الجزائر

جوع عدنان يقهر كبرياء إسرائيل


 حطّم الأسير الفلسطيني خضر عدنان الرقم القياسي العالمي في الإضراب عن الطعام، حيث لم يدخل جوفه لقمة واحدة منذ شهرين وأسبوع، بعد أن اختار لنفسه، وهو أعزل في وجه عدو صهيوني مدجج بالسلاح، خيار الامتناع عن الأكل، حاملا شعار كرامتي أغلى من الطعام، واستشهادي أحبّ إلي من عيش الذل والمهانة. ولكن الأهم في رحلته مع الجوع الإرادي، هو كسره لكبرياء وجبروت إسرائيل التي اضطرت أمام صموده وبسالته للإعلان مُرغمة عن إنهاء اعتقاله في أفريل القادم.
عدنان الابن البار لحركة الجهاد الإسلامي، خاض معركة الأمعاء الخاوية، في الوقت الذي تجاوزت فيه بطوننا مستوى ''الشبعة''، وتعدته إلى حد التخمة، حيث بقينا نترقب أنباء خروج روحه التي أصبحت تلوح فوق جسد أمسى منهكا نحيلا، بعد أن كان بالأمس القريب غثا سمينا، تسوقها لنا نشرات الأخبار في أي وقت، لنضيف اسما جديدا إلى قائمة أسماء طويلة من الأبطال والشهداء لم يرضوا الدنيّة في دينهم ولا في وطنهم ولا في مقدساتهم، فقدّموا أرواحهم قرابين، واختاروا نهج المقاومة في حرب قوامها الحجارة والأطفال، مقابل الدبابات والطائرات.
لقد خرج عدنان منتصرا في حربه التي قرع طبولها لوحده، لأنه، كما قال في رسالته التي كتبها من وراء أسوار السجون الإسرائيلية، يتمسك بحبل الله المتين، ومن كان الله معه فمن عليه، ومن كان عليه فمن معه. وقال أيضا إذا كانوا عنيدين لدرجة تكاثف كل مؤسساتهم ضد تحقيق مطلبي بالحرية، فأمامهم ابنكم وأخيكم الصغير وسأكون إن شاء الله عند أملكم.
المؤسف في هذه القضية الإنسانية العادلة، هو أن الدول العربية والإسلامية التي تتقاسم مع عدنان نفس المعتقد ونفس اللسان ونفس العدوان الذي جعل الأقصى أسيرا، لم تتحرك ولو ببيانات الشجب والاستهجان مثلما عوّدتنا، ومثلما تجيد فعله في كل مرة، تاركة إنسانا بريئا كان آمنا في بيته، مُعافى في بدنه وسط أهله وعشيرته يواجه الموت البطيء، وهي تتفرج لا تحرك ساكنا. بل المصيبة العجيبة والطامة الكبرى، هي أن النُصرة أتت من الغرباء، فقد طالبت فرنسا إسرائيل باتخاذ تدابير إنسانية لأسيرها الذي واجه خطر الموت بعد أن عزف عن الأكل والكلام منذ 18 ديسمبر الماضي. كما ظلت كاثرين أشتون، ممثلة الاتحاد الأوروبي، تطالب، بشكل شبه يومي، الحكومة الإسرائيلية بالحفاظ على حياة عدنان، وآخر السند جاء من مغني أسترالي شهير غنّى لأجل عدنان ليشُد من أزره، ويُثبت من عزيمته، بعد أن خذله بنو جلدته.
لا يسعني يا عدنان إلا أن أقول لك عذرا، فقد فقدت الأمة قائدها الأول، الذي عقد لواء الحرب وحاصر يهود بني قينقاع وأمر بإجلائهم بعد أن تربص نفر منهم بامرأة أنصارية مسلمة وكشفوا سوأتها.. عذرا، فلم يعد هناك اليوم المعتصم بالله الذي استغاثت به امرأة عربية أهانها رومي في أحد أسواق عمورية، فأخذته حمية الدين وغيرة الإسلام، فحرّك جيشا أوله كان عند كلب الروم، وآخره كان في قلاع خلافة المسلمين. لقد أصبحنا حقيقة غثاء كغثاء السيل، ليس من قلّتنا، ولكن من الوهن الذي سكن قلوبنا ونزع مهابتنا عند أعدائنا فاستباحوا دماءنا وأعراضنا وأراضينا.

derkimed@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)