الجزائر

ساحل سيفاكس بتلمسان



ساحل سيفاكس بتلمسان


يعد الملك صيفاقس Syphax أو سيفاقس أو سيفاغس أو سفك عند ابن خلدون من الملوك الأمازيغيين الأوائل الذين عملوا على توحيد ساكنة تامازغا إلى جانب الملك ماسينيسا والملك باگا Baga والملك ف فيرمينا. وقد عاش الملك صيفاقس في القرن الثالث قبل الميلاد. وينتمي إلى الأسرة المازيسولية التي كان موطنها نوميديا الغربية. وقد صار ملكا لها، واتخذ سيگا عاصمة له أو ما يسمى الآن في الجزائر بـ عين تموشنت. وهناك مملكة أخرى تقابلها في الشرق تسمى ماسولة التي ينتمي إليها ماسينيسا ويفصلها عن الأولى نهر شليف الحالي، وتمتد في حدودها الترابية حتى قرطاجنة - بتونس. وبتعبير آخر، هناك نوميديا الشرقية أو ماسولة، ونوميديا الغربية أو مازيسولة. وسيدخل صيفاقس في حروب طاحنة مع ملك ماسينيسا الموالي للروم ستنتهي بانتصار ماسينيسا وحلفائه الروم الذين قتلوه سنة 203 قبل الميلاد.
تــطور مقاومة صيفاقس

اشتدت الحرب البونيقية الثانية (Les guerres puniques) بين الرومان والقرطاجنيين، فحاولت كل من روما وقرطاجنة أن تجذب صيفاقس لصالحها كي يساعدها في حروبها الطويلة الأمد ضد منافستها اللدودة. وتدخل صيفاقس في البداية للصلح بين الطرفين، ولكن الحكومة الرومانية كانت متعنتة في مواقفها المعادية للقرطاجنيين. فمال صيفاقس إلى قرطاجنة وتزوج بالجميلة الفينيقية الحسناء صوفونيسبا. وأصبح صيفاقس مواليا للقوات القرطاجنية بعد أن علم بنوايا روما الاستعمارية وأطماعها في شمال أفريقيا. في حين، التجأت الحكومة الرومانية إلى شاب أمازيغي طموح ألا وهو ماسينيسا فأغرته بامتيازات عدة تتمثل في غرامات مالية والسماح له بالتوسع في أراضي القرطاجنيين التي سيحصل عليها بمجرد القضاء على منافسه صيفاقس والتحالف مع الرومان للقضاء على القوات القرطاجنية. وهكذا استطاع ماسينيسا أن يهزم صيفاقس الماسايسولي؛ ثم مكّن الرومان من الانتصار على أمهر جنرال عرفه التاريخ القديم، ألا وهو حنبعل القرطاجي؛ وذلك في معركة زامّا الشهيرة، سنة202 ق.م. لقد كان سبب بغضه لقرطاجة هو تمسكه بـمبدأ أفريقية للأفارقة ومما أثار حفيظته ضدها بشكل خاص، حسب ما روي، هو تزويج القرطاجيين صيفاقس مخطوبته صوفونيسبا. والواقع أن جيرانه القرطاجنيين كانوا متواطئين مع خصمه الماسولوسي قصد القضاء على ملكه. فلم يجد بدا من محالفة الرومان، مع إضمار غايته القصوى في نفسه، وهي إنشاء مملكة أمازيغية موحدة مستقلة عن كل نفوذ أجنبي، ولاسيما أن اتفاقية الصلح بين روما وقرطاجة (201 ق.م) كانت تنص على أن من حقه أن يعمل من أجل استرجاع جميع الأراضي التي كانت بقبضة أجداده، في غير تحديد لتلك الأراضي. ومن المعلوم أيضا، أن صيفاقس قد تحالف في البداية مع الرومان إبان الحرب البونيقية الثانية، وكان في نفس الوقت معارضا لگايا ملك نوميديا الشرقية وابنه ماسينيسا المتحالفين مع القرطاجنيين. لكن صيفاقس سيتوسع في مملكة نوميديا الشرقية بعد وفاة ملكها گايا، وسيتحالف مع القرطاجنيين الذين قدّموا إليه يد العون في توسعه الترابي، وزوجوه حسناء قرطاجنة، وهي من أعلى طبقة اجتماعية وهي الفتاة صوفونيسبا بنت أزدربال جيسكو قائد قوات قرطاجنة. وهكذا، نجد صيفاقس يدخل في تحالف عسكري مع القرطاجنيين ضد الرومان من أجل أن يحظى برضى عشيقته. وبالتالي، سيخوض صراعا مريرا ضد أخيه الأمازيغي ملك ماسينيسا الذي كان في بداية الأمر مواليا للفينيقيين، ولما رأى تهاون قرطاجنة وعدم مبالاتها تجاه حقه في الولاية على عرش أبيه، خرج عن طاعة قرطاجنة عام158 قبل الميلاد وتحالف مع الحكومة الرومانية وخاصة مع القائد الروماني الأكبر سيپيون الأفريقي لمحاصرة قرطاجنة وتطويق ملك صيفاقس في مملكته مازولة. ولقد استطاع القائد الروماني گايوس لايليوس أن ينتصر على صيفاقس وأن يوقعه أسيرا سنة 203 قبل الميلاد بفضل مساعدة ماسينيسا قرب سيرتا أو ما يسمى حاليا قسنطينة بالجزائر. وۥأرسل صيفاقس بعد ذلك أسيرا إلى عاصمة إيطاليا من قبل الجنرال الروماني كورنيليوس سيپيون الأفريقيحيث مات فيها سنة 202 أو203 قبل الميلاد. وقد تولى الحكم بعد صيفاقس ابنه فيرمينا الذي يعد آخر ملك مازوليسي قبل أن توحد مملكة نوميديا من قبل ماسينيسا.
إنجازات صيفاقس

من أهم إنجازات الملك الأمازيغي صيفاقس أنه أول من أسس مملكة أمازيغية واسعة وهي مملكة مازيسولة التي كانت توجد في غرب الجزائر وتمتد إلى نهر ملوية غربا وعاصمتها الكبرى هي سيگا، وانتقل صيفاقس من زعيم قبلي إلى ملك يحكم سلطنة أمازيغية شاسعة الأطراف، ثم حمل التاج والصولجان، وضرب العملة باسمه، ونظم الجيش الأمازيغي تنظيما محكما متأثرا في ذلك بالتنظيمين: القرطاجني والروماني. واستعان كذلك بابنه فيرمينا في تسيير الشؤون الحربية والعسكرية. ومع أنه تأثر إلى حد بتقاليد اليونان السياسية، كان يعتمد في ممارسة سلطته على مساعدة زعماء القبائل. كانت له علاقات دبلوماسية مع كل من قرطاجة وروما. كانت لغة الحياة اليومية والتخاطب في مملكته هي الأمازيغية، وكانت لغة اسمه هو المقصود فيما كتبه ابن خلدون عن أصل البربر إذ قال إن جدهم هو سفك؛ يعزز هذا الفرض أن بلوتارخوس Plutarkhos زعم شيئا من هذا القبيل. ويعد صيفاقس أيضا من الملوك الأمازيغيين الأوائل الذين سعوا إلى توحيد البربر وجمع شملهم تحت دولة واحدة وهي دولة تامازغا (دولة الأمازيغيين). ويتضح هذا عندما أراد أن يوحد مملكة نوميديا الشرقية مازيلة (مسيلة) ومملكة نوميديا الغربية ألا وهي مازيسولة في إطار دولة أمازيغية كبرى في شمال أفريقيا تمتد من قرطاجنة التونسية شرقا إلى نهر ملوية غربا. هذا، ولم يتحالف صيفاقس مع القرطاجنيين عسكريا ونسبا إلا من أجل محاربة الرومان والوقوف في وجه قواتهم الغازية التي كانت تستهدف إذلال الأمازيغيين وتركيعهم. وكان صيفاقس يرى أن توحيد تامازغا لن يكون إلا على يديه؛ بيد أن سلطانه السياسي سينهار غدرا سنة 203 قبل الميلاد على يد منافسه الأمازيغي ماسينيسا. ويكشف لنا هذا المآل التاريخي التراجيدي صراع الأمازيغيين مع بعضهم البعض، وتطاحنهم حول السلطة وتنافسهم حول الامتيازات والمصالح الشخصية عن طريق التقرب من الرومان من أجل الحصول على الجوائز والهبات والغنائم على حساب التنكيل بقرطاجنة وضرب حضارة الفينيقيين التي أسدت الكثير إلى الحضارة الأمازيغية. وفي هذا الصدد يقول الأستاذ العربي العربي أكنينح: يتضح من تاريخ الممالك الأمازيغية، أن علاقة البربر بفينيقيي قرطاجة، لم تكن تتسم بالتصادم والجفاء، كما سيكون عليه الحال في عهد الرومان والوندال والبيزنطيين، فيما بعد. فقد تفاعل سكان شمال إفريقيا مع الفينيقيين، واندمجوا معهم لأنهم كانوا يشعرون أنهم من أصل واحد وتربطهم أكثر من رابطة، لذا تحالفوا معهم ضد روما. وكان صيفاقس رئيس مملكة مازيسولة وزوج صفان بعل ابنة هزدروبال، حليف قرطاجة هو الوطني الذي ناضل وحارب دفاعا عن إمبراطورية شمال إفريقيا(قرطاجة) ضد الإمبراطورية الغربية عن المنطقة والمتمثلة في روما. وهكذا نجد القائد الروماني سيپيون يستغل النواميد للقضاء على قرطاجة أولا واحتلال نوميديا ثانيا عن طريق ضرب ملكين ببعضهما البعض ملك صيفاقس وملك ماسينيسا وجرهما إلى الصراع البونيقي والصراع المحتدم بين الرومان والقرطاجنيين. لذلك كان مسينيسا شخصية مفضلة بلا ريب في كتابات المؤرخين الرومان؛ لكونه ساعد كثيرا القوات الرومانية على دك كل معاقل القوات القرطاجنية. بيد أن الرومان سينقلبون ضده ويوزعون تركته بين أولاده الثلاث. وفي هذا الصدد يقول عبد الله العروي: ثم يحتد الصراع بين روما وقرطاج أثناء الحربين البونيقيتين الأولى والثانية ويجتاز شيبو(سيپيون) إلى أفريقيا مبحرا من الجزيرة الأيبيرية قصد إيجاد حلفاء بربر ضد أعدائه. فينتهزها المؤرخون فرصة ثالثة ويقدمون لنا الجماعات المقيمة غرب التراب القرطاجي والتي كانت تسمى كلها آنذاك بالنواميد وتنقسم إلى قسمين: المسيلة شرقا والمزسيلة غربا. تتلخص أخبار تلك الحقبة في سيرتي رجلين، يمثل كل واحد منهما إحدى الجماعتين البربريتين: ماسينيسا الزعيم المسيلي وصيفاقس الزعيم المزسيلي. يسوق المؤرخون القدامى أخبارا طويلة حول ماسينيسا، جاعلين منه بطل مغامرات شيقة، ليست في الواقع سوى انعكاسات لسياسة روما في المغرب، بل يرويها پوليپ، المؤرخ اليوناني، ضمن تاريخ عائلة شيبو(سيپيون) التي يعترف بالولاء لها الزعيم الناميدي والمؤرخ اليوناني معا. قد يتنازع المؤرخون إلى ما لانهاية حول السؤال التالي: هل استغلت روما ماسينيسا للقضاء على قرطاج أم بالعكس استخدم ماسينيسا روما لبناء دولة ناميدية قوية بقصد توحيد شمال أفريقيا بعد استيعاب الحضارة البونيقية؟ لكن الأمر المحقق هو أن كل المبادرات كانت بيد مشيخة روما، بعد انتهاء الحرب البونيقية الثالثة سنة 202 قبل الميلاد. كان الرومان يستطيعون في أي وقت توقيف أي حركة يشمون فيها خطرا على مصلحتهم. وعليه، فقد أوشك صيفاقس أن يؤسس دولة أمازيغية كبرى تمتد شرقا وغربا، وتستطيع أن تقف في وجه القوات الرومانية المتوحشة لولا ماسينيسا الذي خيب طموحات صيفاقس السياسية والعسكرية حيث أدخله في حروب استنزافية أدت بصيفاقس إلى مقتله في العاصمة الرومانية غدرا وخيانة.
نتائج ثورة صيفاقس

من أهم النتائج التي ترتبت عن مقاومة صيفاقس الرغبة الأكيدة والطموحة في توحيد الأمازيغيين وتنظيم مملكة مازيسولة وتوسيع نوميديا، ولكن هذا الطموح لم يتحقق ميدانيا بسبب تحالف ماسينيسا ملك ماسولة مع قائد القوات الرومانية سيپيون للتنكيل بالقرطاجنيين والقضاء نهائيا على أحفاد الفينيقيين في قرطاجنة. ولكن الرومان تعاملوا مع قضية شمال أفريقيا بكل ذكاء واستطاعت أن ۥتدخل الإخوة الأمازيغيين في حرب قرطاجنة الضروس، لاناقة لهم فيها ولاجمل. وتمكن الرومان بعد ذلك من التخلص من صيفاقس أولا، والملك ماسينيسا ثانيا عندما أحسوا بنواياه التوسعية على حساب أراضي القرطاجنيين الذين كانوا حسب ما يقوله ماسينيسا: أجانب في بلادنا، فقد استولوا غصبا على أملاك أجدادنا، ولذلك يجب أن نسترد منهم بجميع الوسائل ما انتزعوه منا بالقوة. وإذا كان ماسينيسا قد استنزف قوة صيفاقس وأضعفها ميدانيا وعسكريا وتوسع في مملكته وعاصمته لحساب الروم، فإن الرومان استطاعوا أن يحتالوا عليه وأن يوقفوا توسعه أيضا في شمال إفريقيا، لذا لم يكن تدخل القوات الرومانية في قرطاجنة ما بين 149ق.م و146ق.م إلا لضرب مملكة ماسينيسا ومنع هذا المقاوم من السيطرة على المدينة (قرطاجنة)، ومن ثم إجهاض تطور كان يتجه نحو بروز دولة أمازيغية نوميدية لها وزنها في غرب المتوسط. يؤكد ذلك أن روما أدركت خطورة نمو هذه الدولة، فأصبح التدخل في شؤونها ومراقبتها أحد مشاغل الساسة الرومان. ففي سنة 148ق.م توفي ماسينيسا تاركا مملكة شاسعة الأطراف ومنظمة لأبنائه الثلاثة، فتقاسموا السلط فيما بينهم، إذ تولى أكبرهم مسيبسا السلطة الإدارية، وتكلف مستنبعل بالشؤون القضائية، بينما اهتم غولوسن بالشؤون العسكرية. والجدير بالملاحظة أن عملية توزيع السلط تمت بحضور سيپيون الإيميلي، قائد الجيوش الرومانية لمحاصرة قرطاج، مما يدل على إرادة روما في فرض وصايتها على الأمراء، ويظهر ذلك بجلاء في استعانتها بإمكانيات الدولة النوميدية العسكرية، بإسهام جيشها بقيادة الأمير غولوسن في تحطيم قرطاج. ويتبين لنا من كل هذا أن الحكومة الرومانية لم تقض على القوات الفينيقية والقرطاجنية في شمال أفريقيا إلا بالقوات الأمازيغية القوية الشرسة، إذ كانت تضعها في مقدمة المواجهة وفي الصفوف الأولى من الفيالق العسكرية لكي يصفو الجو للقوات الرومانية لتتدخل في الوقت المناسب وخاصة حينما يضعف الفريقان المتناحران في ساحة المعركة. وهذه السياسة البشعة الرومانية ماتزال تطبق من قبل ساسة الغرب إلى يومنا هذا في العالم العربي والإسلامي بكل دهاء وذكاء. وهذا ما وقع بالفعل عسكريا، فحينما أحست القيادة الرومانية بضعف القوتين القرطاجنية والأمازيغية، تدخلت في الوقت الملائم للقضاء على مملكة قرطاجنة والقضاء على كل الممالك الأمازيغية المناهضة للحكم الروماني. ومن هنا، نسجل بكل صراحة وموضوعية تاريخية أن الحسد والصراع حول السلطة والتناحر حول الامتيازات المادية والمعنوية والتهافت وراء بريق ولمعان المصالح الشخصية من الأسباب التي أودت بمملكة تامازغا، وجعلتها طوال تاريخها فريسة سهلة للتكالب الأجنبي: القرطاجني والروماني والوندالي والبيزنطي، وأرضا قابلة للنهب والاغتصاب من قبل الدول الإمبريالية الحديثة: الإيطالية والفرنسية والإسبانية. وفي الأخير، يمكن أن ۥنحمل الملك الأمازيغي ماسينيسا المسؤولية الأولى في إدخال القوات الأجنبية الرومانية إلى شمال أفريقيا بعد أن مهد لها الطريق وعبد لها السبل للقضاء على أكبر قوة منافسة للرومان ألا وهي دولة قرطاجنة، والدليل على ذلك ما أظهره الجنرال القرطاجني المناضل الوطني حنبعل من شجاعة وقوة في محاصرة الرومان في عقر دارهم. ولكن ماسينيسا الذي كان يبحث عن مصالحه الشخصية لم يفهم سياسة الرومان أو يقدرها جيدا، ولم يكن ذكيا فعلا كما كنا نعتقد ذلك في بعض حلقاتنا التي خصصناها للملك ماسينيسا؛ لأنه كان السبب المباشر لتعجيل تدخل القوات الرومانية في تونس القرطاجنية لتخريبها وبناء قاعدة عسكرية فيها، وتقسيم مملكة ماسينيسا الموحدة بين الأولاد الثلاثة. ومن هنا، فصيفاقس مات شهيدا وفيا للمقاومة الأمازيغية وحارب مع القرطاجنيين ضد الشرف الأفريقي، على عكس ماسينيسا الذي ضحى بالقوة الأمازيغية من أجل إرضاء حلفائه الرومان الذين خدعوه سياسيا وعسكريا ووضعوا حدا لمقاومته الصاعدة على حساب جيرانه القرطاجنيين الذين لم يكونوا أعداء بالدرجة التي كان عليها الرومان المتوحشون. ومن هنا، فتاريخ الأمازيغيين كان في الحقيقة تاريخ الخيانات والتحالفات البراگماتية الواهمة والواهية، والتي كانت كلها لصالح الحكومة الرومانية. ولم يستفد الأمازيغيون من تاريخهم إلى يومنا هذا، فالتاريخ دائما يعيد نفسه ويكرر أحداثه في صور مختلفة، ولكن ليس هناك من يستفيد أو يعتبر أو يتعظ. وما زال الغرب يتعامل مع الدول العربية الإسلامية بنفس الطريقة التي كانت تتعامل بها الحكومة الرومانية مع الممالك الأمازيغية في القرون الميلادية الأولى. ونستحضر في هذا المجال قولة دالة وصائبة وموحية للأستاذ محمد شفيق: فبينما كانت كل مملكة من هذه الممالك الثلاث(مملكة ماسينيسا ومملكة صيفاقس ومملكة باگا) تحاول جمع الشمل في المنطقة الخاضعة لنفوذها، كانت الحروب تتوالى بين روما وقرطاجة، فنتج من ذلك أن كلا الطرفين المتحاربين صار يغري الأمازيغيين بالتحالف معه، ويستغل التنافس الذي يطبع علاقات الملوك بعضهم ببعض. وفي أثناء الحرب البونية الثانية استطاعت روما، بفضل معرفتها لمعطيات المجال السياسي الأفريقي، أن تكسب صداقة أشد الملوك حنقا على قرطاجة، وهو ماسينيسا، وأن تتحالف معه. فكانت تلك المحالفة هي الثلمة الأولى التي تسربت منها الهيمنة السياسية الرومانية، شيئا فشيئا إلى مراكز الحكم في أقطار المغرب كلها؛ ذلك أن روما اتخذت جميع أساليب الترغيب والترهيب منهجية لها لإغراء الملوك الأمازيغيين بعضهم ببعض، في مرحلة أولى، ثم أزالت القناع عن وجهها في مرحلة ثانية وحاربت كل من امتنع أن يكون عميلا لها، واستمرت على تلك الخطة ما يقرب من قرنين، موسعة نطاق سيطرتها في اتجاه الغرب إلى أن قضت على الممالك كلها؛ ولم تبق بصورة شكلية، إلا على عرش موريتانيا. فأجلست عليه الأمير الأمازيغي الشاب يوبا بن يوبا الذي كانت قد أسرته، وهو صبي، بعد التخلص من أبيه. فظل يوبا لها عميلا إلى أن توفي. فسار ابنه بطليموس على نهجه، إلى أن استدرجه ابن خالته، الإمبراطور الروماني كاليگولا إلى حضور احتفالات رسمية بمدينة ليون الغالية، حيث أمر باغتياله سنة 40م. وبموته انقرضت الممالك الأمازيغية القديمة. وعلى أي، فبعد وفاة الملك المناضل صيفاقس، تولى ابنه فيرمينا وراثة الحكم وتابع مسيرة أبيه السياسية والعسكرية والإدارية والاقتصادية في تسيير مملكة أبيه وإدارتها، وعاش بعد أبيه بضع سنوات، والدليل على حكم فيرمينا بعد أبيه هو عثور علماء الحفريات والمؤرخين على عملة فضية تحمل اسمه. ومن أهم نتائج ثورة صيفاقس اندلاع ثورات أمازيغية مضادة للرومان اتخذت صبغة عسكرية كمقاومة يوغرطة ومقاومة تاكفاريناس ومقاومة أيديمون، وصبغة دينية كمقاومة دوناتوس، وصبغة اجتماعية كمقاومة الدوارين الفقراء.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)