الجزائر

زيت الزيتون غذاء ودواء



لا يختلف اثنان حول أهمية زيت الزيتون، هذه المادة التي لا تستغني الأسر عنها في منازلها، سواء للمائدة أو التداوي، ذلك لأن الذاكرة الشعبية تحفظ لزيت الزيتون منافع لا حصر لها، كما أن الواقع يشير إلى أن وجود كميات منه في البيت خير من آلاف الدينارات في الجيب، وأن سوء الأحوال الجوية في بعض مناطق الوطن قد يهون إذا توفر الدقيق وزيت الزيتون، هي بعض الآراء التي جمعتها ”المساء” على هامش معرض إنتاج الزيتون المنتظم مؤخرا بولاية بومرداس.
نظمت الغرفة الفلاحية لولاية بومرداس مؤخرا، معرضا لإنتاج الزيتون، ضم مشاركين من بعض الولايات الذين عرضوا منتوج زيت الزيتون، إلى جانب مشاركين عرضوا من جهتهم منتوجات العسل في تزاوج يجمع مادتين مقدستين ذكرهما الله في كتابه الكريم.. إذ أجمع أغلب الذين تحدثوا مع ”المساء”، على أن زيت الزيتون مادة مباركة لا بد من تواجدها في كل بيت، وهي متعددة الاستعمالات بين الأكل والتداوي وحتى للتدفئة. لكن البداية أولا تكمن ”في الإخلاص لشجرة الزيتون التي تعتبر مثل المرأة الحامل التي يجب أن تحاط بعناية كبيرة، حتى يتمتع المولود بصحة جيدة، كذلك شجرة الزيتون تحب من يعتني بها طوال أيام السنة، وفي موسم الجني تفيض علينا بغلّة وفيرة، والزيت بذلك يكون وافرا وطعمه مميزا”، يقول العم علي توشالي صاحب 78 سنة، من منطقة بني عمران، الذي أوضح أن ثمة أنواعا مختلفة من زيت الزيتون، وهو ما سألت عنه ”المساء” بعض العارضين في التظاهرة، فأردف العم علي، موضحا أن زيت الزيتون إما يكون مصفر اللون أو مخضرا، والسبب يعود للبيئة والمناخ، فهذان العاملان يتحكمان في غلة الزيتون، ومن بعدها في جودة الزيت. كما يُسجَّل عامل آخر له دور آخر في لون وجودة زيت الزيتون، يتمثل في تربة الشجرة ذاتها، فالمتعارف عليه أن شجرة الزيتون التي تنمو تلقائيا في مناطق جبلية أو على سفوح الجبال، وتكون جذورها متأصلة في التربة ومعرضة لأشعة الشمس طوال فصول السنة، هذا النوع من الأشجار يسمح لثماره بالنضج، وبالتالي تكون الغلّة وفيرة والزيت الناتج عنها ذو جودة رفيعة، خاصة النوع المسمى ”الشملال” ويسمى في بعض المناطق ”العوام”، إذ تكون حباته مخضرة أو بيضاء، وبعصره، يكون الزيت الناتج عنه أصفر اللون، نقيا، عالي الجودة وذوقه ممتاز، يخيل للمتذوق أنه ”يشرب” حبة زيتون -كناية عن الجودة العالية للزيت -.
ويواصل العم علي، موضحا أن فيه نوعا آخر ل” العوام”، وهو الذي تكون حبة الزيتون فيه صغيرة وسوداء اللون أو بنيا داكنا، ”هذا النوع عادة ما يوجه للاستهلاك، ويقال إنه مفيد لأمراض الفم، خاصة بالنسبة للمصابين بتعرية في اللثة، إذ يساهم في إعادة لمّها”، يضيف المتحدث الذي يعتبر زيت الزيتون مادة ”مقدسة، إذ يعد وجودها في المنزل أكثر من ضروري، واعتبر انعدامها كانعدام الملح، ولا يمكن تصور أكل بدون ملح”.
من جهته، يقر السيد رابح مقدود، صاحب معصرة للزيتون بنواحي بني عمران، بحقيقة الاختلاف في لون ومذاق الزيت بالنظر إلى عوامل طبيعية من جهة، وإلى نوعية الزيتون التي قد تصل إلى 10 أنواع كاملة من جهة ثانية، ”إن شجرة الزيتون التي تغرس في البيوت البلاستيكية، تنتج أنواعا من الزيتون أقل جودة من تلك التي تنمو على مستوى السفوح والمتشبعة بأشعة الشمس، هذه الأخيرة تكتفي بالتقليم والسقي فحسب، حتى تعطي ثمارا ذات جودة، وبالتالي زيت بنوعية جيدة، وتظهر أولى النتائج بعد سنة واحدة فقط، في الوقت الذي تتطلب فيه أشجار الزيتون المغروسة في البيوت البلاستيكية حوالي 3 سنوات من العناية حتى تعطي أولى الثمرات. ونشير حقيقة إلى أن كل أنواع الزيتون تنتج زيتا مختلفا، ولكن يبقى زيت الزيتون مادة أساسية، ومن غير الوارد إطلاقا نقصها في المنزل. وبالنسبة للمتحدث، فإن لترا واحدا من زيت الزيتون أحسن ألف مرة من 5 لترات زيت المائدة محدود الاستعمال، مقارنة بالأولى.
سعر المادة مرهون بعدة عوامل
من جهة أخرى، يتحدث السيد رابح عن غلاء اللتر الواحد من زيت الزيتون الذي استقر في السنوات الأخيرة في حدود 600 دينار، وهو السعر الذي يقول عنه المتحدث بأنه ”معقول، نظر لما تتطلبه أشجار الزيتون من خدمة ويد عاملة في جمع حباته، يقول؛ ”إذا استثنينا العناية بأشجار الزيتون، فإن العمل في جني الزيتون لوحده يظل حقيقة هاجسا بالنسبة لأغلب المستثمرين في هذا المجال، والسبب يعود إلى نقص اليد العاملة، فأنا مثلا، أستعين بأفراد عائلتي، خاصة النساء اللائي يبدين ترحيبا واسعا في هذا العمل، على عكس الشباب الذي يترفع عن مثل هذا العمل، ونجد أنفسنا كمستثمرين، نضيع أياما طويلة في عملية الجني التي تؤثر على تأخر المنتوج عن الأسواق وارتفاع الطلب مقارنة بالعرض، مما يجعل سعرها، دوما، مرتفعا، رغم تسجيل إنتاج وافر”.
في السياق، يشير السيد علي، أن أنظار الشباب اليوم، مسلطة على خلق مؤسسات مصغرة في النقل للاستمتاع بقيادة المركبات، وبالتالي يسجل نقصا متواصلا في اليد العاملة في المجال الفلاحي.
ويرى الشاب سفيان برابح، صاحب 24 سنة، والعامل بمعصرة لزيت الزيتون بنفس الناحية، أن ”زيت الزيتون مقدسة، وهي مادة أكثر من ضرورية في المنزل، ومتعددة الاستعمالات، سواء في الأكل أو العلاج، خاصة بالنسبة للصغار، مرضى السكري ومرضى الربو، ولا أعتقد تسجيل أمراض جانبية، يوما، تسببت فيها هذه المادة، بالعكس، لأنه يتم التوصية بها للصغير والكبير، إما بالنسبة لي شخصيا، فأتناول ملعقتين من زيت الزيتون مع كل وجبة، خاصة مع ”الكسرة” أو الحبوب الجافة، كاللوبيا.. وإذا ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم، وحلف بالتين والزيتون، فنحن من جهتنا نذكرها أكيد طوال أيام السنة غذاء ودواء”.
ويؤكد سفيان من جهة أخرى، أنه يعمل في معصرة لزيت الزيتون منذ سنوات خلت، وهو يطمح في تطوير عمله و«الاستقلال بمعصرة حديثة، فالطموح ينْبَني شيئا فشيئا وليس مستعجلا، وإنما أعمل حاليا على لّم الخبرات وكل ما يتعلق بخبايا شجرة الزيتون، وعصر الزيت حتى أستقل بعمل متقن مستقبلا، وأقدم للزبون منتوجا نوعيا يكسبني ثقته، فالثقة هي مفتاح التعامل، والعامل الذي جعلنا نكسب زبائن من ولايتنا، بومرداس، وأيضا من ولايات البويرة، البليدة وبجاية، ويبدأ عملي مبكرا رفقة أربعة عمال شباب، فنضع قناطير الزيتون المستقبَلة للتنقية والغسل في آلة خاصة، ثم تجمع الحبات المغسولة في آلة أخرى تدعى ”ابرايور” حتى يرحى، وما ينتج عن هذه المرحلة يسقط أتوماتيكيا في حوض يسمى ”المالاكسور”، بعدها تأتي المرحلة الأخيرة، إذ توضع عجينة الزيتون في قفف تقليدية مصنوعة يدويا، ويضغط عليها بواسطة آلة خاصة فينتج عن العصر، زيت الزيتون الذي تكون له نكهة خاصة يحبها جميع الناس، بسبب العصر التقليدي هذا”. ويضيف الشاب، أن آخر مرحلة تكون بفصل الزيت الأسود الذي يعرف ب” المورج” عن الزيت المصفر الذي يتم تسويقه لاحقا، ”فيما يتم الاحتفاظ بالمورج لأنه منتوج عالي الجودة وذوقه مميز جدا، ويوصى به خاصة للأطفال والحوامل لفائدته الغذائية الكبيرة”، يقول سفيان المتحصل على دبلوم في الطبخ العصري، والذي آثر العمل في إنتاج زيت الزيتون الذي يعتبره ”إرثا لا بد للأجيال أن تحافظ عليه”.
شجرة مباركة.. لا يرمى منها شيء!
ولم تكن ”المساء” لتغادر معرض إنتاج الزيتون دون الحديث إلى المهندس سايح بن يوسف ياسين، صاحب معصرة ”مجاجية”، نسبة لمنطقة مجاجة بولاية الشلف، حيث أبدع في عرض منتوج المنطقة، وهو يشرح لزوار جناحه أن ”لا شيء يرمى من حبة الزيتون، فهي مباركة واستعمالاتها كثيرة”، يقول العارض، موضحا ل«المساء، أن الاختلاف في لون ومذاق زيت الزيتون إنما يعود بالدرجة الأولى إلى عامل الأكسدة في الزيت ذاته”، فزيت الزيتون يتميز باحتوائه على الكثير من المعادن، البروتينات والأملاح المعدنية، إضافة إلى الأحماض الدهنية غير المُشبعة التي تمثل الكمية الأكبر من إجمالي الأحماض الدهنية، نسبة للدهون المشبعة التي تعتبر مصدرا للطاقة. كما نذكر هنا أن استهلاك زيت الزيتون يعمل على خفض الكولسترول، وبالتالي حماية الإنسان من أمراض القلب وغيرها من الأمراض، وأعتقد أن هذا ما يجعل زيت الزيتون مميزا عن غيره من الزيوت، ولا غرابة أن الله ذكره في قوله؛ ”يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار”، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ”كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة”.
ويواصل ياسين حديثه معددا ميزات الزيتون وزيته، ويقول؛ إن كل ما ينتج عن الزيتون له استعمالات كثيرة، ومنه عجة (أوعجينة) الزيتون التي تنتج من طحن حباته كمرحلة أولى، وهي مادة تستعملها النساء عادة في تنظيف البشرة، لأنها طبيعية مائة بالمائة وليس لها أضرار جانبية إطلاقا، كما أن الماء الذي تغسل به حبات الزيتون ذاتها غني بالفوسفور ويستعمل في السقي. إلى جانب العلفة التي تنتج بعد عملية الرحي الكامل لحبات الزيتون، إذ تستعمل في التدفئة، وهو ما يفسر الآية الكريمة المذكورة أعلاه، كما أن ذات المادة (أي العلفة) تستخدم كسماد طبيعي للأرض أو علف للحيوانات أو حتى في صناعة أنواع من الغاسول أوالصابون. وهو ما يبرهن مرة أخرى على أن شجرة الزيتون حقيقة مباركة، بحكم استعمالاتها الكثيرة التي يسعى العلم دائما إلى إظهارها وينصح بفوائدها الكبيرة، يقول المتحدث الذي أكد بالمقابل أمر سعيه للاستثمار أكثر في غرس أشجار الزيتون، وإلى توسيع استثماره والاتجاه إلى التصدير، خاصة أن زيت الزيتون الجزائري يتمتع بجودة عالية ومطلوب عالميا لميزته وجودته.
وإذا كانت هذه آراء المستثمرين في الزيتون عن حباته وزيته، فإن أحد المواطنين من منطقة بني يني، الذي كان يتذوق من أنواع الزيت المعروضة، بادرنا بالقول بأن ”زيت الزيتون يعد الذهب الحقيقي للأسرة، فبالنسبة لي، توفر 5 لترات من زيت الزيتون أحسن من توفر مليون سنتيم في جيبي، كما أن وجود ”شكارة” من الدقيق إلى جانب لترات من زيت الزيتون في بلاد القبائل بمثابة الزاد الحقيقي لمواجهة تقلبات الطقس، وإذا توفرت المادتان في أي بيت، فأهلا وسهلا بالثلوج طوال السنة، وليس فقط في موسم الشتاء”، يؤكد ذات المواطن في إشارة إلى أهمية زيت الزيتون الكبيرة بالنسبة للأسرة الجزائرية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)