الجزائر

رسالة من الوالي



في أحد الأيام من صيف 2006 خرجت من البيت قاصدا المسرح الجهوي لوهران الذي لا يبعد كثيرا عن هذا الأخير قصد برمجة قراءة لمسرحية كنت قد كتبتها وأردت قراءتها في حصة كانت تقدم آنذاك في (tro) تسمى بجوار الخشبة ولما اقتربت من المقهى المجاور فاجأني صديقي وهو ممثل قدير...الممثل القدير، ماذا تفعل ...
أنا: أريد برمجة قراءة لمسرحيتي.
الممثل القدير: قبل ذلك تعالى معي لنحضر قراءة لشخصية مميزة اليوم في المكان نفسه الذي ستقرأ فيه مسرحيتك (في بهو المسرح من الطابق الأول)
أنا: لمن المسرحية؟؟؟
الممثل القدير:مختار عثماني.
أنا: لا أعرفه.
الممثل القدير: (متفاجئا) بركانا من الزعاقة...
أنا: والله لا أعرفه.
بقي صديقي الممثل مندهشا لعدم معرفتي للرجل، أحسست أنني فعلا لا أعرف الكثير عن رجالات المسرح من اندهاش صديقي فقررت أن أرى هذا الرجل وتساءلت كيف لي لا اعرف شخص معروف مثل (مختار عثماني)، صعدنا إلى البهو وإذا بي أرى رجلا يلبس برنوسا بدا لي واثقا من نفسه إلى درجة التفاخر، وآخر بجنبه قوي البنية هادئ يستعد للقراة، جلست وقلت لصديقي..
أنا: أين عثماني؟؟
الممثل القدير: هذاك
أنا: الذي يلبس البرنوس .
الممثل القدير:(ضحك) واه هو
أنا: ومن الآخر ؟؟
الممثل القدير: إسمه واطو.
أنا: ولمن المسرحية ؟؟
الممثل القدير: لصاحب البرنوس.
أنا: ولماذا الآخر يقرأ ؟؟؟
لم يرد صديقي...على ما اعتقد كانت مسرحية بعنوان (اللبية) وكان إيقاعها كمسرحية الأقوال لعلولة.
( بعد برهة)
أنا: هذا متأثر بعلولة.
لم يرد صديقي وفي الحقيقة أنا من كنت متأثر بعلولة.
أنا: هل أنت متأكد أن هذا الرجل مسرحي؟
الممثل القدير: (ضحك) هذا الرجل كان والي لولاية تيسمسيلت .
عندها اندهشت وقلت كيف لوالي أن يكتب أو يهتم للمسرح....فالمفروض في اعتقادي آنذاك أن المسرحي يعمل لكي يصبح والي لا العكس...على العموم...
منذ ذلك الحين لم انقطعت كل اخبار الرجل عني حتى جاءني خبر وفاته عبر الفايس بوك اتصل بي بعض الاصدقاء والصديقات بحكم أنني أستاذ المسرح في جامعة سعيدة قائلين لي لماذا لا تكتبون عن مختار عثماني هو من سعيدة، أحسست بمسؤولية فاتصلت ببعض الاصدقاء ومن بينهم الممثل القدير (جمال غوتي) وصديقه الشاهد على العصر كما لقبته أنا وكانت لي دردشة معهم حول الرجل ....
عدت بخيالي إلى الحادثة نفسها وأخذت أنظر إلى القارئ واطو وصاحب البرنوس، نظرة لواطو ..ونظرة لصاحب البرنوس.. نظرة لواطو.. ونظرة لصاحب البرنوس.. وإذا بهذا الأخير يخرج رسالة وقال لي لك يا من لا تعرفني وأخذ يقرأ ...وتدريجيا بدأ صوت قراءة واطو يختفي وصوت قراءة عثماني يرتفع...
كنت مديرا لمدرسة الحديد (faj) وأسست بها فرقة (le proletkult) وقدمت مسرحية (القلته) سنة 1973 وهي مسرحية تتناول مشاكل المهاجرين في الخارج، بعد ذلك ذهبت للمقر الجديد بعمروس وقدمت مسرحية (الذيوبة) ف(المقصود) ف(كبش البابور)، ف(العقدة) ومسرحية (رب السهب) التي تحكي على الاقطاع، وتعتبر هذه المسرحية فارقة في مساري بحيث شكلت لي عدة مشاكل آنذاك، آآآآآآآآآآه أحسدكم لأنكم اليوم تتمتعون بحرية كبيرة جدا...
طبعا إلى جانب ما قدمه عز الدين مجوبي للحركة المسرحية لمدينة سعيدة كنت من أهم الفاعلين بل والمؤسسين لمسرح الهواة رفقة بعض المسرحيين البارزين الذين قدمت لهم الدعوة وعملوا معي من بينهم (بوقطوف عبد الكريم) و(الشيخ سهول) وكذلك (اسماعيل دحماني) فيما بعد الذي أسس لاحقا فرقة (تاكفاريناس) بحيث كانت مدينة سعيدة تعيش أوج عطاءها المسرحي إلى جانب بعض الفرق العريقة التي كانت تنشط في المسرح الهاوي مثل فرقة (الظهرة) بغليزان للسيد عابد وفرقة (هوشي منه) لتيارت مع سي الطاهر ومخطار لقجع وفرقة بلعباس ومسرحي قادة جناح وفرقة عين الصفراء إلى جانب فرقة برج منايل مع عمر فطموش وفرقة (tta) للجزائر العاصمة وفرقة gac مع حملاوي ورفاقه....وقل يا أحمد للفرق الآخرى التي لم أذكرها أن تعذرني....
لقد كنت بحق مؤسس المسرح الهاوي لمدينة سعيدة، لقد كلفت (الشيخ سهول) بتكوين فرقة (أوغيستينو نيتو) التي أنتجت مسرحية (صرخة الشيلي) وكان لي النص والاخراج، ثم أسست بعد ذلك فرقة (القرامطة) التي أنتجت مسرحية (19 خطوة وخطوة) وهي في الحقيقة فرقة عمالية، ثم مسرحية (بن يحي ولد يحي المسكين) مع (محمد الفيل رحمه الله وواطو ولخضر منصوري...) وهل تعلم أن مسرحية (كبش البابور) هي التي لقب فيها محمد مصطفاي بالفيل..
بعد ذلك تفرغت للعمل الإداري وأعلم أن رفقائي في الفن يتفقون أنني فقدت الكثير عندما دخلت معترك الإدارة.. وقد كانت البداية كمدير للشؤون العامة في ولاية (عين الدفلى) فواليا لولاية (غرداية) لمدة خمسسنوات في أوج أزمة العشرية السوداء فواليا لولاية (تيسمسيلت) ...
لقد مرت فترات مرضية صعبة علي استلزمت إجرائي لعمليتين جراحيتين لقلب مفتوح في فرنسا...
بعد العمل الإداري حاولت العودة من جديد للعمل المسرحي بمسرحية (اللبية) التي تشاهدها الآن يا سي أحمد ....لكن...
هل تعلم يا أحمد أن في سنة 1973 كان الملتقى الوطني لمسرح الهاوي في سعيدة وقد عملت أنا (مختار عثماني) من خلال فرقة (le proletkult) وبالتنسيق مع المسرح الجهوي لوهران تحت قيادة (عبد القادر علولة) بحيث كانت تبني القرية الاشتراكية لعمورة وهكذا تطوع الفنانون كل حسب عمله وشكلوا جدارية عمورة التي عانت الأمرين إبان سنوات الارهاب ...45 سنة بعد ذلك عثر على هذه الجدارية بمدرسة ابتدائية في سعيدة ولما رآها السيد (مارتيناز) الذي اشرف على رسمها بكى بحرقة واليوم أعتقد أن المسرح الهاوي ومدينة سعيدة تبكيني...
أنا: تواضع قليلا يا سي مختار..
مختار عثماني: ماذا قلت؟؟؟
أنا: أقصد لك كل الاحترام يا سيدي الوالي...
الممثل القدير: ماذا قلت يا أحمد؟؟؟
أنا: لا شيء فقط كنت أسمع للرسالة.
الممثل القدير: تقصد المسرحية.
أنا: هههههههههههه نعم المسرحية بعنوان رسالة من الوالي.
الممثل القدير: إسمها اللبية...ما بك يا أحمد؟؟؟
أنا: لا يهم الاسم بل المهم الرسالة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)