الجزائر

ديمقراطية التجهيل



 عندما كانت الجامعة الجزائرية تعيش حالة من الغليان والإضرابات، لم يجد وزير القطاع ما يفعله، غير ''الهروب'' لولايات بأقصى الجنوب كتندوف والبيّض، ليقف على استكمال ما يسمى بمراكز جامعية بهذه الولايات، لتستكمل الحكومة حلقة ''كل ولاية بجامعة''. ولا يختلف اثنان على أن الانطباع السطحي لهذا الإنجاز يوحي بأن حكومتنا حريصة على تقريب العلم والمعرفة من أبناء المناطق الداخلية وتخليصهم من مصاريف زائدة. لكن هل الحكومة، التي عجزت عن توفير قابلات وممرضين بسطاء حتى لا نتحدث عن أطباء عامين، بهذه المناطق، قادرة على إقناع دكاترة وأساتذة من الجامعات المركزية على تأطير الطلبة بولايات داخلية، بعضها لا تصله الجرائد يوم صدورها، علاوة على وسائل التكوين الضرورية الأخرى. لا يجهل أحد في الجزائر أن المؤسسات العلمية في العالم ترتب جامعاتنا بالولايات المركزية في ذيل ترتيب قائمة الدول الإفريقية، حتى لا نتحدث عن الترتيب العالمي. ولا يجهل أحد أيضا، أن سياسة ''البريستيج'' التي ما زلنا ندفع ثمنها في قطاعات أخرى، على غرار ''أكبر مصنع في إفريقيا''، لم نستخلص منها الدروس، وسوف تجد أجيال من الولايات الداخلية، التي عجزت وزارة التربية عن توفير أساتذة لغات حية بثانوياتها، ستجد هذه الأجيال نفسها سجينة مناطق معزولة أصلا، بفعل حلقة تدريس لا تخرج من محيط لا ينتج غير اليأس بدل المعرفة. ولا يغيب عن الكثير من الجزائريين أن العديد من مسؤولينا لا يثقون في مستوى جامعاتنا ''الكبرى'' بالشمال، ولا يدخر هؤلاء المسؤولون جهدا، لتسجيل أبنائهم بالجامعات الأوروبية. ولا نكتشف البارود إذا أعدنا التذكير ن دولا كبرى ارتبط اسمها بمستوى جامعاتها وليس العكس، لكون المؤسسات المنتجة للمعرفة مرتبطة أيضا بمحيط منتج لمختلف الثروات المادية والمعنوية. وفي انتظار أن تقول لنا الحكومات اللاحقة إن إنجاز جامعات بولايات لا تصلها حافلات النقل العمومي، وقضايا بسيطة أخرى، كانت تجربة مماثلة لمصانع السبعينات، فإن كوارث تحويلنا لفئران تجارب لم تستثن قطاعا بما فيها القضايا الحيوية المتعلقة بمستقبل أبنائنا. وقد صدق أحد الزملاء في تلخيص هذا الأمر بالقول إن حكومتنا تسعى لتوزيع التجهيل وتقديسه بالتساوي بين الغالبية من الجزائريين، وهو الانطباع السائد عند الكثير من أبناء وطلبة المناطق الداخلية الذين يعرفون أن جامعات الشمال أقل ضررا لهم من شيء آخر.

larabibachir@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)