الجزائر

''صندوق العجب''.. لا يعجب!! كلام آخر



''صندوق العجب''.. لا يعجب!!                                    كلام آخر
منذ السنة الماضية والخطاب الرسمي والإعلامي يتحدث عن ''إصلاحات سياسية''، وضمن هذه الإصلاحات تم سنّ قوانين أو تعديلها، ومنها القانون العضوي للإعلام. وفي هذا السياق نحن في انتظار قانون السمعي البصري.
وأسجل بإلحاح أن الإشكالية سياسية بالأساس والجوانب التشريعية فيها والتكنولوجية أو التنظيمية تأتي في مستوى ثان. فضعف الإعلام يعود بالأساس ل''السياسة'' وضعف العلاقة بين الناس والسلطة أو اضطرابها يعود في جانب منه لضعف ''السياسي'' أو قصوره وضعف الاتصال والتواصل سببه، في الغالب، تبعية ''الإعلامي'' ل''السياسي''.
لقد عاشت الجزائر تجربة رائدة منذ أكثر من عشريتين ولكنها أجهضت. وكان ذلك جزءا هاما من المأساة الوطنية. لقد قُتِلت وسائل إعلام ثم تشوّهت الساحة الإعلامية بتورّم مرضي مخيف. والتخوف هو من استمرار ذلك الأسلوب في إدارة العملية الإعلامية برمتها.
لقد ''تورمت'' الساحة أيضا بشبكات مصالح يبدو أنها بلغت من القوة حتى تركت انطباعا قويا أنها ذات نفوذ واسع في اتخاذ القرار، وصحب ذلك غياب ''استراتيجية'' وغموض ''سياسة'' إعلامية، فضلا عن بدائية ''صناعة الفرجة'' وتخلفها في جل أبعادها.
وينبغي أن نذكر أن بلادنا المسكينة تأتي اليوم في مرتبة متأخرة جدا في مجال الإعلام السمعي البصري، تنوعا ونوعية وتكنولوجيا. وينبغي أن نتذكر أيضا أن الجزائر تأتي، للأسف الشديد، في مراتب متأخرة في مجالات عدة ومنها مجال الحريات والشفافية والحوكمة.
نعم نحن لا نتحكم بما يكفي في إنتاج ''الفرجة''، سمعية كانت أو بصرية، لا في المجال الإخباري ولا في مجال الترفيه ولا في مجالات أخرى كثيرة. ويجمع الكثير من المختصين على القول إن ما ينتج محدود النوعية أو رديء. بل نحن لا نعرف بشكل علمي الطلب الاجتماعي على الإعلام وعلى الثقافة والترفيه وغيرها، فصار الإعلام يدار ب''تقديرات'' فردية أو عصبية أو مصلحية.
لهذا، فإن أي ''إصلاحات'' ناقصة أو محدودة الأثر سياسيا أو عديمة الأثر على آليات اتخاذ القرار وأي إصلاحات، لا تحدث تقدما حقيقيا على طريق قيام دولة المؤسسات ودولة القانون ولا تمكّن من استعادة الكثير من هيبة الدولة المهدور لا يمكن أن توفر شروط قيام مناخ إعلامي يضمن إنتاج إعلام ذي مصداقية وإعلام يحفظ الأمن الإعلامي للبلاد والمجتمع في غابة الفضائيات وفي غابة العولمة الإعلامية.
إن الإشكالية الأولى الأساسية هي ضمان قيام مجال سمعي بصري غير خاضع، لا لاحتكار السلطة ولا للاحتكارات المصلحية الجديدة. فكيف يمكن للمهنيين أن يكونوا مستقلين وأي رأسمال يمكنهم الاعتماد عليه، هل هو الداخلي أم الخارجي أم الاثنين معا؟ وكيف يمكن للمهنيين الصمود في وجه الاحتكارات، احتكار السلطة واحتكارات المصالح التجارية والمالية؟ وأي إعلام يمكن أن ينتجه أي تحالف ممكن للاحتكارات في ما بينها؟ إن الرهانات كبيرة وثقيلة الأثر على البلاد ومصالحها.
لهذا فإن الخلاصة الأخرى المتفرعة عن الخلاصة الأساسية هي أنه من دون حياة سياسية حقيقية ومن دون وجود سلطات مضادة ومن دون وجود مؤسسات حقيقية، برلمان وسلطة قضائية مستقلة، ومن دون وجود فعلي للرقابة السياسية والقانونية، هناك مخاطر جمة من دخول تجربة الإذاعات الخاصة والقنوات التلفزيونية الفضائية الخاصة.
لا بد من وجود سلطة عمومية قوية. ولا بد من وجود سلطة ضبط قوية تستمد قوتها من قوة مؤسسات الدولة ومن قوة الرقابة السياسية وهذه مشروطة بوجود حياة سياسية حقيقية وهي الأخرى مشروطة بوجود فعلي لأحزاب تعبّر فعلا عن توجهات رأي وعن مصالح.
لا بد من وجود مناخ إعلامي ينتج طلبا قويا على الإعلام السمعي البصري، وهذا المناخ للأسف لا يختلف عن المناخ السياسي إن لم يكن أردأ منه. فالقطاع العام مازال يئن تحت وطأة رتابة ورداءة أفقدته مصداقيته لدى الرأي العام، كما أن المهن الكثيرة التي ينبغي أن تتكفل بهذا الإعلام محدودة جدا في البلاد وليس هناك مناخ إنتاجي ملائم يضمن تزويد هذه الوسائل بمواد إعلامية كافية وذات نوعية.
إن التجارب الأولى في إنشاء قنوات تلفزيونية جرت في إطار فوضوي، وارتبطت مرة أخرى ب''مراكز النفوذ'' والمصالح، وأعطت انطباعا قويا عن ''نوعية القنوات'' التي يمكن أن تبادر بها أطراف ذات نفوذ ومحتواها وغاياتها، إنها مقدمة تؤشر لاحتمال قيام احتكار ورداءة مقرفة.
كل هذا يطرح إشكاليات كبيرة، لكن الأهم فيها هي الإشكاليات السياسية.

[email protected]


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)