الجزائر

"جنيف 2"...المخاض العسير



حدّد الأمين العام للأمم المتحدة بانكي مون موعد ال 22 جانفي القادم لعقد المؤتمر الدّولي حول الأزمة السّورية. وإذا كان العالم أجمع قد استبشر خيرا بالإعلان أخيرا عن تاريخ لجمع أطراف الصّراع الدّموي الذي يعصف ببلاد الشّام منذ قرابة الثلاث سنوات، حول طاولة مفاوضات للبحث عن تسوية سياسية توافقية، فإنّه بالمقابل بطرح عدّة علامات استفهام، لعلّ أهمّها هل فعلا سيعقد "جنيف 2" في جانفي القادم كما قرّرت الأمم المتحدة؟ وإذا حصلت المعجزة وعقد المؤتمر حتى وإن كان بأوامر فوقية فهل سيفضي إلى النتيجة المرجوّة؟في الواقع تبدو مثل هذه الأسئلة ملحّة ومشروعة بالنّظر إلى التجارب الماضية ومستوى التأزم والتّعقيد الذي بلغه الملف السّوري، وقبل ذلك وبعده كثرة العابثين بأمن ووحدة سوريا.فإذا كان الرّقم الأوّل من معادلة الصّراع (النظام) معلوم ومواقفه ومطالبه محدّدة، فإن الرّقم الثاني مجهول تماما، فأيّ معارضة ستتوجّه إلى جنيف لتجلس إلى طاولة المفاوضات، والجميع يعلم تشتّت وتفتّت هذه المعارضة إلى مجموعات لا تعدّ ولا تحصى حتى أصبح لكل مجموعة معارضتها التي تخالفها الرأي وتناصبها العداء، ثم وهو الأهم إذا كانت بعض المعارضة الإنتهازية التي تحسن السّباحة مع كلّ التيارات والتي ظلّت ولا زالت تصبّ الزيت على النيران المستعرة التي تحرق أرض وشعب الشام عبر فضائيات الفتنة، ستقبل الذّهاب إلى جنيف للحصول على مكاسب خاصّة، فهل ستقبل المجموعات التي تقاتل وتمارس الإرهاب في الميدان الإلتزام بأيّ اتفاق يتمّ التوصّل إليه؟الجواب واضح، والعقبة كما تبدو كبيرة والخروج من النفق لا يكون غدا.أيّ معارضة ستتوجّه إلى جنيف؟رغم أنّ الكثير من المراقبين يستبعدون عقد مؤتمر السّلام الدولي حول سوريا، ويعتقدون بأنّ الظروف غير مهيّأة لذلك بالنّظر إلى استحالة توافق المعارضة بجميع أطيافها وجنسياتها ومحرّكيها على إرسال وفد مشترك يمثّلها جميعا بمطالبها المتباينة، وأيضا بالنظر إلى الشّرط التّعجيزي الذي تضعه هذه المعارضة التي تصرّ على طرح مسألة رحيل الأسد لتحضر المؤتمر، فإنّني شخصيّا أتصوّر بأنّ "جنيف 2" سيلتئم في 22 جانفي أو في موعد لاحق، لأنّ عقده أصبح أمرا ملحّا ليس بالنسبة للسّوريين الذين نراهم مستعدّين لمواصلة سفك دماء بعضهم البعض، بل بالنّسبة لصنّاع القرار في العالم ولرأس الحربة فيه، إسرائيل التي يظهر جليا بأنّها حقّقت ما كانت تصبو إليه من خلال تجريد جارتها اللّذوذ من السّلاح الكيمياوي، وإضعاف نظامها وتفتيت وحدة شعبها، وتدمير اقتصادها ونسف بناها التحتية، وإدخالها في متاهة الإرهاب وويلاته، لهذا فهي اليوم تستعجل عقد مؤتمر لتهدئة الوضع في محيطها.نسف مثلّث المقاومةأعتقد بأنّ الغرب لو كان يريد إسقاط نظام الأسد لفعل ذلك قبل عامين لكنّه أو بالأحرى إسرائيل كانت تريد أكثر من مجرّد تغيير النّظام في بلاد الشّام، وهو نسف مثلّث المقاومة الذي تشكّل أضلاعه الثلاثة كل من بلاد الشّام وإيران وحزب الله.إسرائيل ومن ورائها الغرب تريد اليوم عقد مؤتمر السّلام وتجرّ المعارضة السّورية جرّا إلى جنيف لترغمها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع النّظام الذي رفعت السّلاح لإسقاطه لأنّها أي إسرائيل حصدت المكاسب التي كانت تسعى إليها، إذ جرّدت سوريا من سلاح الرّدع وحشرت حزب الله في زاوية ضيّقة.إسرائيل ومن ورائها الغرب لا يهمّها أمر المعارضة السورية، فهي في النّهاية تراها مجرّد مجموعات إرهابية أو عناصر انتهازية مكلّفة بأداء مهام قذرة، ولا تعنيها معاناة الشعب السّوري الذي سقط منه أكثر من مائة ألف قتيل، وأجبر ثلاثة ملايين على التشرّد...فكل ما يهمّ الكيان الصّهيوني هو محيط مسالم مستسلم لا يملك سلاح ردع ولا روح مقاومة...الاتّفاق النّووي الإيرانيدافع نحو الحل السّلمي«جنيف 2" سيعقد بنظام سوري ضعيف وببعض المعارضة الإنتهازية التي لا تمثّل إلاّ نفسها، وستنبثق عنه بكل تأكيد خارطة طريق تحدّد معالم سوريا ما بعد الأزمة، لكن المؤتمر الذي يتحدّث عنه الجميع ويعتبره سبيل الخلاص الوحيد سيكون بالنّسبة للمجموعات الإرهابية المتعدّدة الجنسيات لا حدثا، لهذا تشير الكثير من التوقّعات إلى أنّ سوريا أيّا كانت النتائج التي سيتمخّض عنها مؤتمر السّلام الدولي، وأيّا كان من سيقودها، ستبقى لفترة أسيرة لهذه المجموعات الإرهابية ولنشاطها الاجرامي.لكن مع إدراكنا العميق بأنّ عودة سوريا إلى ما كانت عليه قبل مارس 2011 من أمن واستقرار يتطلّب الكثير من الوقت والتضحية، فإنّنا متأكّدين بأنّ عقد مؤتمر دولي للسّلام يعتبر خطوة ضرورية يجب أن تتبع بخطوات أخرى، وبتنازلات من هذا الطرف وذاك لإخراج السّفينة إلى برّ الأمان.وبعيدا عن استباق الأحداث، من الضروري الوقوف عند الاتفاق النووي الذي وُقّع قبل أيّام بين إيران والغرب، على اعتباره سينعكس إيجابا على الأزمة السّورية، أوّلا لأنّ إيران لاعب أساسي في المنطقة وبإمكانها أن تفعل الكثير لتسوية المعضلة التي تعصف بحليفتها، وثانيا لأنّ امكانية تسوية المسألة النووية الإيرانية سلميا، يفتح الطريق لتسوية مماثلة للأزمة السّورية، ففي كل الأحوال ليس هنالك خيار، سوى الحلّ السياسي الذي تتّفق عليه جميع الأطراف، ويحتاج تحقيقه إلى إرادة ونوايا صادقة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)