الجزائر

سيدي زيد



سيدي زيد
كنت أظن في وقت ما أنه يكفي أن نتقدم إلى الأمام مطأطئي الرؤوس و بعفوية لبلوغ أهدافنا و أنّ :"خنفس دنفس عشب الليل قع أخضر".على كل حال، كان ذلك هو الانطباع الذي بدا لنا، من قبل الرفاق. كل العقلاء الحاملين لرسالة ما كانوا لي قدوة. كثير من المعطيات كانت فوق الطاولة، معطيات لمعادلة بمجاهيل كثيرة، وجب حلها لتسيير وضعية مبهمة بسبب تعقيدها.إن الجهل، الإنسلاب، نمط العيش نفسه، المستوى الثقافي، الذهنية، الطبع الحقير للأشخاص و الطموحات الشخصية خيبت آمالنا. كانت الأرواح حرة و الخيال تائه في فيافي "السهوب" كالرّحل لا تسمح بالإستقرار، أي لا تسمح بالإستقامة ولا الإنضباط الذي يسهل المهمة و يمدنا بزعيم. هكذا لا غير. فتغلب الترحال على أي نوع من الإستقرار، حيث كان ثمن الحرية غالي جدا بالتخلي عليها لتنظيم إحتمالي و مفترض. و يبدو لي أن التكلم عن هذا التاريخ، تاريخنا، والتغني بأمجاد آبائنا، و مقاوماتهم إتجاه الغزاة، و عن كبريائهم، و سقوطهم و آلامهم يجعلني على حافة المجتمع، على أنني أفرق و أفتن، و لكن على عكس ذلك، نريد توحيد الأمة من خلال كفاحنا و أصولنا و نسبنا.
لقد عرفت من كبار البدو، مربي الإبل و الغنم، أناس في حركة دائمة، الذين يسكنون الخيم الحمراء، المتسعة لاحتواء كل الكرم. و جدت فيهم النبل الصافي، بحق كانوا أسياد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، من الصدق، من الرجولة، و من الشجاعة و سمو النفس. و لم أعرف عنهم خيانة الكلمة بثمن بخس. هذه الدنائة اليومية، و السلوك القبيح الذي لا يمد بصلة لأصحاب المبادئ...
رغم كل هذا نحاول بخطى ثابتة، التقدم من خلال تعرجات الريبة و الظن نحو أهدافنا التي كل واحد منا يعرّفها حسب رؤيته للأشياء، و من هو خبير في " الرمزيات" يرفض أسباب وجودنا، و من هو محنك في السياسة ألغى حركتنا، و من هو معتكف في الروحانيات، يعظنا إلى طرق لا ندريها، و الذي هو ملم و عالم في كل شيء "بوعرّيفو"، يلقي علينا محاضرات أكاديمية. إلّا أن الأهم تم وضعه على جنب إلى ما بعد، لأسباب عقلانية كما يقولون، حيث لا يجب التسرع. أليس ما يقال أن في العجلة الندامة ! كان يجب مسبقا جمع مختلف الفئات، ثم طمأنة الخواطر " تهدئتها من الخوف"، و إقناع السذج...
و في الأخير نبقى متفقين على أن نشاطنا يشمل منطقة كبيرة بقيت على هامش الأمة على كل المستويات، نتكلم عن أولاد سيدي نائل في العموم، عن أولاد سيدي عبد العزيز، و السحاري، عن أولاد سيدي بن علية، و أولاد سيدي يونس، و أولاد سيدي أحمد بن محمد، عن أولاد سيدي زيد و غيرهم، بدون تمييز بين أي منهم. نتكلم عن الكونفدرالية الكبرى لأولاد سيدي نائل.
و يجب التوضيح أن نشاطنا قائم في وضح النهار في إطار قوانين الجمهورية. و الآلة البيرقراطية لا تسهل المهمة لكن ذكاء الأعضاء مكّننا من التّقدم نحو أهدافنا. نشاطنا مازال محصورا على الصلح، و التكريم و المكافئة، كان دائما هذا أو لا شيء. رغم أنه كان لدينا عمل كثير ينتظرنا و لكي نعدّل في الرؤية، يتطلب الأمر وقتا: إعادة النظر في التأويل الخاطئ للتاريخ المكتوب من قبل الغزاة، آلة كذب و دعاية حقيقية و مروّجه على ألسنة بعض المفكرين الأحرار بنية حسنة أو سيئة، و يجب كشف المناطق المغلوطة، و ترسبات الجهل المتراكمة منذ سنين، لنجد الدواء في الأخير. و أن لا نتعاطى برخس لهذا السلوك السافل الدنيء، بدون شك مكتسب خلال الإحتلال و الذي يتمثل في الإشارة بالسبابة إلى من هو قريب. لننشئ الفاصل المحرر للعودة إلى الرشد. وكذا استظهار طرف كبير من الأحداث المخبئة على العالم حول الطريقة التي تم فيها إهانة الجيش الفرنسي الكبير من قبل فرساننا. هذا الجيش الكبير الذي لا يحترم قواعد الحرب، و يغش. حيث يستخدم الذرائع و يستعمل جزائريين، الذين في بعض الحالات خدموا الغزاة، بكل أسى. هؤلاء الزواف "ZOUAVES " و التيركوس "TURCOS " و قبائل أخرى باعوا أنفسهم بثمن بخس للإطاحة بنا. رغم الإملاق الذي كنا فيه و سطحية السّهوب الشاسعة، فإن فرساننا المتمرسين للحرب كالعادة، تحدوا هذا الجيش الكبير، وضباطه المتخرجين من المدارس الحربية الكبرى و تجهيزاته الحديثة. هذا بالضبط الذي شكل المشكلة الكبرى لخبراء الإحتراب عند الغزاة. هذا "بلد الخوف و البارود" كما يسميه ضباطهم في زمن الحرب و الغزو، يكفي أن نذكر من بينهم "أولاد أم الإخوة"، لإحلال الرعب. الحرب الشاملة و الإنهاك مع الوقت لدليل عن الشجاعة، قد أنهكت الفرسان البواسل. عشرين سنة من المقاومة ضد العدو بلا هوادة، استنفذت كل أنواع السلاح، الإستئصال، الإبادة، الغزو، حرق المحاصيل الفقر و المجاعة و الوباء. و في الأخير تغلبت الجيوش الفرنسية على هذه المقاومة المستبسلة، لكن مذاق الانتصار كان مرّا، كالغصة في الحلق، و منذ ذاك الوقت بدأ الإنتقام الممنهج ضد هذا الشعب الفخور. انتقام مبرمج، و نظامي لاستئصال الحياة، "إطفاء نظرتهم الثاقبة"، قتل فيهم العزة، محو كل الذاكرة و إحلال مكانها الجهل و زرع السّم القاتل في الجسد السليم، هذا الجسم الغريب، الحامل لجراثيم الحقد و الخديعة، الطاعن في الظهر. هذا الكيان الغريب عنك، هو الجهل الذي يقتل الشعوب...
" بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين " سورة الروم
نريد إعادة وضع المنطقة في مكانها الصحيح بتساو و انسجام في الأمة و بدون إختراق للتاريخ كما يفعل بعضهم، و لا أن نستحوذ على أمجاد الغير. يكفينا ما دفعنا من ثمن مجموع الآلام، والفقر، و الجهل. نحن رباط هذا الشعب و ضمان دوامه و سنبقى إن شاء الله.
"نجع كبير جاء من الغرب حط في زاقز". هي بيت شعر لشريف ينحدر من سلالة سيدي إدريس، هو سيدي زيد بن أحمد بن منصور جاء و اندمج بين الهلاليين. قائد السحاري كان أنذاك راشد بن مرشد، هو كذالك من نفس السلالة. إستقبل القادمين و قد عرفهم من قبل، لأنه بنفسه قدم من طنجة توثقت الصداقة بينهم و سريعا ما تزوج سيدي زيد ب"حمرة" إحدى بنات السلطان راشد. ثم ليتزوج بالثانية و هي فاطمة بنت أحمد الهيلالي. لكن زواجه الأول الذي جمعه بالسحاري، جعل منه مباشرة العدو لكل المناهضين لحلفائه في ذلك الوقت الذي كانت تعم فيه الفوضى و كذا الإضطراب السياسي.
و قد خلّف سيدي زيد من زواجه الأول أربعة أولاد: هبال و جيلالي و بلهادي و بن داود، غالبا ما يخيّمون مع بعضهم في نواحي حاسي العود، 5 كلم شرقا، أين تأسست فيما بعد قرية دار الشيوخ. و كانوا في تواصل مع رحمان بالشمال. بعد وفاة سيدي زيد خلفه إبنه هبال. ذات يوم أراد أن يتصالح مع رحمان و يهدّئ الوضع، قرر أن يذهب إلى قائدهم المسمى "بوسبع ليْحا". أستقبله أحسن إستقبال في بادئ الأمر. ثم بعد ذلك ذهب إخوة هبال إلى الصحراء بحثا عن الكلأ. إنتهز قائد رحمان الفرصة و حبسه و طلب منه أن يأتيه ب 60 ناقة بيضاء أو يقتله. فبعث هبال رسولا إلى إخوته، موضحا لهم وضعيته. بعد أيام رجع المرسول حاملا معه ما يقارب 100 غرام ملح و خنجرا مشحوذا في جيب فارس. هبال فهم معنى الرسالة: يجب أن تقتص ممن خان و غدر بالملح، "الملح يعكل"، فقام بقتل "بوسبع ليْحا" و فرّ إلى الصحراء.
أما الآن، فأولاد زيد يتواجدون في عديد من الأماكن في الصحراء. فهم يشكلون قبيلة جدّ صناعية و نافعة لكل بدو الصحراء. و خاصة أنهم جدّ مقدرين من قبل أولاد سيدي نائل و قد كانوا دائما حلفاء لهم. ألا يقال أنّ أولاد سيدي زيد خيمتهم سوداء و قلوبهم حمراء. فهم يتواجدون في المنيعة على فرقتين. أولاد زيد و أولاد عيشة. و يقال أنهم ينحدرون من النّعم. و قد كان بوبكر بن زيد معروف بأنه رجل صالح، الفرقة التي تنحدر منه لها عادة خاصة بهم: وهي أنّ العريس لا يعطي أهل العروس سوى ثمن رمزي بسيط، و الذي، سابقا كان يتمثل في ريال. و على العكس فأم العروس تعطي لابنتها بعض الدراهم، قبل رحيلها. هذه العادة تضمن مزيدا من الاحترام للمرأة. و بدون شك أن أولاد هبال هم من لعبوا الدور الأهم.
"العود و السيف و الطريق"
" الكراع في الركاب و العين على أولاد الكلاب"
" اليد في الجام و عند العرب الطعام"
كان لأولاد هبال حق الغفارة على الطرايفة و أولاد بخيته و أولاد خرفان. من سلالة هبال، سعد بن علي قتل، و آخر ذهب ليندمج مع فرقة دباز، أما أولاد بوبكر فقد أندمجوا في أولاد بو عبدلى.
*) عن مؤسسة سيدي نايل/ الأستاذ: عبد الرحمن شويحة
ملاحظة: المقال ترجمة للموضوع الأصلي باللغة الفرنسية (الرابط من هنا)


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)