الجزائر - A la une

حقوق اللغة الرسمية [5] المطلوب سياسة للقضاء على الميز اللغوي


يبرز هذا المقال حقوق اللغات الوطنية، وما يجب أن تكون عليه بناء على الوضع القانوني والحق المدني أو الديمقراطي الذي سنته الدساتير في العالم، وما تعمل به الدول المتقدمة والدوائر والمؤسسات التي تحترم نفسها في المحافل العالمية، وكذا فعل الدول النامية التي تسير على خطى الدول الراقية، وسبق لها أن اهتمت بترقية لغتها الوطنية، وحصل أن ارتقت بلغتها الوطنية وكانت لها وصفات علاجية قدمتها لمواطنيها في علاج ظاهرة الترقية اللغوية، فنجت وتقدمت.

إن من واجب الدولة التدخل لحماية حقوق اللغة الجامعة، وحق الأفراد في استعمال اللغة الأجنبية التي يرغبونها، ولا يجب أن تكون الدولة تعمل بسياسة النعامة، فهي في العلن من التعريب، وفي السر مع التفرنيس، مع العربية باعتبارها لغة رسمية لها قيمة قصوى في ما تحمله من مقدس، ولكنها أقل قيمة حسب المبدأ الوظيفي، وهو مبدأ السلطة الفعلية الذي منح للفرنسية تلك المكانة، هذه اللغة (الفرنسية) التي لها فئات بورجوازية جديدة نقلتها إلى محل الصدارة في الارادة والاقتصاد. ولقد لاحظنا تذبذبا في الرأي، فلغة الرمز والسياسة والتاريخ والإرث كلام قاله المعربون ذات يوم في خطاب منافحات عن الهوية العربية والانتماء للعروبة، وهو خطاب لازم مراحل التعريب وليس له محل الآن، ويمكن التلويح بورقة الحركات البربرية التي تنادي برفع الظلم عن مواطنة المازيغية، على اعتبار أن مواطنتها سلبتها اللغة العربية.. ولهذا من واجب الدولة الحسم في المسألة اللغوية، فكل الشعوب حسمت أمر اللغة، ماعدا الدول العربية والجزائر منها، فترى أنه ليس من اللازم أن لا يوجد قرار قاطع، فندع المسألة للوقت، وهو كفيل بتجسيد العربية. وهذا ليس من كلام المختصين، وهو في الحقيقة استمرار للتخلق والتبعية والجهل، لأن القرار الصارم يترك الشعب يهتم بمسائل أخرى، بدل أن ندور حديثه وتفكيره في لغات المدرسة.
9 الوصفة العلاجية: ليكن منطلقا من فعل الأجداد، أو بدءا من الحركات الوطنية، فلقد سنّوا تعددية لغوية واضحة، وكان الأجداد ورجال الحركات الوطنية عن العربية دفاعا قويا، رغم الحد الأدنى، مما يملكونه من رصيد هذه اللغة، ففي الوقت الحالي، نريد ضمان الرسمية بخطط وسياسات محكمة للقضاء على الميز اللغوي، ونريد تعريبا فاعلا على أساس رسمية اللغة العربية، كما يجب حمايتها دون ادعاء أي صعوبات تقنية أو تربوية، ونريد أن نتباهى بالخصوصية اللغوية التي لا تعني الانعزال، فهل الذين نادوا بالاستثناء الثقافي L'Exception culturelle على خطأ؟ فلم لم يقولوا لJacques Toubon إنك من أعداء التعددية، ولم يصنفوه من إرهابي اللغة، لماذا لا نتعلم من أولئك الذين يريدون للغتهم التنوير والتوسيع ونيل المساحات الكبرى خارج موطنها، فهم الاستثناء في أن البريد الالكتروني يطلق عليه تقريبا مصطلح عالمي هو: e- mail ونجدهم يستعملون courriel أو courrier électronique وهم وحدهم الذين ينادون دائما بمراعاة الخصوصية الثقافية. أليست فرنسا التي أنشأت وزارة خاصة للمحافظة على الهوية الفرنسية بعد تزايد المجنسين، واشترطت شرطا واحدا وهو إتقان استعمال الفرنسية للاندماج في المجتمع الفرنسي، أليست اليابان متميزة بتجانسها بفعل اللغة الوحيدة التي يتكلمونها ويستعملونها، وذات الشيء تمتاز به تركيا، رغم ما يتواجد فيها من سياح.. فما أحوجنا إلى الاهتمام باللغة الرسمية (العربية) كأداة تواصل وتفكير وانفتاح على التقانات المعاصرة، وما أحوجنا إلى مراجعة الذات للقضاء على عقدة التخلف، واحترام قانون التنوع الثقافي اللساني التراتبي. ما أحوجنا في هذه المرحلة إلى الانخراط بسلاح الهوية القائمة على ثوابت الدين واللغة والتراث ومواكبة الجديد والانخراط في حركة الحداثة، وتشجيع البحث اللساني والبحث التربوي وإعادة النظر في طرائق تدريس العربية، باعتماد طرائق علمية تفاعلية في إعداد معلم العربية وإصلاح العربية في مناهجها التربوية وأدواتها التقنية والحاسوبية، وسنّ سياسة لغوية تراتبية، ودعم لغة واحدة، والاهتمام باللغة الوطنية، وجعل النصوص المصاغة بالعربية مرجعا أولا، وتجنيد المجتمع المدني لحماية المكتسبات اللغوية للعربية.
وتكون الوصفة بهذا السلم التراتبي العلمي، ووفق مقتضيات ما تتطلبه كلّ لغة:
اللغة الرسمية = العربية
اللغة الوطنية - (المازيغيات)
اللغات الأجنبية (بصيغة الجمع) - اللغات الأجنبية
ويمكن تحديد بعض الأطر في هذه الوصفة:
1 اللغة العربية: تعميمها والعمل بها في مختلف المرافق. ويقع التنصيص على أن تكون لغة التعليم في مختلف المراحل التعليمية، ولغة الإدارة، ولغة الإعلام. ويعمل على ترقيتها داخليا وخارجيا.
2 المازيغيات: تعليمها خارج الزمن المحدد للغة الرسمية في مناطقها، كل منطقة تتعلم آداءها وثقافتها وتراثها، وفي وطننا هناك ستة آداءات وهي: قبائلية، شاوية، ميزابية، ترقية، شنوية، شلحية ولا يجب أن تكون هذه اللغات إجبارية خارج مناطقها، وتعمل الدولة على حماية تراث المازيغيات وثقافاتها.
3 اللغات الأجنبية: العمل باللغات التي لها تقدم علمي، وأن يتأخر تعليمها إلى ما بعد السنة الرابعة ابتدائي، ويكون لولي التلميذ الخيار في اللغة التي يرغب أن يتعلمها ابنه. كما أن يكون الاهتمام بتعلم لغات الأقطاب العلمية، وأن يقع الاهتمام بتدريس اللغات الشرقية. ولا يجب أن نقع فريسة للغة واحدة، بل أن نعمل بسياسة النفعية اللغوية، فحيث وجدت مصلحتنا في لغة فنأخذها إلى غاية نهاية النفعية.
الخاتمة: لايجب أن ننسى أن اللغة الرسمية أداة تواصل، وامتلاك السلطة وممارستها ووسيلة لهيكلة المجتمع، وهي كذلك خزان للرموز والقيم الجماعية، وعنوان للهوية، فكان لابد للحاكم السياسي أن يعمل على المحافظة على هذا الخزان الرمزي، بوضع لغوي مركزي مستنده اللغة الأم/ اللغة الرسمية، وبتعددية لغوية تراتبية. وإنه بعد مرور خمسين عاما على الاستقلال، لا نزال ندور في المسألة اللغوية، ولم نسطع الفصل في قضايانا اللغوية، فنلاحظ تساهل الدولة في تطبيق القوانين، وعدم فتح الملف اللغوي للمناقشة، وجمود بعض المؤسسات اللغوية ذات العلاقة بترقية اللغة العربية، وازدياد الدعم الخارق للغة الفرنسية، وغزو مساحة الإعلام بالجرائد المفرنسة.. والقضية المهمة في كل هذه الأمور هي التساهل والتسامح في استخدام الفرنسية من قبل السلطات الرسمية، فهل يمكن لرئيس دولة فرنسا أن يخاطب شعبه بغير الفرنسية، ألا تقوم القيامة عليه لو يفعل ذلك، وهل يمكن للتلفزيون الفرنسي أن يستضيف أحدا يتحدث بالعربية أمام المستعمين الفرنسيين، فهذا من المستحيلات، وهل يمكن لمواطن من كطلان أن يتحدث بالكطلانية في البرلمان الإسباني، واللغة الكطالانية لغة وطنية في إقليم الكطلان، ما حدث ذلك ولن يحدث أبدا.. وإن عدم استخدام العربية في مواقعها احتقار للشعب الجزائري، وإهانة كبيرة تصل إلى درجة الإجرام، وإذا كنا نريد الديمقراطية، فالديمقراطية الحقيقية تقتضي احترام لغة الشعب والعمل على تطويرها، وأثبتت الممارسات النزيهة بأن كل الشعوب المتحضرة لا تتسامح في لغتها تعليما واستخداما، وأنه لا جدال في المسألة اللغوية إلا في ما يخص التدبير العام، أو ماله علاقة بالمنهج المتبع، وأن اللغة الرسمية/ الأم تتعلم إجبارا في المراحل الأولى بدءا من الروضة إلى المراحلة الابتدائية، لأن هذا التعليم الأولي هو الأساس المتين والقاعدة لبناء شخصية متكاملة دون تشتت عقلي، واختلاط ثقافي وقيمي، وهذه مستلزمات تأخذ بها الأمم الراقية، فهل نحن نسعى أن نرتقي أم نريد تجسيد البقاء في التخلف؟
في الحقيقة، لا نحتاج إلى قوانين ولا إلى مراسيم لحماية هويتنا اللغوية، بل إن الأمر يدخل في الشأن العام، فالعربية لغة رسمية، وهي جزء لا يتجزأ من ثقافتنا، وأما القانون فيصدر من باب التنظيم فقط، والإشكال الذي يطرح عندنا هو في مدى الاهتمام الوطني بثقافتنا وبلغتنا، وفي مدى اهتمام الجمعيات والمجتمع المدني بالعربية، ومدى تجنيدها للمجتمع للدفاع عن لغته. وفي الحقيقة، إن التعاطي مع هذه المسألة يجب أن تكون بحذر ودراية وعلمية بأن وجود لغة مشتركة في البلاد تعمل على وحدة الأمة وتماسكها الاجتماعي، وتعمل على تسريع وتيرة التنمية، وتؤدي الوظيفة الرمزية مع الهوية الوطنية التي لا خلاف فيها. ولذا يقتضي منا جميعا الرجوع إلى الحقائق التاريخية ومقتضيات الشرعية الدستورية الصادرة عن الجزائريين بإرادتهم الحرة، وفي ما نص عليه الدستور الجزائري وترسيخ مبدأ (معرفة العربية واجبة، وتولّي المناصب والترقية بها لازمة).
المقترحات:
- وضع سلم تراتبي وطني لمقام اللغوية: عربية فمازيغية ثم اللغات الأجنبية،
- الاهتمام بقوة باللغة الرسمية، والعمل على ترقيتها والرفع من مردوديتها،
- تدبير شأن اللغة المازيغية ترقية وثقافة، وتدريسها ضمن أرومتها اللغة: السامية الحامية،
- إدراج مادة الترجمة من وإلى العربية في كل الاختصاصات،
- تدريس مادة المصطلحات بالعربية في الفروع العلمية،
- إدخال تدريس مادة المعلوماتية بالعربية في المدرسة
- العمل بالنفعية اللغوية في تعلم اللغات الأجنبية،
- اختيار اللغة الأجنبية في الابتدائي من قبل الأولياء.
- التنويع في تدريس اللغات في المراحل الجامعية بناء على الاستحواذ اللغوي للغة الأقطاب.
❊انتهى
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)