الجزائر

ستيف جوبز في داعش؟؟


ستيف جوبز في داعش؟؟
عندما هاجر كل من عبد الفتاح جندلي المنحدر من مدينة حمص بسوريا وباراك حسين أوباما (الأب) القادم من كينيا للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية في الخمسينيات من القرن الماضي، لم يكونا يعلمان (وبالتأكيد لم يكونا يحلمان) بأنهما سيساهمان، بطريقة غير مباشرة، في كتابة بعض من أعظم فصول التاريخ الأمريكي والعالمي خلال نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، وإن كان ذلك في مجالين متباعدين قليلا: السياسة والتكنولوجيا.كان مسار الرجلين متشابها في نواح عديدة، فبالإضافة إلى كونهما من عائلتين مسلمتين، ارتبط كلاهما بأمريكية، واضطرا، أحدهما طواعية والأخر مكرها، إلى الانفصال عن زوجتيهما (إن كان اللفظ دقيقا) بعد مدة قصيرة، وعاد الرجلان إلى بلديهما الأصليين. ولكن أحدهما، وهو عبد الفتاح جندلي الذي اصطدم بالأفق الضيق في سوريا أثناء تجربة الوحدة مع مصر، هاجر مجددا إلى الولايات المتحدة وبنى فيها حياة مهنية لامعة. أما باراك أوباما الأب، فقد شهد بعض النجاح في البداية عندما عين خبيرا حكوميا، ولكنه سرعان ما تعرض للتهميش، وانتهى به الأمر إلى موت بائس في حادث سير عام 1982.أما عن مساهمة الرجلين في التاريخ الأمريكي، فقد جاءت من خلال ابنيهما اللذين نجحا في أن يكونا أكبر رمزين أمريكيين في وقتنا الحاضر، وإن كان أحدهما ميتا الآن، وربما استمر تأثيرهما أجيالا عديدة في المستقبل. أعني بذلك باراك أوباما، أول رئيس أمريكي من أصول غير أروبية، وستيف جوبز، مؤسس شركة أبل وأيقونة تكنولوجيا المعلومات المعاصرة.بطبيعة الحال، يد القدر أعلى من الجميع، ولا ينبغي الاستغراب من كون رئيس أعظم دولة في العالم هو ابن رجل فقير من السافانا، فقد كان لنكولن قبله حمالا في الميناء، ونشأ هوفر وإيزنهاور وريغان في أسر فقيرة. ولكن لأن أمريكا هي أرض الفرص وتقدير الكفاءة والانجاز الفردي، أمكن لهؤلاء أن يكونوا رؤساء، واستطاع مغمورون كثر أن يحققوا نجاحات باهرة في عالم السياسة والعلوم والمال، ومن طرائف الأخبار في هذا الصدد أن مواطنا أمريكيا رفع دعوى قضائية ضد المدرسة التي يتعلم فيها ابنه مطالبا بتعويض كبير بعد أن كسرت سن الطفل وهو يلعب في ساحة المدرسة، بذريعة أن ذلك سيرهن حظوظ ابنه في أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة عندما يكبر.ولأن الأمواج العاتية للبيئة التي يعيش فيها المرء قد تجعل من استعداداته الفطرية للنبوغ والنجاح سبيلا إلى شقائه أو هلاكه، لم تمنع الجينات المشتركة بين الأخوين باراك وجورج من أن يعيش هذا الأخير فقيرا معدما في أحد أحياء الصفيح بالعاصمة نيروبي، في حين تشق منى سيمبسون، شقيقة جوبز، طريقها بثبات لتكون من أنجح الروائيين، ليس في سوريا طبعا، ولكن في أمريكا... هكذا هي الحياة .. تدفعك البيئة المتشبعة بقيم تقديس العمل وتقدير الموهبة إلى النجاح، بينما ترمي بك الظروف الكئيبة في البيئات المتخلفة إلى غياهب النسيان.تُرى ... كيف سيكون الوضع لو اصطحب كل من باراك أوباما الأب وعبد الفتاح جندلي أسرتيهما إلى الديار وعاشا بقية حياتهما هناك، هل سيكون باراك أوباما الابن اليوم رئيسا لكينيا، أم مجرد متشرد مطارد من الشرطة المحلية في نيروبي بتهمة المتاجرة في حشيشة "البانغ" كما حصل مع أخيه جورج، وهل سيكون ستيف جوبز الآن، أو "عبد اللطيف جندلي" كما كان يفترض أن يسمى، مخترعا عظيما ومسيرا مبدعا، أم ضابط مخابرات لدى بشار الأسد، أو واحدا من شبيحته، أو ربما، بحكم مهاراته القيادية، أميرا في داعش؟ من يدري ؟...


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)