الجزائر

سياسيون ذوي حاجات خاصة!



سياسيون ذوي حاجات خاصة!
إن الشخص الذي فكر في استبدال كلمة "معوق"، بعبارة أخرى أدق في التعبير عن حال تلك الشريحة، وهي عبارة أنيقة وجميلة، ذلك الشخص وليكن امرأة أو رجل، أتصور أنه شخص ظريف ومرهف الحس، لقد وفق أيما توفيق في استبدال كلمة معوق بعبارة "ذوي الحاجات الخاصة"، فالمعوق إنسان يستدر الشفقة، ويبسط يده بالليل والنهار يستجدي العطف من المحسنين، فيعطفون عليه حينا، وينهرونه أحيانا.
أما عبارة "ذوي الحاجات الخاصة"، فهي ترجمة أمينة وصادقة للمثل السائر "كل ذو عاهة جبار"، فالذي حرم نعمة البصر، له بصيرة تعود بالخير على بقية حواسه، والذي حرم من عضو من جهازه الحركي له قدرات أخرى، تجعل منه يسبق الأسوياء، وهكذا قل عمن حرم أيا من قدراته الجسمية، فهو ذو حاجة محددة مرتبطة بتلك العاهة، ولا أريد أن استرسل في ذكر نماذج من عباقرة، تجاوزوا عاهاتهم، وكانوا ملأ السمع والبصر.
لست هنا بصدد الكتابة عن هذه الشريحة من المجتمع، لأن أمرها واضح، و يتطلب من الدولة أن توفر لها ما يسهل عليها الانتقال، من وضعية اليد السفلى المستجدية إلى وضع اليد العليا المعطاءة، إنما اعتذر من ذوي الحاجات الخاصة، أن استعير منهم هذه العبارة لأتحدث عن معضلة كبيرة، ربما كان فيها مواساة لهم، ربما أدرك ذوو الحاجات الخاصة العضوية أنهم في ستر ونعمة، إذا علموا أن ما ابتلوا به في أجسامهم هين، إذا ما قسناه إلى الإعاقات الوظيفية ذات الصلة بمستقبل البلاد.
إنهم أدعياء السياسة في الجزائر، اؤلئك الذين ظنوا أن الاشتغال بالشأن العام، ورسم مستقبل البلاد هواية البطالين والفارغين. لقد شعرت بقشعريرة تسري في جسمي وأنا اقرأ كلمات قالها الرئيس الأمريكي المنتخب "باراك أوباما" في خطبة له: "إن الولايات المتحدة لكي تجتاز الأزمة التي زلزلت أركانها الاقتصادية يجب أن تجند لهذه المهمة أكبر العقول لديها". فالأمم التي تتشوف إلى مستقبل زاهر يتقدم صفوفها ذوي العقول الكبيرة، وتغلق الأبواب أمام الغربان، وقديما قيل:
إذا كان الغراب دليل قوم ... يمر بهم على جيف الكلاب! هل قرأتم الحوار الذي أجرته صحيفة "لومند" الفرنسية، طبيب الأمراض العقلية سعيد سعدي، ونقلت عنها صحف وطنية بعض ما جاء فيه، إن كنتم اطلعتم عليه فتوقفوا عن قراءة هذا المقال، اقتصادا لوقتكم وإشفاقا عليكم من أن تتعذبوا مرتين، وإن لم تكونوا قرأتموه فتحملوا قليلا وتابعوا، وإن كان أغلبكم قد عرف زعيم "الإرسيدي"، والأمور من مصادرها لا تستغرب، فماذا تنتظرون أن يقول سعدي من جديد؟
هذا الرجل يعرف حجمه السياسي، واختبر شعبيته ويدرك أن سقفه الشعبي محدود، لكنه يريد أن يكون الرجل الأول في الجزائر، وأن تكون آراؤه ورؤاه هي السائدة، وكل من يخالفه في الرأي، هو دكتاتوري ومحافظ و يجب قطع الطريق أمامه، وقلب طاولة اللعب في وجهه، هذا الحزب يناضل "من أجل الديمقراطية"، لكنها ديمقراطية بلا إرادة الشعب، وبدون انتخابات ينافسه فيها خصوم لهم قواعد شعبية، وما عدا ذلك فهو دكتاتورية.
إن سعيد سعدي هو من برر بقاءه على رأس حزبه، بضرورات تاريخية وهذا الكلام لا يعرف إلا في القاموس "الستاليني"، ومع ذلك يصف غيره ب"البرجنيفية"، وسعدي يقول: "أن المعارضة حاضرة وتعمل كل يوم" وهو يقصد نفسه ولكن يتدارك ويقول أن هذا العمل "لا يرى"، وإنني استغيث بكم كيف يعمل حزب سياسي بين المواطنين، ولا يرى عمله، اللهم إلا إذا قصد أنه يعمل أعمال سرية، لأن التبرير بالحرمان من وسائل الإعلام العمومية، لا معنى له في زمن الاتصالات، فهو يؤكد "نحن لا نرى"...
لقد أضفى على نفسه أوصاف لا نعرفها فيه، فهو بزعمه، جاءنا بالحريات والديمقراطية وحرية الإعلام، ولذلك فدعوته لمقاطعة الانتخابات، هي موقف ووقوف منه إلى جانب المواطنين، إلى آخر ما جادت به قريحة طبيب الأمراض العقلية من تخيلات.
سعيد سعدي، كما أسلفنا، يعرف حجمه الشعبي حق المعرفة، ويعرف أن العزوف عن الانتخابات في الجزائر لها أسباب كثيرة، هو يعرفها و يعرف طرق تجاوزها، ومن يدري، فربما خرج علينا سعيد سعدي بعد أيام، ليقول أن كل من لم ينتخب أيا كان السبب، هو استجابة لدعوته، سيحسب المجانين والمرضى والمعتوهين، كل هؤلاء استجابوا له، وموقفهم نابع عن قناعات سياسية، فالسياسة عنده فعل لا يرى كما قال لصحيفة "لومند".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)