الجزائر

ضيعوا جزءا من حياتهم في مطاردة الوهم



هل عين أصابت الجزائر حتى هجرها أبناؤها وتركها للدخلاء يحتلون سكناتها ويقومون على تدبير شؤونها؟ أم أنها سياسة متعمدة من قبل جهات عليا لإخراج أهلها من عقر دراهم، والإتيان بقوم آخرين، بدليل السكنات التي توزع بطرق فوضوية غير ممنهجة دفعت بالمواطنين إلى الخروج إلى الشارع بعدما تم إقصاؤهم من القوائم الاسمية للسكنات الجديدة، ويقومون بأفعال لم يعتادوا عليها مثل قطع الطريق، وصلت الأمور إلى حد التهديد بالانتحار بكل الوسائل "الشنق" أو"الحرق"، وأمام هياكل ومؤسسات الدولة وعلى المرأى المسؤولين والوزراء،وهم يتساءلون ما الهدف من إفراغ المدينة من سكانها الأصليين وتهجيرهم أونفيهم إن صح القول إلى أماكن بعيدة، دون توفير لهم أدنى وسائل النقل والمرافق الأخرى لاسيما المتعلقة بالشباب. لمن يا ترى هي المشاريع ( وسط مدينة قسنطينة نموذجا )، ومن هم سعداء الحظ الذين سيحظون كذلك بهذه المشاريع، هل هي لأبناء المدينة أم لأناس قادمون من بعيد، الذين غادروها يوم هتف الشعب الجزائري بالاستقلال، والرسالة ليست مشفرة حتى يفهم سكان المدينة لمن هذه المشاريع (الترامواي، الجسر العملاق، ترميم الجسور، وتوسيع طرقات الولاية، مشروع الطريق السريع شرق غرب، تهيئة المطارات، مسرح الهواء الطلق والمدينة الجامعية وتحويل مكان الخردوات إلى عين عبيد، توزيع المشاريع على فئة دون أخرى و.. و..و.. والقائمة طويلة). لا حديث اليوم إلا عن الوضع الذي آلت إليه مدننا (عاصمة الشرق قسنطينة التي فقدت صورتها كعاصمة للشرق)، بعدما صارت في مؤخرة الصفوف وأصبحت الولايات الأخرى التي كانت تابعة لها في الصدارة، مباني يطبعها اللون الأحمر ل "الآجر" دون إتمام، وبقايا البناء ملقاة في جوانب العمارات، وتكاد الأتربة أن تتحول إلى جبال بفعل العوامل الجوية، وأخرى دون استغلال، تحولت إلى وكر للدعارة وتعاطي المخدرات، محلات مغلقة في الوقت الذي حرم الشباب من فرص العمل والإستثمار، فجعل من حيطان المدينة الفضاء الذي يعبر فيه عن همومه ومشاكله اليومية، بعدما خلع ثوب الحياء وهويأخذ مصروف يومه من أبيه المتقاعد أومن أمه التي تعمل نظّافة عند الأغنياء، وبواسطة الكتابات الجدارية رسم هذا الشباب لوحة للتمرد والانتقام من دولة همشتهم وألقت بهم في الشارع، فحولتهم إلى شواذ وسُرّاق، ومُدمنين وقُطَّاعْ طرق وحولتهم إلى"إرهابيين" بكل معنى كلمة إرهابي، وآخرون وجدوا ملاذهم في معاكسة الفتيات والترصد لهن بمجرد خروجهن من المسكن أوالمدرسة أوالمعمل، وأصبحت ظاهرة الاختطاف عادية في جزائر، لأن قطار الزواج فاتهم وأصبح حتى الرجال يعانون من العنوسة، بسبب البطالة وغياب السكن، وانعكست هذه الظاهرة على بعض الفتيات (بائعات الهوى) اللاتي اخترن الشارع مأوى لهن، يرتمين في أحضان من يلعب بالمال، طبعا هذه الشريحة من الشباب ليست ابن وزير أورئيس حزب أوحكومة لأن هؤلاء يدرسون ويتفسحون في الخارج، مستقبلهم مضمون حتى لوفصلوا من مقاعد الدراسة.في كل شبر من المدينة إلا وتجد حفرة، مشروع هنا وآخر هناك، دون وضع أرضيته، وحفر أخرى نشأت بفعل رداءة الطرقات، ولا تنكشف هذه العيوب إلا عند تساقط الأمطار، وكأن المسؤولون على هذه المدينة جعلوا من هذه الحفر قبورا أرادوا أن يدفنوا فيها أبناء المدينة، وكأنهم أرادوا القول لهم: "ليس لكم الحق في الحياة"، وهكذا فرقت الجزائر أبنائها شرق غرب، تاركة أمهات تبكي عن أبناء غابوا ولم يعودوا، ولا أحد يعرف مصيرهم، كانت "الحرڤة" الحل الوحيد للشباب والكهول وحتى الأطفال، الذين فضلوا الهجرة عبر قوارب الموت، ذهبوا ولم يعودوا وآخرون عثر عليهم جثثا متعفنة في مختلف الشواطئ، والبعض الآخر زج بهم في سجون البلاد الأجنبية وحتى العربية.
شهادات غير معترف بها لدى الوظيف العمومي الجزائر عَلّمَتْ أبناءها وسهرت على تكوينهم وصرفت عليهم ميزانيات تقدر ب الملايير، شيّدت جامعات ومعاهد ومخابر، وتخرج على يديها " كوادر" ومخترعون ومبتكرون، ومهنيين ولكن، لم تستفد من تجاربهم، لأنها تبنت سياسة، أجبرتهم على الهجرة والعيش "غرباء"بعيدا عن الوطن، فصبوا عُصَارَة جهد السنين في المخابر والمصانع الأجنبية يطورون وينمون اقتصاد الأجنبي، (6000 طبيب جزائري في فرنسا وحدها )، قالها وزير الصحة في الزيارة الأخيرة التي قادته إلى عاصمة الشرق، ويا ترى كم عدد المهندسين والفيزيائيين الذين يقدمون زبدة أفكارهم للبلاد الأجنبية، التي حصدت ما زرعته الجزائر؟ كما شيدت الجزائر معاهد للتكوين المهني واقترحت تخصصات جديدة كحل للتقليل من حدة التسربات المدرسية والقضاء على البطالة، وجعلت لها وزارة وأصدرت لها قوانين تسير عليها وتسيرها، ولكنها كانت سياسة فاشلة، وبإمكان أن نقدم أمثلة حية من خلال الفرص التي فتحتها وزارة الفلاحة وقتذاك.كانت في بداية التسعينيات في وقت تبنت فيه الجزائر سياسة المعاهد المتوسطة الفلاحية قد فتحت فرص لتكوين الطلبة ذوي مستوى الثالثة الثانوي الذين خانهم الحظ في الحصول على شهادة البكالوريا بمختلف الشعب بما فيها الشعب الأدبية وعن طريق المسابقات تنافس المترشحون للفوز بمقعد داخل المعهد للحصول على شهادة تقني فلاحي بالنسبة للشعب العلمية، أما الشعب الأدبية فقد أسقطوا إلى قسم أعوان تقنيين فلاحيين، كون البرنامج كان له طابع علمي، وتابع الطلبة الفائزين في المسابقة تكوينا لمدة سنتين، مع إجراء كل ثلاثة أشهر تربصات على مستوى المزارع النموذجية، ليتخرجوا بشهادة تقني فلاحي وعون تقني فلاحي تخصص إنتاج نباتي، بعد إجراء تقرير شامل عن التربص الذي أجروه، وبعد سنوات صدر قانون بمنح أراضي فلاحية لكل من تلقى تكوينا في قطاع الفلاحة، ولكن المحسوبية والجهوية حالت دون تحقيق الهدف، والسؤال الذي يمكن أن نطرحه هو: (ماذا يعني فلاح من دون أرض وقد تحول العقار الفلاحي إلى بنايات أي بيتون؟) أن تقتل شخصًا أهون من أن تقتل حُلمًا. تخصص آخر استحدثته وزارة التكوين المهني والتمهين مع بداية سنة 1999 وهوتكوين تقنيين ساميين تخصص كتاب طبيين كان هذا التكوين أول تجربة تخوضها الوزارة لترقية مستوى التكوين، تلقى فيها المتربصون تكوينا شاملا، شق منه شبه طبي، والشق الثاني إداري) وكانوا يصنفون في المستوى الخامس، طالما شهادتهم تعادل شهادة (باك + 3 ) ويتمتعون بنفس الحقوق التي منحت لطلبة مدرسة الشبه طبي، لأنهم يتقاسمون نفس البرنامج، ويدرسون نفس المقررات (التشريح، علم الأمراض، الصيدلة، وعلم النفس والتمريض والإسعافات الأولية) فضلا عن المقررات الخاصة بالجانب الإداري، خصصت لهم الوزارة أساتذة مختصين في الشبه طبي، وكانت فعلا تجربة ناجحة للغاية أثبت الطلبة قدراتهم، بعدما تلقوا تكوينا لمدة ثلاث سنوات وتربص لمدة 06 أشهر لمختلف المصالح الإستشفائية وأنجزوا مذكرة تخرج.ولكن المتخرجين الحاملين هذه الشهادات وعددهم يقارب 100 متخرج في سنة 2003 كدفعة أولى، ثم لحقته دفعات أخرى من بعدهم، اصطدموا أمام واقع مر، كون الشهادة الممنوحة لهم غير معترف بها لدى الوظيف العمومي، بعضهم ابتسم له الحظ بفعل المحسوبية، وآخرون ما زالوا ينتظرون إلى اليوم، ومسابقات أخرى عن طريق المؤسسات الخاصة المعتمدة من طرف الدولة (شهادة تقني سامي في السياحة تخصص مرشدين سياحيين وأعوان وكالة متعددة الخدمات) التي رشحتها بعض المراكز الخاصة كنموذج، والأمثلة كثيرة ومتعددة..

استهلكوا ونحن نفكر..
هكذا أراد بعض المسؤولين في الجزائر الذين طبقوا مقولة هنري كيسنجر الشهيرة: "استهلكوا ونحن نفكر"، فكر مسؤولونا وجعل من المجتمع الجزائري مجتمعا مستهلكا، استهلك شبابنا المخدرات والكوكايين ولبس "الشيفون" الذي يستورد من الخارج وعاد يحمل فيروس "السيدا"، وهوإلى اليوم يكابد المرض والجوع، بعدما تحولت مادة "البطاطا" في الجزائر إلى "فاكهة"، وأصبح المواطن الجزائري يأكل لحم الجيفة المستورد، دون مراقبة، ويقرأ المسؤولون ما تنشره الصحف من أخبار عن تعترض عائلات وطلبة جامعيون إلى تسمم غذائي، ويمرون عليها مرور الكرام، أصبح الشيفون موضع نقاش في "البرلمان" الجزائري، يستهلكون الأفلام المدبلجة والرقص على أوتار الجاز، وكان مسؤول عن الثقافة في عاصمة الشرق أن صرح أمام الصحافة بالعبارة التالية: "لازم نْهَوَّلْهُمْ"، وتحول الفعل الثقافي في الجزائر إلى غناء ورقص وتهوال.كل هذا يؤكد على أن السياسة التي انتهجتها الجزائر أثبتت فشلها، أوأن نتائجها لم تدرس بالشكل الجيد، وتتطلب إعادة النظر فيها، ولكن ذلك يتطلب وقتا، حتى لا نقول فات الأوان، لأن الشباب أيقن واقعه، وتوصلوا إلى حقيقة مفادها أن دولتهم تضحك عليهم وهي تحدثهم عن التنمية، فطالب ب "التغيير"، وهم يرددون: " لا تدس سنابل القمح لكي تقطف شقائق النعمان"، هكذا يقول المثل العربي، نعم قطفوا اليد العاملة الأجنبية والدراسات التقنية الغير ناجعة، بعدما وضعوا فيها الملايير.. الملايير من الخزينة العمومية، دون الحديث عن الفساد وووضع المال العام في الجيوب من عرق الشعب المقهور.
الحكم الراشد ما بعد الإصلاحات..؟
وحتى تتفادى التخريب والتكسير، باشرت إصلاحاتها السياسية والاقتصادية، وقد وضع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أرضية مشروعه الإصلاحي، من خلال عقد جلسات تشاورية مع كل شرائح المجتمع، في إطار مشروع الحوكمة المحلية والحكم الراشد، لبناء دولة ديمقراطية قوية، فهل سيكون هذا المشروع حقيقة ملموسة يعيشها المواطن الجزائري، أم أنها ستضحك عليه من جديد طالما المحسوبية والجهوية والرشوة متفشية في المجتمع الجزائري؟ الإجابة على السؤال الأيام وحدها كفيلة بالرد عليه للكشف عن صورة الجزائر ومشروع الحكم الراشد ما بعد الإصلاحات.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)