الجزائر

عام جديد في عالم متغير طغت عليه حسابات القوى الكبرى



يبقى الخيار العسكري واردا لدى الشعب الصحراوي في مسيرته لنيل الحرية والاستقلال، حيث يعد قرارا سياديا للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليزاريو)، تلجأ إلى تفعيله في الوقت الذي تراه مناسبا، حسبما أكده الناطق الرسمي للمؤتمر الـ13 للجبهة.
وأوضح سيدي عمر محمد المتحدث باسم المؤتمر الذي عرف مشاركة دولية واسعة ونظم تحت شعار''الدولة الصحراوية المستقلة هي الحل'' في لقاء مع الـ''المساء'' أن الحل العسكري يعد من الخيارات الاستراتيجية الواردة في خطة عمل جبهة البوليزاريو تحسبا للسنوات القادمة. وهي القناعة نفسها التي أكد عليها المؤتمرون خلال مناقشتهم للتقرير الأدبي للأمانة الوطنية للجبهة.
وقال سيدي عمر محمد أن توجه الشعب الصحراوي للكفاح المسلح لا يمكن استبعاده في حال مواصلة تعنت المغرب وتجاهله لمطالب الصحراويين في تقرير مصيرهم وافتكاك الاستقلال''.
وأضاف أن ''المغرب يحاول اللعب على الوقت من أجل الاستفزاز في محاولة منه لكسب العضوية في مجلس الأمن الأممي، وعليه يتعين على الأمم المتحدة لعب دورها بجدية في الضغط على المغرب لجعله يمتثل للشرعية الدولية في تسوية النزاع القائم من خلال تقرير المصير.
ودعا المتحدث إلى ضرورة توحد الدول المجاورة لمساندة الشعب الصحراوي في قضيته العادلة ومساندة مطالبهم المشروعة.
وفي إشارته إلى مفاوضات استفتاء تقرير المصير بين جبهة البوليزاريو والمغرب قال المسؤول الصحراوي ''إن هذه النقطة تبقى في مفكرة برنامج جبهة البوليزاريو للسنوات القادمة، حيث سيتم بحث ومناقشة كيفية إعادة بعثها من جديد وفق توصيات الأمم المتحدة''.
كما لم يخف احتمال العودة للكفاح المسلح في حال إصرار المغرب على تعنته في عرقلة مسار المفاوضات التي لم تأت بجديد يذكر منذ شهر جويلية الماضي.
وفيما يتعلق بتصويت البرلمان الأوربي ضد تمديد اتفاقية الصيد البحري مع المغرب، أكد سيدي عمر أن هذا العمل لم يكن سهلا بالنظر للموقع المتميز للمغرب حيال الاتحاد الأوربي أو ما يعرف بحسن الجوار بين الطرفين.
وأوضح أن هذا المكسب الهام والاستراتيجي بالنسبة للصحراويين جاء بعد الضغط الكبير الممارس على السلطات المغربية من قبل البرلمانيين الأوربيين والذي يعد تحديا صعبا تم التوصل إليه بعد مناقشات مكثفة لبرلمانيي الاتحاد الأوربي دامت أكثر من 7 سنوات. ومن جهة أخرى، أوضح الناطق الرسمي للمؤتمر الـ13 لجبهة البوليزاريو أن ماتم التوصل إليه في هذا الإطار يعد جزءا من المكاسب المحققة في مسيرة الكفاح بالنسبة للقضية الصحراوية، مشيرا في الوقت نفسه إلى تكثيف الجهود لاحقا على المستوى الأوربي والأمي لتحقيق مكاسب جديدة بما فيها محاولة إعطاء نفس جديد لمفاوضات استفتاء تقرير المصير.
كما دعا في الأخير إلى ضرورة الضغط على المغرب لإجباره على التعاطي بشكل إيجابي مع الملفات الاجتماعية والاقتصادية والنقابية وكل القضايا ذات الصلة بالصيد البحري والمياه الإقليمية الصحراوية.

يواصل الفلسطينيون مسيرة كفاحهم على جميع الأصعدة من أجل تحقيق حلمهم في إقامة دولتهم المستقلة ولو على جزء من فلسطين التاريخية كخطوة أولى لتحرير كامل الأرض المقدسة. ولأن الفلسطينيين يدركون أن تحقيق هذا الهدف لا يمكن أن يتم دون وحدة الصف فقد بذلوا جهودا حثيثة طيلة العام الماضي لإنهاء الفرقة التي أثقلت كاهل الشارع الفلسطيني وتمكنوا في الأخير من التوصل إلى اتفاق للمصالحة يعملون الآن من أجل تطبيقها على أرض الميدان.
ولكن اتفاق المصالحة الفلسطينية جاء في خضم ثورة الشارع العربي ضد أنظمته والتي أدت إلى الإطاحة بأنظمة عتيدة في بلدان عربية ما كان أحدا يتصور أن تكون نهايتها بتلك الطريقة المأساوية، بينما تتواصل هذه الانتفاضة في بلدان عربية أخرى.
وهيأ سقوط نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك الأرضية من أجل بلوغ هذا الاتفاق الذي بقي عالقا لأزيد من أربع سنوات عانى خلالها أبناء الشعب الفلسطيني الأمرين، احتلال همجي كتم أنفاسهم، وفرقة شتت لحمتهم وفرقت وحدتهم وجعلتهم طعما سهلا في متناول عدوهم الصهيوني.
ولأن نظام مبارك كان بمثابة الحليف الأمين لإسرائيل طيلة ثلاثة عقود من الزمن فبمجرد سقوطه ومجيء نظام جديد وفق متطلبات شارع مصري متمسك بالقضية الفلسطينية تنفس الفلسطينيون الصعداء ووجدوا في مصر ما بعد مبارك الطرف العربي الذي افتقدوا دوره الريادي طيلة العقود الماضية.
كما أنه وبمجرد سقوط هذا النظام تمكنت حركة المقاومة الفلسطينية ''حماس'' من إبرام صفقة لتبادل الأسرى مع حكومة الاحتلال في سابقة هي الأولى من نوعها تم إثرها الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل إطلاق سراح 1027 أسيرا فلسطينيا.
غير أن الفرقاء الفلسطينيين يكونون أيضا قد استشعروا احتمالات انتفاضة الشارع الفلسطيني ضد حالة الانقسام التي يتخبطون فيها وهو ما جعلهم يتركون خلافاتهم جانبا حتى أنهم قدموا بعض التنازلات من أجل بلوغ قطار المصالحة محطته الأخيرة.
ولا يمكن تناول حصيلة العام 2011 في مسيرة الكفاح الفلسطيني دون الإشارة إلى الخطوة الشجاعة التي خطاها الفلسطينيون بقولهم لحكومة الاحتلال ومعها الولايات المتحدة ''كفى من مفاوضات سلام لا جدوى منها'' وذهبوا إلى الأمم المتحدة للمطالبة بحقهم المشروع في إقامة دولتهم المستقلة.
وحتى وإن قوبل مسعاهم بالفشل داخل مجلس الأمن الدولي بسبب الضغوط الأمريكية الرافضة لإقامة هذه الدولة؛ فإن الاعتراف بها من طرف الغالبية الساحقة للدول الأعضاء في منظمة العلوم والثقافة والتربية ''اليونسكو'' شكل انتصارا رمزيا لهذه القضية وقد يفتح الباب أمام اعترافات لاحقة في منظمات أممية أخرى.
وبمجرد أن رفرف العلم الفلسطيني فوق أسوار مقر المنظمة الأممية بالعاصمة الفرنسية باريس تأكد العالم أجمع أن هناك شعبا لم ييأس طيلة ستة عقود من الكفاح والنضال المتواصل من أجل نيل حقه المشروع في العيش بسلام على أرضه وتحت سماء الحرية.
لكن ورغم هذه التطورات فإن الفلسطينيين لا يجدون أنفسهم مع انقضاء عام 2011 أقرب إلى تحقيق هدفهم بإقامة دولتهم بسبب عدم إمكانية تمرير مطلبهم بالاعتراف بدولتهم داخل مجلس الأمن الدولي الذي يبقى معظم أعضائه تحت السيطرة الأمريكية.
وحتى مع انضمام أعضاء جدد إلى مجلس الأمن الشهر الجاري فإن المسعى الفلسطيني يبقى نجاحه ضعيفا وهو ما يجعل القيادة الفلسطينية مطالبة بأن لا تحول مجلس الأمن إلى مقبرة يدفن فيها طلب العضوية، خاصة وأن موازين القوى بداخله والموقف الأمريكي لا يخدمان هذا المطلب بما يستدعي وضع سياسة للتحرك على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة وبقية المنظمات الدولية.
ثم إن صراع الفلسطينيين التاريخي مع إسرائيل يزداد ضراوة في ظل تسارع وتيرة الاستيطان الماضي في ابتلاع مزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة في الضفة الغربية والقدس الشرقية التي من المفروض أن تكون عاصمة لدولة فلسطين المستقلة.

لم يكن القادة الأوروبيون الذين وقعوا على معاهدة العملة الموحدة قبل عشر سنوات يعتقدون أن إنجازهم الذي وصف حينها بالتاريخي أنه إنجاز بقدر ما زاد من قوة تكتلهم وضاهى قوة الورقة الخضراء الأمريكية بقدر ما جعلهم اليوم في أسوأ وضع اقتصادي أصبح يهدد بإفلاس دولا كانت رمز قوة الاقتصاد العالمي.
ولما كانت العواصم الأوروبية تسعى من خلال قرارها إلى إحكام قبضتها على الاقتصاد العالمي لم تكن تعي أن مقومات تحقيق ذلك غير متوفرة بل أنها لم تهيئ الأرضية الاقتصادية لتحقيق هذا التحدي ولم تتأكد من ذلك إلا عندما بدأت اقتصاديات الدول الأعضاء تترنح بالتدريج من المنحنى الإيجابي إلى السلبي ولم تعد قادرة على مسايرة وتيرة نمو الدول الأخرى الأعضاء وهي الآن على حافة الإفلاس.
وجعلت هذه الوضعية ''الكارثية'' من فترة عشر سنوات من مسيرة عملة الأورو كافية لأن يقف الجميع على صعوبة تجميع 17 دولة تحت مظلة عملة واحدة واقتصادياتها متباينة من حيث نسبة النمو والقوة وجعلت هذه التجربة أشبه بعربات قطار واحد ولكنها لا تسير بنفس السرعة.
ولم يتفطن الاتحاد الأوروبي لخطورة توقف عربة الاقتصاد الإسباني ثم البرتغالي والإيرلندي إلا بعد توقف العربة اليونانية التي كان توقفها عن المسير سببا في اشتعال الضوء الأحمر على سكة قطار الوحدة المصرفية الأوروبية وحتم على عربات المقدمة أن تتوقف لترى ماذا يحصل ولكن بعد فوات الأوان.
وإلى حد الآن؛ لم يتمكن مهندسو العملة الأوروبية الموحدة الذين شخصوا الداء أن يجدوا الدواء الشافي لمعضلة اقتصادية تبعاتها مرشحة لأن تصيب الاقتصاد العالمي بإنكماش أخطر من ذلك الذي عرفه النظام الليبرالي في أول أزمة عالمية يواجهها سنة .1929
فقد صعب عليهم بعث الروح في اقتصاد يوناني متهالك رغم مبلغ 120 مليار أورو التي تم ضخها في دواليبه ولكنها لم تتمكن من إخراجه من دائرة الخطر الأحمر إلى درجة جعلت متتبعين اقتصاديين لا يستبعدون خروج اليونان من مجموعة الأورو والعودة إلى عملتها التاريخية الدراخما.
وإذا وصل الحال إلى مثل هذه الفرضية الأكثر تشاؤما فإن ذلك سيكون أول شرخ في كتلة كانت تبدو أقوى التجمعات الاقتصادية العالمية، بل أن مثل هذا الاحتمال قد يؤدي إلى انهيار المجموعة من أساسها وخاصة إذا علمنا أن دولا مثل إسبانيا والبرتغال وإيرلندا وإيطاليا لم تعد في منأى عن دائرة خطر إفلاسها.
وهي صورة قائمة لتكتل أراده أصحابه أن يقف في وجه الهيمنة الاقتصادية الأمريكية الآتية من وراء الأطلسي وصد الزحف الصيني الذي أصبح ينظر إليه على أنه الخطر الأدهى القادم من الشرق.
وعندما تصبح وكالات الائتمان العالمية تهدد اقتصادا بحجم الاقتصاد الفرنسي بنزع ضمان الثقة الكاملة، فيه مؤشر كاف على بلوغ فرنسا مرحلة الخطر وعجز ألمانيا عن سحب القطار الوحدوي بمفردها من خلال إنقاذ اقتصاديات دول مفلسة فإن ذلك كله يؤكد أن الاقتصاد الليبرالي أصبح مهددا في كيانه.
وهي الحقيقة التي وقفت عليها المستشارة الألمانية انجيلا ميركل وجعلتها تدرك أن منح المزيد من المساعدات المالية لاقتصاديات مفلسة سيثقل كاهلها مع مرور الوقت وفي ظل غياب أية مؤشرات إيجابية وجعلها تؤكد أنها لا تقبل أن تبقى سندا لشعوب لا تنتج.
والمفارقة أن الأزمة المصرفية وتنامي حجم الديون العمومية في كل الدول الأوروبية وعجز حكوماتها على السداد انتقل إلى ما وراء الأطلسي عندما وجدت الولايات المتحدة نفسها في دوامة مديونية عمومية قياسية غير مسبوقة وكان تراجع قيمة الورقة الخضراء أكبر مؤشراتها.
بل إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وجد نفسه مقيد اليدين وعجز عن القيام بإصلاحات بسبب ثقل هذه الأزمة التي جعلت من وول ستريت رمز القوة والجبروت الاقتصادي الأمريكي تتحول إلى ملتقى لآلاف الأمريكيين الناقمين على تبعات الاقتصاد الليبرالي بعد أن وجدوا أنفسهم عاجزين عن الخروج من الانعكاسات السلبية للأرباح الربوية وجشع أصحاب بنوك همهم الوحيد تحقيق الربح ولا شيء سواه.
وكان لاستفحال هذه الأزمة بين ضفتي الأطلسي أن طغى الاقتصاد على السياسة واضطر أقوياء العالم إلى تخصيص قمم لبحث المسألة وكيفية الخروج من حالة الانكماش الراهنة.
وهي مسألة حيوية إذا ما علمنا أن الولايات المتحدة إنما أرغمت على الانسحاب من العراق ليس بسبب انتهاء مهمتها ولكن تحت طائلة عدم قدرتها على مسايرة اتفاق عسكري متزايد في بلد تجهل مستقبله.
وهي التجربة التي ينتظر أن تعيدها في أفغانستان العام القادم ويفسر أيضا حربها بالوكالة في ليبيا وعجزها عن فعل أي شيء في سوريا فما بالك في كوريا الشمالية وإيران.
ولما كانت مصائب قوم عند قوم فوائد فقد خرجت الصين أكبر المستفيدين من المحنة الاقتصادية الغربية بفضل نسبة نموها إلى درجة أنها عرضت على خصومها السياسيين مساعدتهم ماليا وشراء سندات ديونهم العمومية لتجاوز محنتهم المالية، ولكن أيضا من أجل التأكيد على أنها القوة الأولى في العالم.
وهو ما يجعل السمة الغالبة على عالم الألفية الثالثة في عامها الثاني عشر، طغيان صراع خفي في كثير من الأحيان وتنافس معلن في أحيان أخرى في تجاذبات اللعبة الدولية، التي تعرف حراكا غير منقطع تسعى الدول والتكتلات ضمنها إلى تحقيق أكبر المكاسب الاقتصادية والأرباح الطائلة، باعتبار المال كان ولا يزال عصب كل شيئ من الحروب إلى التخابر إلى التعاون والمساعدات.
ولكن الحصول على مزيد من المال عادة ما يؤدي إلى حزازات وخلافات وحتى شن حروب مدمرة لأجل تحقيق ذلك المال، الذي يؤدي إلى الجاه والقوة وبعلاقة متعدية إلى تحقيق ما تريد.
وعندما استأثرت هذه القوى لنفسها بلعب دور محوري في صناعة القرار الدولي، فقد انعكس ذلك على صغار العالم وضعفائه، الذين أصبحوا مسرح صراع الأقوياء وعادة ما يدفعون ثمنه بحروب أهلية دامية واحتلال مقيت أو بنهب ثروات شعوبهم في صيرورة تاريخية حكمت عالما لا يؤمن إلا بالقوة منذ ظهور الكيانات الدولية الكبرى.
وفي خضم هذا التطاحن، شهد العالم العربي حراكا شعبيا أطلقت عليها الدعاية الغربية ''الربيع العربي'' ولأن فصل الربيع يحمل بشائر الأمل وانبعاث الحياة من جديد، فإن السؤال الذي يطرحه المواطن العربي البسيط: هل يحق له أن يأمل في غد مشرق تحت شمس حرية جديدة؟
الإجابة قد تكون صعبة كون حراك التغيير لا يزال في بدايته والحكم إيجابا أو سلبا يبقى مجرد تخمينات قد تصيب وقد تخطئ، ولكن الخوف كل الخوف أن تدور الدائرة ونعود بعد أن ينجلي الضباب إلى نقطة البداية ويتبدد حينها الأمل ويتحول إلى حسرة...

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)