الجزائر

عبد الحق مدني مدير متحف ''غنجة'' للدمى:‏''غنجة'' أصل الدمية الجزائرية


 
ونحن على أبواب اختتام الملتقيات الدولية حول تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية التي رعتها وزارة الثقافة من خلال المركز الوطني لبحوث ما قبل التاريخ والانسان، والتي ستتوّج بالملتقى الدولي حول رائد المقاومة المسلحة ضدّ الاحتلال الفرنسي الأمير عبد القادر، وهو الملتقى الثاني عشر من ملتقيات تلمسان الثقافة التي تركت أثرا طيبا، من خلال البحوث والدراسات الجادة التي تناولتها خلال سنة كاملة، ونفضت الغبار خلالها على أعلام ومعالم وكشفت عن تراث ثقافي ثري.
الملتقيات الدولية تعدّ من أهم المظاهر الثقافية والعلمية التي يمكن تسجيلها في النشاطات والتظاهرات الخاصة كتلك التي يتم تحديدها في ظرف زمن خاص مثل تظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''، وعامة كالتي تأتي في إطار النشاطات التي تسجلها وزارة الثقافة أو التعليم العالي أو أي مؤسسة تنشط نشاطا ثقافيا من خلال برنامج تعمل في إطاره.
المركز الوطني للبحوث والدراسات ما قبل التا ريخ سطر اثني عشرة ملتقى دوليا في إطار ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''، وكان الملتقى ما قبل الأخير قد تناول تاريخ تلمسان الأدبي الذي دعا له دراسون وباحثون مختصون من الوطن العربي والإسلامي وأوروبا، تناولوا من خلاله تاريخ تلمسان الأدبي؛ أعلامه وعلماؤه وأيضا الآداب الشعبية، حيث تطرق لعدة محاور منها الشعر، النثر، أدب الرحلات، اللغة والبلاغة وغيرها من الأغراض الأدبية والتاريخية، وقد أبرز الملتقى علماء ربما مايزال البعض منهم قيد الاعتقال في المكتبات والخزائن والمخطوطات، ومنهم من تم إزاحة الغطاء عنه؛ كإبن خميس وابن أبي حجلة، بالإضافة إلى أدباء استطاعوا فرض وجودهم؛ كالمقري صاحب كتاب ''نفح الطيب'' وابن مرزوق وغيرهم من العلماء الذين تناولهم ابن مريم في بستانه، إضافة إلى أدب الخطابة والسياسة الذي ظهر في تلمسان على مشاهير أساطين الأدب المغاربي كابن الخطيب وغيره، وكذا سلاطين بني زيان وما تمتعوا به من معارف واسعة وثقافة واطلاع، إلى جانب التأليف ونظم الشعر وابتداع الإحتفالات الدينية التي أضحت من أسس مفاخر الدولة الزيانية، من خلال مظاهر طقوس الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الذي ما يزال في الجزائر من أعظم الأعياد وأحبّها إلى قلوب الجزائريين، نظرا لمحبتهم العظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم.
كما سلّط ملتقى للتاريخ الأدبي لتلمسان النور على أدب الرحلات التي كانت متواصلة وغير منقطعة، خصوصا وأن تلمسان كانت بمثابة الجوهرة الوسطى لعقد المغرب الإسلامي، بما فيه الأقطار الثلاثة والأندلس، حيث كانت محطة لكل القادمين من المشرق للأندلس أو الذاهبين من الأندلس للمشرق، بالإضافة إلى رحلات الحج والعلم وحتى رحلات المتصوفة المعروفة بالسياحة والمرابطة للجهاد والذود عن دار الإسلام، سواء بعد سقوط الأندلس أو خلال الحروب الصليبة التي أبلى فيها علماء الجزائر البلاء الحسن، وعلى رأسهم إمامنا الكبير سيدي بومدين.
الشيء الذ يؤخذ على هذه الملتقيات التي تعد مكسبا ثقافيا كبيرا، أنّها لم تطبع محاضرات الأساتذة المشاركين الذين جاءوا من أماكن بعيدة، وتوزعها على الحاضرين في الملتقى للإثراء والاطلاع، رغم أن المركز وعد بطبعها، إلا أن توزيعها كان أولى نظرا للوقت الضيق الذي يمنح لمحاضر قادم من العراق، أو الكويت أو سوريا أو المغرب بـ 15 دقيقة، يضيع الوقت معظمه في مقدمة الإطراء وإن أوجز بذكر محاور محاضرته التي يتجاوز البعض منها 30 صفحة.
ومن أجل نشر المعرفة بعلمائنا وأعلامنا واطلاع الأجيال على موروثنا الحضاري من ثقافة وفكر وأدب، ينبغي أن نمدّهم بالمعلومات وأن نستثمر مثل هذه الملتقيات لتوسيع المعارف وللتعريف بأبرز العلماء الذين أنجبتهم الجزائر على مرّ العصور، وذلك من خلال طبع المحاضرات وتوزيعها إبان الملتقى على المشاركين وليس بعده.

ينظم ''مقهى بارباس'' بالعاصمة باريس الى غاية 24 فيفري الجاري، تظاهرة ''الكاباريه المتوحش''، الذي يستعرض تراث الأغنية الجزائرية بالمنفى وستشمل هذه الدورة 15 عرضا جديدا من توقيع مزيان ازاييس والمؤرخة نعيمة ياحي.
يقدم ''مقهى بارباس'' من خلال لوحات مختلفة من العروض الموسيقية، تاريخ هجرة الجالية الجزائرية بفرنسا ويسلط الضوء على فئة من هذه الجالية التي دفعتها ظروف الحياة القاسية إلى العمل بفرنسا، حيث كانت الغالبية من هؤلاء من عمال المصانع (اليد العاملة الرخيصة) ومن الأجراء باليوم، وبرز فيهم فنانون تناسوا شقاء الحياة اليومية وقدموا روائع موسيقية في النوادي والمقاهي الليلية المخصصة للمهاجرين.
 تسرد العروض وبكل التفاصيل المؤلمة حياة هؤلاء العمال الجزائريين، الذين سكنوا الأكواخ أو منازل تكدس العشرات منهم في غرفة واحدة، لكنهم مع كل مساء يسارعون الى هذه المقاهي لنسيان يومياتهم، بعضهم يغني وأغلبهم يستمع ويستمتع.
شهدت الفترة الممتدة من سنة 1930 حتى ,1960 أوج مراحل اغنية المنفى، كان فيها غالبية المطربين عمالا بسطاء وكونوا لهم نظاما وقانونا خاصا بهم يختلف عن ذلك الموجود في فرنسا، كما استطاعوا كسر وحشية الغربة وعزلة المغتربين الذين جمعتهم العروض الفنية بهذه المقاهي الفنية، بل أكثر من ذلك، تم من خلال هذه الإبداعات المحافظة على تراث الجزائر الوطني واضافة رموز فنية وقيم اجتماعية جديدة.
من رواد هذه الأغنية الشيخ الحسناوي، سليمان عازم، محمد مازوني، حنيفة، دحمان الحراشي، أكلي يحياثن، كمال حمادي، محمد جاموسي، ميسوم، صلاح سعداوي (أوكيل عمار) وغيرهم.
تشارك في هذه الدورة المغنية وعازفة القيتار سميرة ابراهمية، حفيظ جمعي، آني يايان الذي سيغني ويمثل، صلاح قواوة، مليك كروشي، مامون دحان، عمار شاوي، وغيرهم من الموسيقيين والممثلين والراقصين.
ومن ضمن ما سيقدم من تراث المنفى نجد ''الدار البيضاء'' للفنان الحسناوي و''الجزائر بلادي الجميلة'' لسليمان عازم و''اللي راح او ولى'' للمرحوم الحراشي و''سئمت.. انتهى الأمر'' للشيخة الريميتي و''خو خو مانيا'' لرشيد طه وغيرها من الروائح الكلاسيكية.تتناول العروض  أيضا التطور الذي تعرفه أغنية المنفى مع الأجيال المتلاحقة، وما هي الإضافات التي تعزز بها هذا التراث الثقيل عبر قرن م الوجود. كا يقدم بالمناسبة فيلم وثائقي للمخرج عزيز سماتي، يتناول تاريخ مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بباريس، والتي انتفض فيها الجزائريون لاستعادة كرامتهم وما كان من تضحيات جسام دفعها هؤلاء أمام الآلة الاستعمارية التي لم تفرق بين صغيرهم وكبيرهم، كما ربط هذا الشريط بين الأحداث وتطور أغنية المنفى.تنظم في الفترة ما بين العروض خرجات لأهم الأماكن، التي شهدت تاريخ حركة هجرة العمال الجزائريين تماما، كما كان في الدورة السابقة التي شهدت خرجات الفنانين الى الأحياء الشعبية بالدائرة الباريسية الـ,19 منها الحمام، محل العطارة ومقهى المتقاعدين. تشهد هذه الدورة أيضا تنظيم لقاءات فكرية وموائد مستديرة بمواضيع مختلفة، منها ''الثورات العربية المرحلة الثالثة من النضال ضد الاستعمار''، وذلك بالتنسيق مع تظاهرة ''الأسبوع المناهض للاستعمار''، إضافة الى عديد المعارض، منها معرض للصور الفوتوغرافية من توقيع ليلى  بوسنينة ''شيباني هنا'' ثم معرض علي قسوم ''فن التركيب''. ويقام بالمناسبة أيضا بيع بالإهداء مع حمو بوعكاز مساعد عمدة باريس المكلف بالحياة الجمعوية والديمقراطية المحلية، لتقديم كتابه ''أعمى، عربي ورجل سياسة هل يدهشكم ذلك؟''، الصادر عام 2011 ويتضمن قيم وذاكرة الأجداد. للإشارة، تهدف هذه التظاهرة إلى تعريف جيل الشباب من الجزائريين المهاجرين بتاريخ أجدادهم بفرنسا واستعراض تراثهم من فن وقيم وتاريخ سياسي، وذلك من خلال حوار فني مدروس يتماشى والزمن الذي يعيشه هؤلاء الشباب، وبالتالي تمتين حلقة التواصل بين الأجيال (الأحفاد  بالأجداد)، ناهيك عن إشراك الفنانين الشباب، خاصة من بارباس في هذه التظاهرة. من جهة أخرى، تسعى التظاهرة الى الاحتفاظ بعلاقة متينة تجمع هؤلاء الشباب بوطنهم الأم الجزائر والافتخار بالانتماء إليها والعيش في فرنسا بكرامة تامة.
ويبقى ''المقهى'' مكانا تاريخيا تجتمع فيه ذكريات المهاجرين، حيث كانوا يستمعون فيه للراديو وأخبار الجزائر ويتلقون فيه البريد (الرسائل والطرود) ويتمتعون فيه بروائع الألحان، وها هو اليوم جسر ممتد يربط الضفتين وقد يلاقي جمهوره على أرض الجزائر.
للتذكير، نظمت الدورة الماضية من ''مقهى باريس'' بين 11 و28 ماي 2011 وحققت نجاحا إعلاميا كبيرا امتد إلى الجزائر.

احتضن صالون الدمية الذي أقيم مؤخرا برياض الفتح ورشة حية لصناعة الدمية الخيطية، أشرف عليها عبد الحق مدني مدير متحف ''غنجة'' للعرائس والدمى الذي قدم من ولاية سيدي بلعباس لتعريف الجمهور بأصل الدمية الجزائرية المدعوة ''غنجة''.
''غنجة''.. هي عروس تقليدية من التراث الشعبي، وتعني كلمة غنجة ''الملعقة''، وتعرف باسم ''أم طانقوا'' في التراث التونسي والمغربي، هذه الأخيرة تصنع من المكنسة أو ''المصلحة'' التي كانت تستعمل في الزمن الماضي لتنظيف المنازل، حيث تعلق عليها العديد من الأقمشة بألوان زاهية، وأحجام مختلفة، يتم اللجوء إلى صناعتها عندما يتأخر موسم هطول الأمطار، حيث يقوم الرجال بأداء صلاة الاستسقاء، بينما تمنح ''غنجة'' للأطفال الذين يتجولون بها في المداشر والقرى، ويغنون بعض الأغاني الشعبية أملا في تغير الحال وهطول المطر، وعن اللجوء إلى صناعتها بـ ''المكنسة'' فهو رمز كنس الشر، وانتظار الخير، هكذا أبى عبد الحق مدني إلا أن يعرف الدمية ''غنجة'' في بداية حديثه إلينا، وأضاف قائلا ''اكتشفت من خلال أبحاثي فيما يخص تاريخ الدمية أن ''غنجة'' تزاوج وجودها مع أزيد من 25 أغنية شعبية من التراث الجزائري، مما يعني أن المجتمع الجزائري عرف ''غنجة'' منذ الأزل واعتمدوها كرمز للاستسقاء''.
يشرف عبد الحق مدني على إدارة متحف للدمى بولاية سيدي بلعباس، هذا الأخير يضم مجموعة متنوعة من الدمى التقليدية القديمة التي كانت تستخدم كوسيلة للترفيه على الأطفال وتربيتهم، كما قال محدثنا ''أملك بمتحفي أنواعا مختلفة من الدمى التقليدية منها الدمية القفازية، الخيطية المصنوعة من القصب، والدمية المبسطة، ومن خلال تجوالي بمختلف الدول العربية والأوروبية، قمت أيضا بشراء وتبادل بعض الدمى، على غرار الدمية الهندية، اليونانية، الماليزية والتركية... فحبي للأطفال وعشقي الكبير لعالم الدمية، دفعني للقيام بأبحاث حولها في العالم العربي والأوروبي، إذ تكونت ودرست فن العرائس وطرق استعمالها، في كل من تونس والمغرب، وكذا ببعض الدول الأجنبية كهولندا، إيطاليا وبلجيكا، وشاركت بأكبر مهرجان للدمى الذي يقام بفرنسا، حيث شاركت بمسرحية عن التراث الشعبي الجزائري، فيما شاركت ببلجيكا بمسرحية حول جحا عن طريق ''ال'ارا'وز''. 
وحول بعض المسائل التي استوقفت عبد الحق مدني خلال أبحاثه في عالم الدمية، قال ''اكتشفت أن المجتمع الجزائري عرف نوعا آخر من الدمى طبق في مسرح الأطفال وعرف باسم ''مسرح ال'ارا'وز''، الذي دخل إلينا عن طريق الأتراك وتحديدا في القرن ,12 حيث ذكر المؤرخون أن مسرح ال'ارا'وز هذه الكلمة التركية التي تعني ''عينان سوداوان'' تعتمد على الظل وعلى الفوانيس التي تنير ظل الدمية التي تقدم العرض خلف الستار الأبيض، هذا النوع من المسرح لقي رواجا كبيرا بالمجتمع الجزائري، كما وقفت أيضا - يضيف المتحدث - على بعض الحقائق ومنها أن دول المغرب العربي على غرار ليبيا وتونس والجزائر والمغرب عرفت الدمية عن طريق الأتراك بينما بالغرب الجزائري تحديدا، دخلت الدمية عن طريق الإسبان وتحديدا الاسبان المطرودين من بلادهم الذين استوطنوا الجزائر وأسهموا بحكم احتكاكهم بالجزائريين في نشر ثقافتهم التربوية في مجال مسرح الطفل.
وعن أهمية الدمية في عالم الأطفال؛ قال محدثنا إن الدمية أو العروس تعد وسيلة تربوية نعالج من خلالها الكثير من  المواضيع الاجتماعية والفلسفية بطريقة شعبية، لذا لابد من الاهتمام بها هذا من ناحية، ومن جهة أخرى أعتقد أن الدمية، خاصة في مجال مسرح ال'ارا'وز، تعد وسيلة فعالة  للتعريف بالتراث الشعبي الجزائري لدى الجمهور الصغير.

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)