الجزائر

سيدي أحمد بن عمار


هو العلامة المحقق و الفهامة المدقق ابو العباس سيدي أحمد بن عمار مفتي مالكية الجزائر رحمه الله تعالى و رضي عنه.
كان من نوابغ عصره و أفاضل مصره وهبه الله حظا من سيلان القلم و طلاقة اللسان، لحق به شأو لسان الدين و الفتح بن خاقان و بديهة في البيان و المعاني زاحم بها الحريري و الهمذاني و ذكر في المشارق و المغارب أغنى أهله عن الإطراء و تلفيق المناقب و كفى به تعريفا ما طبعته الحكومة من كتابه "نحلة اللبيب بأخبار رحلة الحبيب" إذ فيه من زواهر منظومة ما يهدي ناظره إلى شموس علومه و أنوار فهومه، فمن نثر في ديباجه رحلته: قوله: اعلم و فقني الله و إياك لمرضاته، وعصم كلامنا من الخطأ و الزلل في حركاته و سكناته و لخطاته، إني عزمت على الرحلة إلى الحجاز، عزما نسخت حقيقته المجاز أوائل سنة 1166 ست و ستين و مئة و ألف.
و هذا قد جرت عادة أهل بلادنا الجزائر حرسها الله من الفتن و حاطها من الدوائر أنه إذا دخل شهر ربيع الأول انبرى من أدبائها و شعرائها من إليه الإشارة و عليه معول إلى نظم القصائد المديحيات و الموشحات النبويات و يلحنونها على طريق الموسيقى بالألحان المعجبة و يقرؤونها بالأصوات المطربة و يصدعون بها في المحافل العظيمة، و الجامع المحفوفة بالفضلاء و الرؤساء النظيمة من المساجد و المكاتب و المزارات و هم في أكمل زينة و أجمل زي و أحسن شارات تعظيما لهذا الموسم الذي شرف به الإسلام و احتفالا بمولده عليه الصلاة و السلام فلما استهل هذا الشهر الشريف من هذه السنة، ولاح هلاله المسبي المنيف لعين لم تكتحل بسنة أنشأت هذه القصيدة الموشحة جعلها الله لمنصب القبول مرشحة و هي قول مستعينا بحول اله و قوته منتصلا من قوتي و حولي-:
يا نسيما بات من زهر الربـــا
يقـــتفي الــــركبان
أحملـن مني سـلامـا طيــبا
لأهــــيل الــــبان
أقـرأن مني سـلامـا عــقبا
إن بــــــدت نجــد
إن لي قـلـبا إلـيها شـيـقا
شفـــــه وجــــد
و فـؤادي يجتـنيها حــرقا
و ضـــــنى يعـــدو
و دمـوع الـعين تهمى سحبا
قطــــرها هتـــــان
و الـكرى عن مقتلي قد غضبا
و جـــــــفا الأجفـان
يـا رعي الله فــؤادي كم له
للـــــــحمى تــوق
كلــما حـث الركـاب بزله
هــــــــزه شــوق
وحـــنينا يقتـضي ليــلة
إن ســـــــرى بــرق
الخ:
ثم قال: و لي من هذا النمط و غيره من التوشيح و القريض قصائد شتى في مدحه صلى الله عليه وسلم ضمنتها بطن الديوان و كننتها من أوراقه بصوان يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى إذا بلغ القلب الكئيب السول و أقرت العين المشوقة بالمثول بين يدي السيد الرسول و ضمت الحضرة النبوية و المثابة أشلاء الجسد إلى الروح، و أقدمت المسرات و أحجمت التروح و أنشدتها على صاحبها صفوة الوجود الذي ضربنا لأجله الأغوار و النجود خيرة ولد آدم و أكرمهم على ربه المحبب إلى القلوب في حالي بعده و قربه لا زالت الأنفس بدنوه مرتاحة و صعاب الأماني بحنوه متاحة و بدور السعود متاحة و شموس الرسالة مشرقة للعيون في أفاق تلك الساحة و دامت في حماه الأرواح ممتعة بوصله محدودة بجنسه و فصله راجعة فروعها إلى أصله حائزة برعية صلى الله عليه وسلم قصب السبق مع خصله محروسة برمح بطشه و سهمه و نصله و إن شاء الله تعالى.
و هذه الطريقة التي مدحنا بها النبي صلى الله عليه و سلم عليها جرى أهل بلادنا و أرباب طارفنا من البلاغة و تلادنا و الشعر القريض عندنا في هذا الغرض ما أنزره و أقله في هذا الغرض ما أنزره و أقله في هذا العصر و الذي قلبه و مجلي هذه الحلبة و مقدم الجماعة و ناقل الجعبة و إمام الصناعة و ركاب صعابها و مذللها و مسبل شعابها و مسهلها عاشق الجناب المحمدي و مادحه بلا معارض و مثلث طريقتي البوصيري و ابن الفارض، الشيخ أبو العباس سيدي أحمد المانجلاتي أتحفه الله بمنفهق رضوانه و ألحفه مطارف التكريم في أعالي جنانه و قد أثبت هذا من مولداته ما يطرب و يروق و يبهر الشمس عند الشروق فمن ذلك قوله
نلت المرام
بالله حادي القطـار
قف لي بتلك الديـار
واقـر السلام
سلم على عرب نجد
واذكر صبابة وجدي
كيف يـلام
من بادرته الـدموع
شوقا لتلك الربـوع
مع المقــام
الخ:
قال: و هذا الرجل الصالح من عشاق الشمائل المحمدية المشرقة العاطرة النادية و له ديوان القصائد مولدية، تزرى بالأزهار الندية ثم جاء مصليا خلفه علم الأعلام اللاعب لسانه بأطراف الكلام سحبان البلاغة و قس البراعة و مالك أزمة المعاني و مصرف اليراعة فارس الأدب المفرد، وحامي ذماره،و حارس روضه الأنف، و مطلع شمسه و أقماره سيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد الشهير بابن علي أمطر الله ثراه من الرحمة و الرضوان بكل و سمي و ولي و قد أثبت له هنا ما يرشف ر حيقا، و ينشق مسكا سحيقا و يستريح نسيما و يستلمح محميا و سيما و يسترق عذبا زلالا و يستنطق سحرا حلالا فمن ذلك قوله:
هاج الغرام
بالله طاوي القفـــار
عـرج بذلك المزار
حيث الـكرام
عـــرج بربع المعال
وابرد بذلك الوصال
حر الغــرام
حسب المشوق الكئيب
أن شمـله بالحبيب
لـه التــئام
نأت علينـــا الديار
و في الفـؤاد جمار
لها انــضرام
الخ:
قال: و هذا الإمام هو خاتمة الشعراء العظام بهذا الصقع ليس لغليل الأدب بعد نقع و كثيرا ما كنت أرتاح إليه رحمه الله تعالى كما يرتاح إلي و يا طال ما كان يفرغ من سجال آدابه علي و مضت لي معه مجالس كقطع الرياض تكسى النفس و الطبع منها المطارف ارتياح و ارتياض و شعره الكثير و هو على كثرته يفوق الدر النظم و الزهر النثير و نثره على جودته قليل و سيفه فيه غير كليل و له ديوان أشعار تغلو في عكاظ الأدب إذا رخصت الأسعار و كان رحمة الله تعالى في نظمه متين الجد لطيف الهزل، محكم النسج رقيق الغزل، وقد ترجمته في تأليفي "لواء النصر في فضلاء العصر" و بإسمه صدرت الكتاب و افتتحت و بطل أدبه رقرقت زهره و فتحت اهـ منه.
و فيه كفاية للتعريف بمبلغه من العلوم الأدبية و هي حياة اللغة العربية و من تمكن منها بالفعل تمكن بالقوة من سائر الفنون، و لم أقف على وفاته.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)