الجزائر

رمضان يودّعنا، فهل تغيّرنا؟



  إنّ المتأمل جيّداً في أحوال العباد من النّاس، يجد أنّهم قد استقبلوا شهر رمضان بكلّ شغف وشوق، وكأنّهم كانوا في انتظار ضيف عزيز قادم من السفر. وللأسف الشّديد، تحزن قلوب هؤلاء العباد على فراق هذا الحبيب الّذي آنسهم من أوّله إلى آخره، بالذِّكر والدعاء والعبادة، فتجد كلّ واحد منهم قلبه منكسر محزون، وهم لا يدرون أسيجدهم العام المقبل أم لا، في عداد الأحياء أم الأموات، ولم يبق منه إلاّ القليل، وقد أوشكت أيّام نوره ونور القائمين على الرّحيل. ونصيحتي إلى كلّ مسلم قد قصّر في الأيّام الّتي خلَت أن يبادرها بالتوبة والإنابة في القليلة الّتي بقيت، وما هي إلاّ لحظات لا نفقه حقيقتها، أهي لحظات عزاء أم سرور. فمَن أحسن فيه وأخلَص لله تعالى، فعليه مواصلة المسير وله الجنّة، ومَن فرّط فيه، فليكن ختامه تداركاً بالأعمال الصّالحة والاستقامة على أمر الله ورسوله، صلّى الله عليه وسلّم، واجتناب البدع والأهواء، لعلّ هذه الأعمال تكون شاهدة يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه تعالى. فلنتذكر كم من واحد كان معنا في رمضان العام الّذي انصرم وجاء عليهم هذا العام وهُم في القبور، ووجدوا ما عملوا في حياتهم إن كان خيراً فخيرٌ وإن كان شرّاً فشرّ. فأقول للمفرط فيه وقد لا يزال في ذلك بأنّه لا ينفع مع البكاء شيء إلاّ التوبة، ألاَ تتذكّر كم مِن ناصح لك؟ فما قبلت نصح النّاصحين، وكم مرّ بك المُنيبون القانتون، فما حرّكت ساكنا؟ وكم وكم وكم؟ حتّى إذا ضاق بك الوقت وحاق بك المقت، ندِمْت على التّفريط من حيث لا ينفع النّدم. فبادِر بالتوبة وتصدّق في سبيل الله، فرمضان يودّعنا في احتضار، عسى أن تلحق بالّذين قُبِلَت عباداتهم وغُفِرَت خطاياهم وعتقوا من نار جهنّم نار السّموم، ورُزِقوا باب الرياّن الّذي لا يدخله إلاّ الصّائمون المخلصون. واعلم، رحمك الله، أنّ الشّقي من العباد مَن أدرك رمضان ولم يُغفَر له، وفيه قال النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، حين رقى المنبر فلمّا رقى الدرجة الأولى قال: ''آمين''، ثمّ رقى الثّانية فقال: ''آمين''، ثمّ رقى الثّالثة فقال: ''آمين''، فقالوا: يا رسول الله، سمعناك تقول آمين ثلاثة مرّات. قال: ''لمّا رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل عليه السّلام فقال: شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له فقلت آمين'' رواه البخاري في الأدب المفرد. وعليه، ها نحن نودع رمضان شهر البركة والخيرات، فهل تغيّرنا؟ هل خلعنا ثوب الحقد والحسد؟ هل تطهّرت نفوسنا من الغيّ إلى الرشاد؟ هل وهل وهل؟ فكيف بنا ندرك شهر التّوبة والرّحمة ثمّ نودّعه بوداع أعمالنا الصّالحة وأخلاقنا الطيّبة وعباداتنا وتطوّعاتنا لله تعالى. فهذا والله لمَن فعل اليهود والنّصارى. ولهذا، كان لزاماً علينا أن ندرِك حقيقة هذا الشّهر الكريم وحقيقة صومه، وأنّ الغاية كلّ الغاية منه هو التّقوى، قال تعالى: {كُتِب عليكم الصِّيام كما كُتِب على الّذين مِن قَبْلِكم لعلّكم تتّقون}، وهذا نجده كذلك في سائر العبادات. فها هو رمضان يودّعنا وكأنّه يحتضر، وإنّ أفول نجمه ليجمع بين العزاء والفرح والتّهنئة، فلحظات وداعه لا تنسى ولوعتها لا تبل، وإنّ دموعه لتحرق الوجنات بحرارة العَبَرات. فهل تغيّرنا؟ * باحث في فقه العقائد والأديان ـ النعامة  


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)