلك، و يرى أنّ ممارسة هذه الهواية تقترن بضرورة التوثيق، وهو بذلك يقوم بما كان يشاهده على شاشة التلفاز في الصغر.
قرار المضي في هذا المسلك و توالي التجارب، جعلاه يكتشف نفسه وما هو قادر على فعله، كما عبر، حيث أدرك أنّ له إرادة من فولاذ وشجاعة لا تقهر، وأنّ له القدرة على التغلّب على الصعاب وهزم إعاقته التي اتّضح أنّه أقوى منها، وأهم من أن توقفه عن اتّباع شغفه بالمغامرة، فقال الشاب إنّه تجاوز مرحلة الخوف من التجربة منذ سنوات طويلة وكثيرا ما ينسى أنّه معاق جسديا، لدرجة يعتبر فيها نفسه رياضيا لا يختلف عن الآخرين في شيء، ويرى بأنه أفضل حتى من بعض الأشخاص الأصحاء لأنّه يقوم بأعمال لا يستطيع هؤلاء فعلها، بل وأصبح إلى جانب ذلك، مثالا ونموذجا للكثير من المتابعين، للسير خلف أحلامهم والتشبّث بها والتوقّف عن التحجّج بالأعذار، بعدما طبّق مقولة « إن من يريد يستطيع».
هكذا بلغت أعلى قمة في إفريقيا
ينظر عبد النور، لتسلّق المرتفعات كتحديات شخصية، كما ذكر أنّ ثقته بنفسه بلغت بفضل ذلك درجات كبيرة وتتجاوز حدود المعقول، خاصة وأنه أصبح مؤخرا، أوّل جزائري يتسلّق قمّة «كليمنجارو» بتنزانيا، أعلى قمة في إفريقيا بارتفاع يصل إلى 5895 مترا فوق سطح البحر، إذ تبادرت إلى ذهنه الفكرة بعد أن تسلّق قمة «تاهات أتاكور» وبذلك خاض كل التحديات على المستوى المحلي، وبدأ في تتبع أحلام أكبر خارج الوطن، فكان له ما أراد بعد أن أنهى مهمة التسلق بنجاح في ظرف أسبوع، كما قال إن الفترة التي استغرقها ما بين التحضير لهذه المغامرة وإنهائها لم تتجاوز سنة و7 أشهر، معبرا عن شغفه بطلب المزيد في كلّ مرّة ينهي فيها تجربة وبدء أخرى، و اعتزازه بقدرته على التأثير إيجابيا في الآخرين، حيث أكّد أنّ وصوله إلى قمّة «كليمنجارو» ما كان ليحدث لولا مساعدة أشخاص آخرين.
ويحكي قصة تجسيده للحلم، قائلا إنّ البداية كانت حين هنأ على إنستغرام، مغامرة إماراتية تدعى دانا، بنجاحها في الوصول إلى قمّة «إفرست»، ومع استمرار الحديث معها، أسرّ لها برغبته في خوض تجربة تسلّق قمّة «كليمنجارو»، وبعد يومين تواصلت معه متسلقة صديقة لها تدعى خديجة، وهي إماراتية أيضا، حيث عملت على مساعدته ماديا لتغطية تكاليف الرحلة، إذ نظمت حملة لجمع التبرعات على أحد المواقع الإلكترونية من أجل ذلك، فلقي الأمر تجاوبا من قبل جزائريين وخليجيين على وجه الخصوص، و بفضلها ظفر عبد النور، براع رسمي لتغطية كل تكاليف المغامرة.
أشار محدثنا، إلى أنّ خوض المغامرات التي يقوم بها بشكل منفرد، يعتبر مخاطرة كبيرة قد تكلّفه حياته، وبالتالي فمن الضروري أن تحضر المرافقة لمد يد العون في حالة وقوع أية حوادث، وهذا موجود في مختلف دول العالم، حيث ذكر أنّ خديجة رافقته في رحلته نحو «كليمنجارو»، مع الاستعانة بعدد من المرشدين المحليين، واتضح عند وصولهم، بأن الجبل يوجد داخل حظيرة طبيعية كبيرة تحمل نفس الاسم، وتضم ثلاثة مخيّمات استغرق قطعها 6 أيام مشيا، لأجل الوصول إلى القمة التي قطعها في مدة 9 ساعات، من منتصف الليل حتى التاسعة صباحا.
وأشاد الشاب، بإنجازه معتبرا بأنها أفضل تجربة خاضها إلى غاية الآن، نظرا لكونها كانت بمثابة الحلم بالنسبة إليه، بالإضافة إلى جمالها وصعوبة مسالكها المتكوّنة من صخور فقط في ذات الوقت، نظرا لنقص الأكسيجين كلما تم السير نحو الأعلى مع غياب الأشجار، ما يتسبّب في عدّة أعراض تتمثّل في فقدان الوعي والشهية والغثيان والإرهاق الشديد، وأشار، إلى أنّ كثيرا ممّن خاضوا تجارب سابقة استسلموا لهذه الأعراض وعادوا من منتصف الطريق، مشيرا إلى أنّه استطاع التغلّب على كل هذه الصعاب بفضل الإرادة التي أوصلته لما هو عليه الآن. ولا يزال شغف عبد النور مداحي، بتسلق المرتفعات مستمرا، إذ يستهدف في محطته المقبلة أعلى قمة في شمال إفريقيا وهي قمة «توبقال» التي يتجاوز ارتفاعها 4400 متر، إلى جانب قمة «مون بلون» في جبال الألب وصولا إلى «إفريست».
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)