الجزائر

صرخة الشابي.. وصلت


 انتفضت تونس. وانتصرت للديمقراطية. وانتظر نظام بن علي شهرا ليستوعب ما لم يدركه على مدار عقود، مضطرا للتجاوب مع مطالب فتح المجال السياسي والإعلامي والنقابي والجمعوي، والاهتمام بالفساد. ولكن، كيف سيتم ذلك؟ وبأي آلية ستتم بها الإصلاحات في تونس. فإن هي تمت من طرف الحكم دون توسيع المشاركة إلى بقية التونسيين، ربما ستكون نتيجتها استنساخ التجربة الجزائرية التي انطلقت من قمة 5 أكتوبر 88 ثـم بدأت في التدحرج والسقوط، إلى أن وصلت إلى اختزال الديمقراطية والتعددية وحرية الإعلام في شعار أنعم سيدي الرايس .
الصورة التي تشكلت لدينا عن تونس على مدار السنين والعقود، أن شعبها الطيب لن يجرؤ يوما على قول لا لنظامه. هكذا، قررنا في تصورنا بأن الخوف تمكن منهم. مع أنه في السنوات الأخيرة سمت المعارضة التونسية إلى درجة نوعية في تعاملها مع نظام بن علي، وشملت أحزابا ونقابات، متحدية شتى أنواع التهديد والترهيب. وكان المسار أن تحققت يوم 13 جانفي نبوة الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي: إذا ما الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر .
منذ 19 عاما، خرج الرئيس الشاذلي من قصر المرادية. خرج وترك وراءه القالب الذي أتى به إلى الحكم. فإصلاحاته على تعددها وتنوعها، بقيت سجينة حدود النظام. أولا، لأنها لم تمكن الجزائريين، من خارج الحكم، من المشاركة في صياغة التحولات. وثـانيا، لأن الغياب (الإقصاء) أبطل مفعول إمكانية الالتفاف، والدفاع عن مشروع الانتقال. وتسبب غياب البرنامج المشترك في تفتيت قوة الجزائر، لتدخل في صراعات بين أطراف التيار الواحد، وبين التيارات، حول أسبقية حمل مشعل الريادة والزعامة.. ولنر، اليوم، كيف أن الصراع ما يزال قائما، وكيف تحولت ثـمار أكتوبر إلى خردة يتقاتل عليها الحلفاء قبل غيرهم من الأحزاب.
فالتجربة الجزائرية، من هذه الناحية، ستكون مفيدة. فالتغيير الذي يأتي دون مشاركة الآخرين في صياغته أو تصوره، مصيره مهزلة .. لكنها مهزلة قد تكون دموية.   
والعبرة التي نستخلصها من التجربة التونسية أن طول الاستمرار في الحكم بنفس الوجوه وبنفس القواعد، يؤدي إلى عزل الحاكمين عن الواقع. ففي حالة الجزائر، نشعر بأن الحكومة التي تتغنى صباحا نهارا بالأرقام، وكأن أعضاءها لا يدركون واقع الحياة. فهل يتوقعون ابتسامات وسط الطريق المزدحمة عندما يقطعونها دون توقف؟ هناك مقولة يرددها العاصميون: إذا رأيت سيارة على الخط الأصفر، فإنها ليست لـ شعبي . والترجمة أن القانون يطبق على الضعيف.
إن طول مدة البقاء في الحكم ينسي الواجبات، ويجعل الانتخابات منافسة بين الثـاني والبقية.. تلك هي حالة الانتقال من نظام الحزب الواحد إلى النظام التعددي الثـلاثـي الأبعاد، والذي يمنحنا شعورا بأن ما نعيشه حقيقي.. فهناك أحزاب، لكن لا حول لها ولا قوة.
كان يمكن للرئيس بوتفليقة، بعدما عدّل الدستور من أجل تمديد العهدات، ألا يعمم القاعدة. فتغيير الوجوه من سنة الحياة. ويجعل كل قادم يفكر في اللقاء الذي سيجمعه بـ أصدقائه ومعارفه وعائلته بعد انتهاء مهمته.
ويمكن اعتبار ما صدر من تعليقات عن مسؤولين حول الاحتجاجات التي عرفتها الجزائر، أنها كانت خارج الإطار. وفضحت تقييمهم الهزيل للأحداث، وكأنهم سياح أو عابرو سبيل.. فكيف نقرأ حكم من يقول بأن الاحتجاجات شرعية عندما تتعلق بأسعار الزيت والسكر.. وهي مؤامرة دبرتها أياد خفية أو هي مؤامرة ضد الرئيس عندما يتم ربطها بالاحتقان السياسي؟ هل توقف التحليل عند رفوف السكر والزيت؟
ويعيب وزير الداخلية على الأحزاب غيابها عن تأطير المسيرات الاحتجاجية. فهل يتحدث عن الجزائر الممنوعة على كل معارض، وعلى كل من يختلف مع الحكومة ومع السلطة الفعلية أو مع الرئيس؟ لقد جدد رفضه لمسيرة دعا إليها الأرسيدي. ولن يتخلف ليكون المؤطر الأول لأية مسيرة عفوية تندد بـ الأيادي الخفية التي تعمل على زعزعة الاستقرار.
لقد التقت الآراء حول استنكار العنف والتكسير والتخريب والحرق. فكل من تعرض للضرب، لا يستحق ما تلقاه من عنف. وكل ما تم تكسيره وتخريبه أو حرقه، هو خسارة سيدفعها كل جزائري من جيبه. إضافة إلى أن الانزلاق يعد مبررا قويا لإطالة عمر حالة الطوارئ.
فإلى متى نواصل لعبة الكلمات ، حيث نسمي الانقطاع تواصلا، والإقصاء تشاورا، والاحتواء تحالفا، والاحتكار حماية..؟
من بين ما كتبه مؤخرا، وهو من القلائل الذين يبدون إصرارا على الكتابة بشكل منتظم ومتواصل، وتفادي الاختباء وراء حاجب الأمور لا تسمح ، يتساءل أحمد بن بيتور عن جزائر ما بعد 2014 وعن جزائر من دون ريع بترولي؟!
وبحقائق اليوم الاقتصادية والزراعية، لن يكون أمام الحكومة من وسيلة للهروب من الواقع، كأن تخفض أسعار مواد وتكافئ بعض الشركات ـ البارونات بإعفاء جبائي على أرباحهم. فبعد الريع، لن ينفع إلا الحكم الراشد. وهو مصطلح يستخدم بإفراط منذ عقد، لكن في شكل حبر على ورق خطاب. وقد عرت الأحداث ضعف الحكومة التي تهيأت لدخول عصر الشفافية التجارية، من خلال تشديد العمل على مراقبة السجلات التجارية، والتحضير للتعامل بالشيكات. وقامت، من حيث لا تعلم، بلفّ الحبل على رقبتها، حين أرادت التحكم في السوق السوداء. لكن، هل تتم فعلا تصفية التجارة في محيط رمادي ـ ضبابي؟ يقول ضحايا برنامج الشفافية: لماذا نحن فقط من دون خلق الله، تنبشون في دفاترنا وفي حساباتنا.. . وربما يسخرون من قرارات الحكومة الأخيرة. ليس لتراجعها عنها، ولكن لضعف موقفها. فبرنامج بهذه الأهمية بحاجة إلى حلفاء سياسيين واجتماعيين، لهم وجود ويتمتعون بتأثـير، ولهم من القوة ما يدفع إلى تنقية الحياة العامة. والسلطة ليست لها هذه الإمكانية، فقد عزلت نفسها عن الأحزاب وعن الجمعيات يوم قررت مواصلة تقزيم من لا يساندها، و صغرت المساندين، عندما كلفتهم بمهام الشهادة بنجاح البرنامج، والتوقيع. أما التفكير..
أمنيتي أن يشارك التونسيون في صياغة تحولهم. فذاك هو الضامن الأساسي للحفاظ على مكتسبات الديمقراطية التي جاءت بها تضحيات. ولم تمنح لهم كـ مزية .


hakimbelbati@yahoo.fr
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)