الجزائر

سور الغزلان تئن تحت النفايات ومعضلة المياه مدينة الآثار الرومانية تستغيث


سور الغزلان تئن تحت النفايات ومعضلة المياه                                    مدينة الآثار الرومانية تستغيث
تشهد مدينة سور الغزلان الأكبر من نوعها بولاية البويرة، وضعا سيئا في الآونة الأخيرة، حيث تتلوى هذه المدينة العريقة بآثارها الرومانية تحت ركام النفايات ومعضلة المياه اللتان أصبحتا تؤرقان السكان وتؤثران سلبا عليهم.
سور الغزلان المعروفة بتسميتي "أومال" و"أوزيا" والشاسعة المساحة بشكل جعلها تستوعب منشآت صناعية عديدة، أضحت تصطدم بالمعوّقين المذكورين، سيما مشكلة النفايات التي باتت خطرا داهما يهدد حياة مواطني سور الغزلان وهاجس يطاردهم، بينما بات دور المسؤولين شبه معدوم في أحياء هذه المدينة، في وقت تتصاعد النفايات في الشوارع وأمام البيوت، مشكّلة حالة نفسية منعدمة من اللااستقرار، علما أنّ المنطقة تفتقر إلى حاويات مناسبة للكم الهائل من النفايات، ما جعل الأوساخ تحيط بكل مكان.
كارثة مزدوجة..
عند زيارتنا حي 300 مسكن، فوجئنا بحجم النفايات المترامية هناك، والروائح الكريهة التي تشبه "رائحة الجيفة"، وسط تزايد لافت للحرارة التي فاقت 45 درجة مئوية، ولدى تغلغلنا في هذا الحي لامسنا عمق الكارثة، أين اختلطت الأشواك بالنفايات والأكياس البلاستيكية.
ويقول عبد القادر، أحد قاطني الحي المذكور: "نحن للأسف مُجبرين على وضع النفايات بجانب الحاويات، لكن المسؤولية ملقاة على مسؤولي بلديتنا الذين لم يوفروا الحاويات اللازمة لتجميع القمامات، ناهيك عن أنابيب الصرف التي تصب في الطرق وعلى الساحات"، ما يكرّس شعورا بالتقزز لدى الزائرين والمقيمين على حد سواء.
الحي الأقدم "الجيني" حقائق مؤسفة
يشتكي سكان حي صالح عبد العزيز، المعروف باسم "الجيني" من اهتراء الطريق، الشيء الذي أرهقهم و جعلهم يعانون خيبة الأمل منذ عدة سنين، وعند دخول الحي تبرز بنايات مسطحة بأسقف من القرميد، ومتاهات لا متناهية مليئة بالحفر المهترئة على نحو يهدد الراجلين بخطر السقوط، في وقت يتحايل أصحاب المركبات خوفا من تعرض سياراتهم لأي خلل يصيبها جراء الحجارة والحفر الكثيرة.
هذه الطرق المترهلة تتحول الى "برك" من المياه بمجرد نزول الأمطار، في وضعية مزرية أصبحت تؤرق "السوارة"، في نموذج حي لما يعيشه سكان سور الغزلان، حيث يواجهون مشاكل عويصة منذ عدة سنين جعلت البلدية في تأخر مستمر، وسببا في عدم حصولها على تأشيرة ترقى بها إلى مصاف ولاية، وبقيت مصنفة مع دائرة بوسعادة.
المياه الملوثة سيدة الموقف وسد أسردون لا زال مغيّبا
دخلت علينا سنة 2012 وتكاد تنتهي ولا يزال سكان سور الغزلان في معاناة كبيرة مع انعدام المياه الصالحة للشرب، حيث لا زالوا يستهلكون مياه السد الذي يمدهم بماء ملوثة لا تصلح لا للغسيل ولا للتطهير ولا حتى للوضوء، بفعل انبعاث روائح غير طبيعة، وبثت نوعية المياه خوفا مضاعفا لدى المستهلكين الذين اضطر معظمهم للتنقل إلى المناطق المجاورة لجلب مياه تغطي حاجتهم للشرب. موسم الصيف الحار الذي تعدت فيه الحرارة 45 درجة مئوية، جعل "السوارة" يشتهون ولو قطرة ماء تصل الى حنفياتهم يبللون بها ريقهم الذي تعطش كثيرا لماء نقي خال من الكالكير، ولطالما انتظر هؤلاء مشروع التحويلات الكبرى للمياه الصالحة للشرب من سد كدية أسردون الذي تمت عملية البدء لإنجازه في شهر فيفري من العام المنصرم، بإشراف السلطات المحلية على مستوى الخزانين الرئيسيين بمنطقة "الطبابخة" بسعة 6000 لتر مكعب لكل منهما، علما أنّ كلفة هذا المشروع بلغت 17 مليار دينار.
مشروع كدية أسردون حلم انتظره العديد من أهالي سور الغزلان، أملهم الوحيد هو الحصول على أبسط حقهم في الحياة وهو الماء العصب الأساس، وكثر الحديث عن هذا المشروع والكل يترقب تحقيق هذا الحلم على أرض الواقع الذي هو مفتاح لمشاكلهم اللامتناهية.
عمي أحمد الذي التقيناه وهو يسترجع أنفاسه بعدما انقطعت، وهو محمل بدلوه الذي يكاد يفقده توازن جسمه النحيف، استنشق الهواء و صوته الخافت، أظهر لنا معاناته اليومية مع المياه التي يجلبها من البئر الذي يبعد عن بيته بمئات الأمتار مشيا، وهو شيخ قد تجاوز العقد السابع من عمره.
وجلب انتباهنا شباب من أحد أحياء سور الغزلان الذين عبروا لنا عن استيائهم من نوعية الماء المستهلك، لكن ما لمسناه من حديثهم أنهم ليسوا راضين به ومع ذلك يستهلكونه، وكما قالوا "حنا نشربوا منو بصح ربي يستر" بنبرة ميؤوس منها وكأن الدنيا هذه لم تعد تعني لهم شيئا،
أصبح الحصول على مياه شرب آمنة من الأمور صعبة المنال، وحلما لسكان سور الغزلان، لم يعد أحد منهم باستطاعته تحمل المزيد من الانتهاكات لحقوقه سيما مشكل البطالة والنفايات المتراكمة وما زاد الطين بلة نوعية المياه، أملين في كوب ماء نظيف لضمان أسرة سليمة وأطفال وشباب أصحاء لمستقبل الجزائر الحبيبة.
نسبة مرض السرطان في تزايد مستمر..
مرض السرطان، هذه الظاهرة الخطيرة التي اكتسحت أوساط سكان سور الغزلان، صار داء يفتك بالعشرات من المواطنين سنويا، حيث أحصت جمعية مرضى السرطان بهذه المدينة ما يفوق 1100 شخص مصاب ينتمون إلى مختلف الأعمار. ولم يستثن هذا المرض الخبيث لا كبيرا و لا صغيرا إلا و تغلغل في جسمه، خاصة الأطفال الذين لم يتعدوا سن العامين، وسجلت مصالح الضمان الاجتماعي بسور الغزلان ما يفوق 300 حالة مشخصة، أما الحالات الأخرى فهي الكارثة العظمى على حد قول أحد المصابين بعدما زارته "السلام" بمستشفى المدينة، إذ عبّر عن أسفه الكبير لما يحصل له ولأمثاله دون ان يحرك أحد من المسؤولين ساكنا لاحتواء هذه الظاهرة المتفشية، يضيف أنه يعاني منه منذ سنة 2009 ويرجع سببه الى التلوث الهوائي الناجم من مصنع الاسمنت الذي يوجد بمحاذاة مسكنه الخاص.
احصائيات مصلحة مرضى السرطان بمستشفى مصطفى باشا صنّفت ولاية البويرة في الخانة الحمراء والمرتبة الثالثة وطنيا، وهذا مع التزايد الفاحش لحالات الوفيات بهذا المرض الذي عادة ما يفتك بالمعدة، الكبد والرئتين دون أن تحوّل السلطات الولائية والجهات الوصية السواكن إلى متحركات.
ويرجع سبب تفشي هذا الورم الخبيث الى نقص الأجهزة الطبية بالمنطقة، وكثيرا ما يتم إرسال المرضى إلى مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة، أين يقوم المسؤولون هناك بطردهم لعدم وجود أماكن شاغرة، حسب ما رواه لنا أخ أحد المصابين بالسرطان: "لقد رأيتهم بأمّ عيني في مصطفى باشا، يعاملون المريض وكأنه حيوان". وأضاف محدثنا: "لو أنّ أخي علم بمرضه في أوله لكان قد شفي منه، لكن بعد تغلغل الورم في جسمه أصبح ميؤوسا من علاجه إلا بقدرة الخالق"، في وقت أرجع الكثير ممن التقيناهم السبب الرئيسي لانتشار داء السرطان بسور الغزلان إلى نوعية المياه الملوثة التي يستهلكونها منذ عدة سنين، وإلى حين كتابة هاته الأسطر يبقى المشكل مطروحا والسبب غامض لحين تحري المسؤولين الحقائق لاحتواء الظاهرة والقضاء عليها في أسرع وقت.
ويبقى سكان مدينة سور الغزلان في خانة المفقودين من خلال المشاكل اليومية لسكانها الذين يئسوا من هذه الحياة الشاقة، البطالة، المياه الملوثة والى غيرها من الظواهر التي تبقى تطاردهم وهم في انتظار طويل، ولو لنظرة مسؤول يرأف بحالهم لإنقاذ حياتهم من الغرق في أوحال لا مخرج منها، وتحقيق حلم عيشهم في حرية 50 سنة من الاستقلال في جزائر العزة والكرامة.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)