الجزائر

حرية أقلُّ من القيود


حرية التعبير ليست هدية، وأكثـر من ذلك ليست قانونا، ولا أمرا رئاسيا، إنها ممارسة، نحت في جدار الحدود والخطوط الحمراء.. تمرين يومي في الشجاعة، واستعمال الكلمات بدقة أكثـر ومعنى أوضح.
كثيرا ما أتساءل إن كان الزملاء الصحفيون، وخاصة الكتاب، محقين في المطالبة بحقهم في حرية التعبير والمرافعة المستمرة أمام السلطات العليا لمنحهم مساحة أكبر للرأي والنقد والاعتراض. لا أرى ضرورة لذلك، لأنني من أولئك الذين يعتقدون أن حرية التعبير ليست حقا يُعطَى ويُمنعْ، وإنما واجب علينا القيام به.. واجب الرجل أن يكون حرا، ويعمل كل ما في وسعه لتوسيع هذا المكسب والدفاع عنه. قلت دائما إن حرية التعبير اجتهاد يومي وليست حديقة لاستجمام العاطلين عن التفكير.
لقد وطَّنا أنفسنا في هذا البلد على بعض المطالب غير المشروعة، وعلقنا عدم تحقيقها على مشجب النظام، ومنها حقنا في التعبير والرأي والاحتجاج، سيكون مضحكا لو طالبنا من جهة ما إن كان يحق لنا الاحتجاج عليها. من جهتي لا أرى أي آلية ممكنة لدى هذا النظام لتقديم هدية لمن لا يستحقونها، بل ماذا يفعل العبيد بالعرش إذا كانوا مرتاحين تحت أرجله؟! أو ماذا يفعل ''المداحون'' بحرية التعبير إذا كانوا يكتفون بالإشادة بمناقب السلطان!؟ بالعكس كان يفترض علينا أنه كلما يضع النظام السياسي، وحتى الاجتماعي، خطوطا حمراء وحدودا أكثر، كلما ظهر متمردون جيدو التسلح في الجبهة المقابلة.
هناك متلازمة بشعة أعتقد أن النظام الجزائري يفوز بحقوق اختراعها، وهي تلك المسخرة التي قابل بها حرية التعبير. لقد عبر عنها أحد الصحفيين: ''النظام يتركنا نكتب ما نشاء، وهو يفعل ما يشاء''!. هكذا لا أحد رقيب على أحد، ولا أحد يشتكي من مضايقات الآخر. النظام يتحجج أن ليس لديه سجناء رأي، وأصحاب الرأي يقولون إننا في سجن مفتوح، وبينهما ضاع واجب خطير.. واجب الواقع.. وازداد البلد ثقلا بأخطاء لا تصحح وانحرافات لا تستقيم.
لقد سألتني إحدى الزميلات من إذاعة البهجة عن رأيي في حرية التعبير في الجزائر بمناسبة اليوم العالمي، قلت لها ''إن الجزائر بها أكثـر من ثمانين يومية، ما يتوفر فيها من حرية لا يتسع لصحفي واحد جريء''.
غير أنني ألاحظ هنا: ماذا ننتظر من نظام بوليسي، عسكري، سوى أن يطلق النار على كل من يقترب من حدوده!؟. إن ما أدينه شخصيا هي تلك الحدود التي تكون عادة من صناعة مصالح أصحاب الجرائد، وأيضا من الرقابة الذاتية التي يتحلى بها الجبناء، أكثـر مما هي خطوط حمراء قانونية.
صحيح، أحيانا نندهش من جرأة بعض الصحف، وبعض الأقلام التي تفتح لنا نافذة شجاعة نطل منها على قيودنا. لكن ردود الفعل من الجهة الأخرى هي مثل رد فعل قارئ عادي، مجرد اطلاع وتطوى الصحيفة بما فيها.
لقد فقدنا إحدى القيم الأساسية لتقدمنا وهي حرية التعبير البناءة، تلك التي نكشف من خلالها الخداع والكذب والفساد ونجد من يبادر إلى تصحيح الوضع. نحن انحدرنا إلى هذا المستوى المؤسف: اكتب ما شئت لا أحد يتفاعل مع ما تكتب!؟ أي أننا بلغنا حضارة ما قبل الكتابة، وهذه مشكلة سنحتاج لبعض الوقت لتقييمها ككارثة حقيقية ستدفع الأجيال القادمة ثمنها.
دعوني، في الأخير، أقدم لكم نصيحة مجانية: إذا أردتم أن لا تركلكم الأحذية اصنعوا أجنحة!
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)