الجزائر

رويشد ...المسرح المؤفلم



عندما ظهرت السينما وقد كانت صامة في البداية، كانت عبارة عن تسلية بسيطة في شكل صور، من أجل إدرار المال فقط، حين ذاك لم تكن السينما فنا مستقلا، بل كانت تحبو في بداية الطريق، وقد حققت أرباحا طائلة في بدايتها، حيث كانت شيئا غريبا على الجمهور، الذي لم يتعود إلا على المسرح.كانت السينما تعتمد على المسرح اعتمادا كليا في تقديم أعمالها، فكانت تقدم المسرحيات التي تلاقي نجاحا كبيرا في السينما، وفي بعض الأحيان تكون شخصيات الممثلين في المسرح هي نفسها شخصيات الأبطال في السينما، اعتمادا على شهرة ممثلي المسرح وقتذاك لضمان نجاح الفيلم.
ظهر نمط سينمائي جديد يجمع بين المسرح والسينما يسمى ب (المسرح المؤفلم) مثل تجربة (لورانس أوليفيه) في إخراج عروض مسرحية لشكسبير، ونقلها إلى السينما بطريقة تجمع بين (الميزانسين) المشهد المسرحي و (الميزانسين) السينما بحركة الكاميرا وزواياها، وكذلك في تجربة (ايليا كازان) مع مسرحية (عربة اسمها الرغبة) ل (تنسى وليامز) (الذي لم يمح النص المسرحي الاصلي ولم يفرقه في امتدادات مكانية خادعة، بل إنه حاول مجابهة هذا (النص) ليعطيه أعلى درجة ممكنة من التأثير) .
لم تكن السينما الجزائرية بمنء عن ذلك وقد كان رويشد المتميز في هذا المجال، فسينما ومسرح رويشد يمتاز بالواقعية والوضوح في طرح الأفكار ومناقشتها، وقد استطاع رويشد أن يعبر عن معاناة المجتمع الجزائري بأسلوب تهكمي ساخر...المفاهيم التي يتناولها رويشد والتي لا تسعى لهدم مبادئ الثورة وتحطيم الاقتصاد الوطني، وتتضح فكرة رويشد في كل نصوصه المسرحية، فمسرحية البوابون هي الصورة الصادقة لشريحة اجتماعية عاشت في الجزائر في السنوات الأولى من الاستقلال وهي مركبة من البسطاء والبطالين والنازحين من الأرياف والفقراء والمساكين ويقابل هؤلاء شرذمة من أبناء هذا الشعب الذين أفرزتهم الثورة وميزتهم، فملكوا وتملكوا وأصبحوا قوة عاتية، امتهنوا اللّصوصية والانتهازية والجبروت...وقد استطاع رويشد أن ينفذ إلى أعماق هاتين الطبقتين وينقل لنا بأمان وأفكار شخصياتها وطموحاتهم الشريرة منها والخيرة.
كما طوّر رويشد أسلوبه اللّغوي المعتمد على العامية كلية إلى لغة عربية منتقاة نوعا ما، ويتضح ذلك في مسرحية البوابون التي جاءت باللهجة الجزائرية والتي تحسنت قليلا عن لغة مسرحية الغولة فلغة البوابون لم تلجأ إلى الكلمات الفرنسية ولا إلى اللّهجة العاصمية، ونادرا ما نجد كلمة محلية أو كلمة فرنسية والممتع في هذه المسرحية هو ما جاء في الأمثال والحكم الشعبية من بينها (طاق على من طاق)، (داود على لي يعاود)، و(مات الحوت وصلى عليه الخل)، و(لي تزلبح مرة ما يتزلبحش مرتين)، و(تحاجيوا وتفكوا وحدكم)، و(خرج لربي عريان يكسيك)، و(خلي البير بغطاه)، و(الشركة هلكة)، و(أنت شاف وأنا نخلص الخفاف)، و(الطير الحر إذا طاح ميتخبطش)، وكل هذه الأمثال والحكم الشعبية تدّل على شعبيتها الأصيلة وتعطي التجربة والحنكة وبعد النظر، ولا يمكن أن يصدر ذلك إلا من مؤلف لصيق بالشعب ويعيش معه، وامتاز رويشد بشعبيته ووطنيته في كل أعماله.
يمكننا القول أن الأسلوب الكوميدي له فاعليته الخاصة في معالجة الموضوعات الجادة، حيث يخاطب المتلقي بلهجة مازحة لكن متهكمة وناقدة في الوقت نفسه، على أن الكثير من المشاهدين ينفرون من المشاهد الدرامية المؤلمة حتى ولو كانت تاريخية حقيقية، وهذا النوع من الجمهور يكون الأسلوب الكوميدي الحل الأنجع لمخاطبته، والنكتة كما وصفها الكاتب العالمي جورج أورويل هي "ثورة صغيرة" لما تنطوي عليه من نقد، وهي أشد وقعا من التأنيب والشتم والهجاء.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)