الجزائر

عبد القادر بن دعماش "أكبر تهميش عانته بڤار حدّة استغلال الناشرين لها"



عبد القادر بن دعماش
باعتباره الوحيد الذي كتب عن الفنانة بعد رحلة بحث طويلة قادته إلى ولايتي سوق أهراس وعنابة،  أقر عبد القادر بن دعماش أن بڤار حدة المولودة سنة 1920 والمتوفاة شهر سبتمبر سنة 2000،  واحدة من الأسماء الفنية القوية التي قدمت رصيدا فنيا لا يستهان به،  حيث غنت للحب،  للثورة،  للحرية،  وغيرها من المواضيع وعناوين أغانيها شاهدة على ذلك منها: "الجندي خويا"،  "طيري لخضر"،  "هزي عيونك"،  "الحمامة جوزي"،  "روحت غريبة"،  "سوج يالحمام"،  "زوج احمامات"،  "برد الصبحة"،  "ركروكي"،  "اصحاب الركب" و"جبل بوخضرة ". وقال بن دعماش إن الفنانة من بين المطربين الكبار الذين صدحوا بالأغنية الشاوية في الشرق الجزائري،  وصنعت التميز في محيط عرف العديد من الأصوات القوية،  على غرار فاطمة السوڤهراسية،  شواي ابراهيم،  محمد لوراسي،  على الخنشلي،  محمد بورقعة،  نيرير الطيب،  محمد البيضي،  وغيرهم من المطربين الذين اشتهروا في الشرق الجزائري.  وحسب بن دعماش،  عرفت الفنانة أوج شهرتها عندما دخل حياتها القصاب إبراهيم بن دباش،  أواخر الثلاثينيات،  والذي أصبح فيما بعد زوجها بعد حادثة غريبة بقيت عالقة في أذهان سكان مشروحة بمدخل ولاية سوق أهراس،  حيث قام بن دباش باختطاف بڤار حدة من عرس كانت تحييه في المنطقة. لكن هذا الزواج،  كما أضاف بن دعماش،  فتح لها أبواب الشهرة،  حيث جابت الفنانة رفقة زوجها العديد من المناطق الفرنسية،  على غرار مرسيليا،  ليون،  باريس،  سانت إيتيان،  ستراسبورغ،  وغيرها من المدن الفرنسية التي أحيت فيها سهرات فنية للجالية الجزائري والمغاربية بشكل عام. "بڤار حدة.. أو عندما تنافس المرأة الرجال" اشتغلت الفنانة في تسجيلاتها على 45 مم قبل الاستقلال ، وبالضبط أواخر الخمسينيات،  وأهم ناشر تعاملت معه الفنانة هي شركة "سار" التي كان مقرها في فرنسا،  كما بثت الإذاعة الوطنية في الماضي العديد من أغاني الفنانة لكنها لم تسجل للإذاعة مطلقا. وأضاف بن دعماش أن محيط الفنانة لعب دورا هاما في معاناتها على الصعيد الشخصي والفني،  حيث أجبرتها مرارة العيش على الزواج في سن الرابعة عشر من شخص طاعن في السن سنة 1934،  بحكم العاهة التي كانت تعاني منها على مستوى الوجه،  قبل أن تلتقي بن دباش وتكمل معه حياتها،  إلى أن وافته المنية سنة 1988 وهو يتأهب لأداء مناسك الحج،  بالإضافة الى عدم تقبل العائلة لطريقة زواجها الثاني،  واعتبرته خروجا عن العرف المتعامل به وقتها،  وهو أن تخرج العروس بوشم خاص من بيت الأهل في موكب حافل،  لكن بڤار حدة رفضت الوشم حتى وإن كان رمز الجمال في الماضي،  ناهيك على اضطراها بسبب نظرة المجتمع لها الى تغطية وجهها على الدوام بمنديل أبيض وترتدي حايكا أبيضا وقشابية زرقاء  على الدوام. "الإذاعة استغلت أغاني حدّة دون التعريف بها" واعترف بن دعماش أن الجيل الجديد لا يعرف الفنانة رغم أن هناك من أعاد بعض أغانيها،  كما أن البعض أعاد ما تغنت به بڤار حدة وتنكر لذلك،  كما ساهم التهميش الإعلامي بعد الاستقلال في طمس حياة الفنانة،  حيث لم يسجل التلفزيون لها سوى حصة أعدها لحبيب فوغالي من محطة قسنطينة أواخر السبعينيات،  فيما اكتفت الإذاعة ببث أغانيها دون التعريف بالفنانة.   وملخص القول،  كما قال بن دعماش،  أن  السبب الرئيسي الذي كان وراء طمس الماضي الفني لبڤار حدة يعود إلى استغلال الناشرين لها،  وعلى رأسهم شركة "سار"،  حيث يرى أن الناشرين ظلموا الفنانة واستغلوا صوتها استغلالا بشعا جمعوا من ورائه ثروات،  في مقابل الفتات الذي كانت تحصل عليه الفنانة إلى أن وصل بها المطاف إلى الموت فنيا،  وتوجه الناشرون الى أصوات أخرى. وقال محدثنا إنه لا يمكن التغاضي بسهولة عن الدور الكبير الذي لعبته بڤار حدة في الخروج بالتراث النسوي الجزائري،  في زمن كان من الاستحالة أن تلج فيه المرأة عالم الغناء في الأعراس في جو رجالي،  حيث كانت الأعراس حكرا على النساء وقتها،  فحتى الجزائر العاصمة التي شهدت مرور الأتراك والفرنسيين وغيرها لم تقم الأعراس بفرق مختلطة تجمع الجنسين،  وهو تميز انفردت به بڤار حدة.  وأضاف أنه لا يمكن التحجج أبدا بكلمات أغانيها التي يقال إنها لا تسمع،  لأنها كغيرها من الفنانين الجزائريين غناؤها فيه المعقول وغير المقبول،  ولكل طريقته الخاصة في إيصال لونه الغنائي،  لكن بڤار حدة صنعت لها جمهورا وكتبت اسمها في خانة الفنانين الجزائريين.   من الصالونات إلى ظلبة القبو ظلت حدة لسنوات متوهجة بصوتها وحضورها تصنع الفرح وتشيع البهجة لغاية اندلاع ثورة التحرير الوطنية أين عايشت عن قرب،  وهي ابنة الريف بالمنطقة الشرقية،  كفاح المجاهدين بالقاعدة الشرقية ضد الاستعمار الفرنسي،  ليصدح صوت حدة هذه المرة بأغاني الثورة والمجد للمجاهدين والشهداء،  جسدتها في أغاني "الجندي خوية" و"يا جبل بوخضرة". "ودمو سايح"،  بصمت بها يوميات الكفاح التحرري الذي كان يخوضه المجاهدون  لغاية استقلال البلاد. وغنت حدة بعفويتها المعتادة للحرية  والنصر والاستقلال،  وكانت تتنقل بين سوق اهراس وعنابة وتبسة لإحياء حفلات غناية ضخمة لأكبر العائلات وكبار مسؤولي الدولة،  الذين لم يكونوا يترددون في دعوتها للغناء لهم في أعراس عائلاتهم. وكان من بين أكبر المعجبين بصوت وأغاني بڤار حدة،  الرجل القوي في الدولة الجزائرية أيام حكم حزب جبهة التحرير الوطني المرحوم محمد الشريف مساعدية،  الذي كان يعشق أغاني بقار حدة و يطلبها باستمرار. بعد وفاة زوجها ابراهيم بن دباش وافتراق الفرقة الموسيقية التي كانت عائلتها الوحيدة،  وجدت بڤار حدة نفسها تعيش وحيدة ،  بعيدة عن الأضواء في كوخ بقرية بولاية سوق اهراس،  لتقرر في بداية الثمانينيات التنقل إلى عنابة،  أين عثرت قضت آخر أيامها في غرفة تشبه القبو بالطابق السفلي لإحدى العمارات بشارع 01 نوفمبر في عنابة. وكانت آخر مرة خرجت فيها بڤار حدة من العتمة إلى النور من خلال حصة "مساء الخير ثقافة" التي استضافتها لأول و آخر مرة سنة 1992،  لتفارق بڤار حدة الحياة بنفس القبو وبنفس العمارة،  أين كانت تعيش فقيرة ومعدمة واضطرت إلى بيع أثاثها البسيط لشراء حاجياتها البسيطة لغاية وفتها في صمت،  بعد أن غنت للحب والثورة..


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)