الجزائر

حاليلوزيتش.. مؤسس الدولة القادمة



أثار انتباهي، قبل أيام، مقارنة المخرج محمد حازورلي، للميزانية التي خصصتها الدولة للفيلم التسجيلي حول الأمير عبد القادر مع المرتب الشهري للمدرب الجديد للفريق الوطني لكرة القدم وحيد حاليلوزيتش. وبغض النظر عن حق الجمهور الجزائري في أن يكون لهم منتخب يصنع لهم الفرجة والفرحة، مثل بقية الجماهير في العالم، فإن الجزائريين يتعرضون كل 5 جويلية، منذ عقدين من الزمن على الأقل، إلى ''الإهانة''.نبدأ من البداية، في هذه المناسبة تبث علينا اليتيمة أفلاما وأشرطة صرنا نحفظ مشاهدها وحواراتها عن ظهر قلب. ثم تعود نفس اليتيمة لتبث علينا مشهد رئيس الجمهورية في مقام الشهيد يضع إكليلا من الزهور، وفي المساء وهو يقلد الرتب للضباط المستفيدين من الترقية. وتخبرنا نفس اليتيمة بأن الرئيس أصدر عفوا عن المساجين، وما أكثرهم. وبعيدا عن العاصمة وفي كل ولايات الوطن، يتوجه الولاة والمنتخبون و''الأسرة الثورية'' وتتقدمهم الكشافة الإسلامية، إلى مقابر ونصب الشهداء، يضعون أكاليل الزهور ويقرأون فاتحة الكتاب الكريم. ولا أحد اجتهد ليبدع للجزائريين طريقة أخرى للاحتفال بأكبر انتصار حققه الجزائريون في تاريخهم الحديث.
ويشتكي محمد حازورلي من ضعف الميزانية التي خصصت لشريطه حول مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة. وهو يعلم أنه في كل 5 جويلية تنفق الدولة أموالا لا أحد يعرف حجمها، لكن مصدرها معروف وهو الخزينة العمومية، أي وديعة مجموع الجزائريين، ليرقص الشعب على أنغام كل الطبوع. ويستدعى مامي، خالد وغيرهم ممن يمتهنون الغناء، ليملأوا سماء الجزائر في هذا اليوم التاريخي بكلام وألحان تثير الأجساد. وهذا لا يعني أن كاتب هذه السطور ''أصولي'' أو ''متخلف'' لا يحب أن يرى الجزائريين في زهو ورفاه، أبدا...
يحدث هذا، ومازال الشريف عباس وسعيد عبادو حيين يرزقان، وفي صحة جيدة والحمد لله على نعمته عليهما، وهما اللذان لا أحد يشك أنهما حملا السلاح لطرد فرنسا، ولا يمكنهما أن يلوما أحدا، مادامت رفيقتهما في الجهاد لويزة إيغيل أحريز أقرت بأن ''الجيل الجديد فقد الثقة في كل شيء''.
لماذا تنفق الجزائر شهريا، على تقني أجنبي في كرة القدم، أكثر مما أنفقته لإنجاز شريط وثائقي حول حياة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة؟ ربما يكون الجواب أن السلطة أدركت أن الرايات الوطنية لا تخرج بكثافة إلى فضاءات كل المدن والقرى الجزائرية ولا يجري بها الشباب في الشوارع في كل الاتجاهات إلا عندما يفرحون بانتصار الفريق الوطني لكرة القدم. إلى هذا الحد انحدر احتفالنا بأحد رموز سيادتنا ''الاستقلال''.
في 5 جويلية من كل سنة، ومنذ أكثر من عقدين من الزمن، يزيد الجزائريون ابتعادا عن انتصارات أسلافهم ورموز سيادتهم، ولا يجد النظام ما يقدمه لهم إلا أصواتا تخرج من حناجر مغنيات ومغنين، دعمها بوحيد حاليلوزيتش، عله يزيد من كثافة الرايات الوطنية في الشوارع إذا انتصر الفريق الذي سيكوّنه.
هكذا يحتفل الجزائريون بثمرة تضحيات مليون ونصف المليون من الشهداء، ورفاقهم في السلاح أحياء.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)