الجزائر

رواية "الأمير".. أوالأدب التأريخي واسيني الأعرج يكشف بعض أسرار مؤسس الدولة الجزائرية



رواية
يعدُّ الأمير عبد القادر بن محيى الدين الجزائري، مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، من أبرز رموز حركة المقاومة العربية في العصر الحديث وأكثر الرجال إثارة للجدل وتحريكا للأسئلة. ومع ذلك لم تجد صور حياته اللانمطية، جدرانا أدبية أو تأريخية كافية لتُعرض عليها، أمام أجيال متعاقبة لا تعرف - في عمومها - عن الأمير الرمز الأمير تبرّأ من ابنه محي الدين لأنه أعلن الجهاد على الفرنسيين! بعض المؤرخين الأغبياء شوّهوا تاريخ الأمير  سوى صورته الكاريزماتية المتداولة عبر الكتب المدرسية الثابتة، أو بعض الأسطر المكرّرة على أوراق المراجع التاريخية الباهتة. الروائي الجزائري واسيني الأعرج، واحد من الكتاب الذين وهبوا زاوية مهمة في حياتهم العملية والأدبية للأمير، ليعرض علينا مؤخرا، أهم تجربة روائية عالمية، تتطرق إلى أهم نقاط الظل في حياة عبد القادر الجزائري، من خلال رواية لا تزال مفتوحة على مصراعي بحث، موسوم جزؤها الأول بـ"كتاب الأمير.. مسالك أبواب الحديد". وتدور أحداثها في حيز زمني يحيط بمنتصف القرن التاسع عشر، من دون إهمال للوضع العربي الإسلامي والعالمي الراهن، من خلال إسقاطات لا تخلو من الإستعارات والإحالات المنسوجة بلمسة مبدع محنك، ظل على قيد البحث في حياة الأمير عبد القادر، لأكثر من ثلاث سنوات، قبل أن يقدّم إلى المشهد الأدبي/التأريخي، سنة 2005، الرواية التي صدرت عن دار الآداب للنشر والتوزيع ببيروت متحصلا بعد ذلك، على جائزة الشيخ زايد للرواية في طبعة سنة 2007.عن مسالك أبواب الحديد وعن بعض أسرار الأمير .. عن خصام الروائي مع الأمير وعن خصامه السابق مع قلبه، يتحدّث واسيني الأعرج في هذا الحوار السابق، الذي نعيد نشره لما يتضمّنه من قضايا جدلية حسّاسة لم تنل حظّها من المتابعة.. قبل أن نستحضر الأمير نسألك دكتور واسينى.. أتعبت قلبك أم قلبك هو الذي أتعبك؟يا لهذي البداية الدائرية.. أدرك جيدا أنى أتعبت قلبي لأني في السنوات الأخيرة اشتغلت كثيرا.. بكل صراحة وقد أقول ذلك لأول مرة، أنا ابن هذا البلد بسلبياته ومحاسنه.. بتّ أشعر في السنوات العشر الأخيرة بأن صوت المثقف لم يعد يصل بعد أن طغت المصالح الشخصية وتشابكت مع الفعل الثقافي؛ فخلقت وضعا متعفنا لا أستطيع أن أضيّع فيه جهد خمسين سنة قضيتها في الإبداع.. أخاف على الطفل في داخلي - من حيث لا أدري - أن يسقط في هذا المستنقع بنية طيبة، لذلك اتخذت قراري بالإنفصال عن هذا الوضع، لكي أفتح أفقا آخر نحو الآخر.. ونتج عن هذا الانفتاح جهد مضاعف نتيجة السفر والتنقل بين الدول، بحكم العمل والدعوات التي تصلني من طرف أصدقاء، أجدني مجبرا على مجاملتهم.. حركة أرهقت قلبي الذي أرهقني هو الآخر بحساسيته المفرطة وسلطته عليّ. هل تعاتب قلبك أحيانا؟أحيانا؛ أجلس معه جلسة صفاء ومصالحة.. عندما نقلوني من السوربون إلى مستشفى باريس في ذلك الوضع الصحي الحرج، لم أفكر في الموت أو بالأحرى، رفضت أن أموت.. أعرف ما ستقوله لي، وأجيبك بأني مؤمن بقضاء الله، لكن بعض البشر يستسلمون للموت فيستخسر الموت عليهم الحياة.. هل قلت للموت كما قال له درويش، "أيها الموت انتظرني خارج"؟لم أقل له ذلك بل تحايلت عليه، كتبت له رواية ذهنية، بدأت عند دخولي المستشفى وانتهت عند خروجي منه.. كانت رواية شفهية عنيفة على كل الأصعدة، رويتها بعد ذلك لزوجتي زينب وولديّ فذهلوا من حدّتها.. أصارحكم أنى فكرت في نشرها باسم امرأة مستعار.. كنت عنيفا حتى مع اسمي.. راهنت الموت على كتابة الرواية قبل أن يأخذني، لذلك أمهلني ولم يفعل فعلته.. الموت كذلك أراد أن يعرف نهاية روايتي الجديدة "كريماتوريوم" التي لم يكن فصلها الأخير مكتملا حين فاجأني المرض..  هل تغيرت حياتك وأولوياتك بعد تمرد القلب؟صرت أكثر شفافية وأقل صدامية، حتى مشاكلي وخلافاتي أوكلت أمرها إلى الأدب.. بالحديث عن الأدب.. الدارسون لرواية "الأمير" التي تعتبرها من أنجح أعمالك الأدبية يقولون إنك ركزت على حياة الأمير عبد القادر الجزائري العسكرية أكثر من حياته الدمشقية التي تحتوي على تجربة صوفية مثيرة للإهتمام؟أتفق معهم، كتاب "الأمير" في جزئه الأول الذي حمل عنوان "مسالك أبواب الحديد"، يتطرق إلى فترة زمنية محددة في حياة الأمير عبد القادر، منذ ولادته حتى سن السابعة عشرة. فترة شملت نشأته وتعلقه بالطريقة الصوفية القادرية وسفره مع والده وبدايته القيادية العسكرية في القرن التاسع عشر، وكيف تحوّل مسار حياته من الرجل المحارب إلى الرجل المتأمل، خاصة بعد حادثة الإستسلام والنفي إلى مدينة بروسا بتركيا..هناك جزء ثان للكتاب لم يصدر وهو الجزء الذي يتطرق إلى حياة الأمير في منفاه بتركيا وعلاقته بتشرشل الذي كتب سيرته وأصبح صديقا له.. ثم أتطرق إلى حياته في دمشق والحرب الأهلية 1866 وهي الحرب التي أنقذ فيها الأمير 15 ألف مسيحي، من أيدي بعض البدو المتطرفين، ثم قضية تعامله مع الحركة الماسونية وسفره إلى فرنسا ثم عودته إلى دمشق ووفاة أمه التي أثرت فيه؛ ثم تطرقت بعدها إلى سفره إلى مكة واعتكافه لمدة سنة في غار حراء.. ثم عودته إلى الإسكندرية واتصاله بمحفل الماسونيين.. عفوا.. هل وجدت ما يثبت أن الأمير اتصل فعلا بالماسونيين؟هناك وثائق تثبت اتصال الأمير بالماسونيين واستقبال رسائلهم والأسئلة التعليمية الأولى للإدماج في حركتهم، لكن لم أعثر على أي وثيقة تثبت التحاق الأمير بهم، أو قبول أفكارهم.. كان يتعامل معهم بمنطق المنفتح على رأي الآخر وبعقلية الرجل الصوفي المؤمن، صاحب الرؤية الدنيوية والأخروية.. الأمير عبد القادر، أراد أن يعرف كيف يفكر الماسونيون، بعد أن أنقذه إمبراطور فرنسا نابوليون الثالث من السجن.. نابوليون كان ماسونيا وكان على علاقة برئيس محفل ماسونيي الشرق بباريس، ودعا الأمير إلى تبنى الماسونية، لكن العلاقة بينهما انتهت بعد الإطاحة بنابليون.. كأني أتحدث مع مؤرخ لا إلى روائي، هل توجَّه واسيني إلى كتابة الرواية التاريخية؟أنا لست مؤرخا.. للتاريخ أهله ورجاله.. لكن عندما تريد كتابة رواية تاريخية لا بد أن تكون قارئا جيدا للبياض، وأن تلتقط ما يهمله المؤرخون من علاقات حميمة بين المحيطين بالأمير مثلا، في حواراته وانفعالاته..  واسينى كتب الأمير بأسلوب السرد، فهل تحرّكت في ذهنه نيّة السينما؟أبدا.. كنت مأخوذا بشيء آخر، كتبت ست روايات عن الأزمة ففكرت في الخروج من هذا القفص الإفتراضي وكتبت رواية في الحب "شرفات بحر الشمال"؛ فوجدتني عائدا من حيث لا أدري إلى الأزمة… خفت من إصابتي بمرض التثبّت كما يصفه فرويد، فجأة برقت في ذهني فكرة.. بعد أن قرأت عن الأمير، قلت لماذا لا توجد رواية واحدة عن حياة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، رغم مكانته الكبيرة في تاريخنا، خاصة بعدما اطلعت على عمل للروائي الفرنسي ريمبو، حول سيرة حياة مؤسس الدولة الفرنسية الحديثة نابليون.. بدأت كتابة الأمير وكدت أن أمزق ما كتبته في خضم الكتابة.. تمزّق جهد ثلاث سنوات من البحث في حياة الأمير.. لماذا؟أجل، ثلاث سنوات وأنا أبحث في الأرشيف وفى تاريخ الأمير إلى أن اكتشفت رسالة كتبها الأمير نفسه، يتبرّأ فيها من محي الدين أحد أبنائه.. بعد أن وقع الأمير عبد القادر معاهدة السلم مع الفرنسيين، غضب منه ولامه شقيق زوجته، أي خال محي الدين، وتوجه إلى تونس للجهاد ضد الفرنسيين في ثورة المقراني؛ فتبعه محي الدين للجهاد رفقته، عندها بعث نابليون الثالث برسالة إلى الأمير يقول له فيها"وعدتني بأنك لن تحمل السلاح ضد فرنسا، وهاهو ابنك يحمل السلاح من جديد"، رد عليه الأمير بالرسالة التي ذكرتها والتي جاء فيها "هذا ليس ابني وليس مني".. هذه الجملة جعلتني أضع القلم وأخبر زوجتي وولديّ بأنني أخطأت في اختيار الرجل الذي أكتب عنه.. كيف تصالحت من جديد مع الأمير؟بعد ستة أشهر من الصوم عن الكتابة، أرسل إلي صديق فرنسي وهو من الأقدام السوداء، بكتاب صغير، كتبه القس ديبيشس، أول قس فرنسي في الجزائر، وجدت في هذا الكتاب الإجابة عن أسئلتي حول موقف الأمير من قرار ابنه محي الدين.. الأمير كان مسلما صاحب كلمة وكان قد وصل إلى يقين بأن الحرب في زمنه قد انتهت وأن الجيل القادم هو حامل لوائها.. كان الأمير صاحب موقف وكان يصف كلمته بالطلقة التي لا تعود إلى منطلقها.. بعض المؤرخين الأغبياء، طعنوا في حقيقة الرسالة ووصفوها بالمزورة، منتهجين سبيل الدفاع الأعمى عن الأمير.. المشكلة في تأويل فحواها وليس في الطعن في حقيقتها.. كنت أعتقد أنك غضبت من الأمير لأنه سرق منك رواية"أكاريا" التي كنت بصدد كتابتها قبل أن يحتل مخيالك الأمير؟(يضحك)"أكاريا"، قصتها قصة… بعد أن دخلت في دوّامة الروايات التاريخية أهملتها.. حتى الجزء الثاني من الأمير ظل معلقا سنتين كاملتين بعد أن وقعت العقد مع دار الآداب، ولم أكن أتوقع نجاح الرواية بهذا الشكل وأن تحصد تلك الجوائز.. هذا الطريق الذي اقتحمته أيضا الرواية الملحمة “سراب الشرق” فى إطار مشروع قطري، يشمل خمسة كتاب عالميين أُخترت كواحد منهم، من أجل كتابة أعمال روائية حرّة عن الوطن العربي منذ اتفاقية سايس بيكو إلى اليوم، ستصدر في 2010، لكنى عدت إلى حلقة الأمير من جديد بعد أن اكتشفت في سياق بحثي، أن واحدا من الذين قتلوا في حركات التحرر العربي ضد الأتراك في بداية القرن العشرين من أبناء الأمير..  رشدي رضوان


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)