الجزائر

"جمهورية" برج باجي مختار.. وما خفي أعظم




- صعوبة الحصول على بطاقة التعريف وراء انتشار الزواج العرفي- المضاربة تعصف بأسعار المواد الغذائية.. البطاطا ب 250 دج والطماطم ب 300 دجفي الوقت الذي تُحضر منطقة برج باجي مختار في أن تكون ولاية منتدبة خلال السنة الجارية، تعيش هذه الأخيرة وسط عزلة تامة، تجعلك تعتقد أنك وليت إلى زمن غابر، وسط انتشار رهيب لمختلف الآفات الاجتماعية، إضافة إلى حالة الفقر المدقع والبطالة التي تزايدت نسبتها مع إغلاق الحدود الجزائرية المالية."البلاد" خلال زيارتها لمنطقة برج باجي مختار قامت بجولة استطلاعية بالمنطقة، اقتربنا من المواطنين وحاولنا الوقوف على واقع معيشتهم خاصة بعد أن شاهدنا أطفالا عراة في الطريق وعائلات تعيش في فقر شديد، معاناة سكان المنطقة جعلتهم يفكرون في أنهم منسيون خاصة مع استحالة حصولهم على بطاقة الهوية الوطنية، السبب في ذلك أنهم مولودون بمالي، وفي هذا الصدد يقول أحد السكان يدعى الشادلي "نحن سكان الحدود منسيون بلا هوية. فأنا إلى يومنا هذا لا أملك وثائق تثبت هويتي، ولا حتى شهادة ميلاد، وفي كل مرة أحاول فيها الحصول على الوثائق أجد نفسي أمام عوائق لا نهاية لها".هاجس الجنسية شبح يطارد سكان المناطق الحدوديةأكدت مصادر محلية أن أكثر من 280 ألف شخص يقطنون في الحدود الجزائرية المالية وبالتحديد في بلدتي برج باجي مختار وتيمياوين والحي الغربي محرومون من الجنسية وأغلبهم من مواليد مدينة "غاوا" بالجمهورية المالية، وتساءل أحد المعنيين عن ازدواجية المعايير قائلا "كيف يستفيد أبناء المواطن الجزائري المقيم بفرنسا وكندا من الجنسية الجزائرية، فيما تمنع عن المقيمين بدول الساحل"، وأكد حسان البالغ من العمر حوالي 45 سنة أنه يستوفي كل الشروط التي تمكنه من الحصول على الجنسية، وهو ما أكدته له الدائرة الإدارية لبرج باجي مختار، غير أنه رد المحكمة يأتي في كل مرة مغاير لذلك، حيث لا يتمكن حسان من الحصول على الجنسية، كما أكدت السيدة "مريم كنتة" التي كانت قد أودعت ملفا كاملا للجنسية شأنها في ذلك شأن أي مواطن إلا أنها لم تتمكن من الحصول عليها دون أي سند حسب قولها. وقد عاشت مشاكل كثيرة تتعلق بعقد الزواج المدني بعدما أرادت توثيق الزواج العرفي قانونيا. لتصطدم بواقع قضائي يمنع الحصول على حقها الخاص بالجنسية. "رقادي عمر" هو الآخر يعانى مشاكل جمة ويرجع سبب الرفض إلى أنها من مواليد غاو المالية، والشيء نفسه ينطبق على بناته الأربع اللواتي لم يتحصلن على الجنسية دون أي مبرر، وهّن مقبلات على الزواج وتوثيقه الرسمي، علما أنه يملك شهادة ميلاد الأب والجد الجزائريين مما جعل عددا من المواطنين المولودين ب"غاوا" عالة على أبنائهم المولودين بعاصمة توات. وكشف أحد المطالبين بالجنسية من سكان منطقة الحي الغربي أنه عندما قصد محكمة ورڤلة فشل في الظفر بالجنسية وأطلعه قاضي المحكمة على التعليمة التي تنص على أن كل مواليد "غاو" و"سبها" الليبية و"القدز" النيجيرية لا يمكنهم الحصول على الجنسية الجزائرية إلا من محكمة سيدي امحمد بالعاصمة.استحالة الحصول على الجنسية كانت آثاره كبيرة حيث اتجه أغلب إن لم نقل كل الذين استعصى عليهم الحصول على الجنسية إلى الزواج العرفي الذي تفشى في برج باجي مختار وتيمياوين وغيرها من المناطق المجاروة، حيث يقول أحد سكان منطقة برج باجي مختار "ما الذي أفعله عندما تصل ابنتي إلى سن الزواج هل أتركها في المنزل وأضيع حياتهما، أنا مجبور على تزويجها عرفيا". ويضيف المتحدث لدي أربع بنات كلهم زوجتهم عرفي" وفي هذا الصدد يقول أحمد "كل الشباب هنا وحتى الكبار متزوجون زواجا عرفيا". وطالب سكان بلديتي برج باجي مختار وتيمياوين والحي الغربي وابني وأسكت بولاية بأدرار، رئيس الجمهورية ووزير العدل بضرورة التدخل العاجل في قضية إيجاد حل لها.وحتى البدو الرحل القاطنون في الحدود الجزائرية المالية يعيشون مشكلا مشابها وهو منعهم من تحديد مدة تسجيل أبنائهم في البلدية، إذا تجاوزوا 18 يوما. يقول أحد البدو الرحل "نحن بحكمأننا ننتقل في الصحراء يصعب علينا الوصول إلى مقر البلدية في ظرف 18 يوما وهو ما يحرم أبناءئنا من أنهم يسجلون في البلديات".إغلاق الحدود المالية يتسبب في تفشي الفقر والبطاطا ب 250 دجالتوترات الأمنية التي عرفتها المالي، أجبرت الجزائر على إغلاق حدودها، لتخلق بذلك أزمة حقيقية لسكان المنطقة لاعتمادهم منذ أزمنة طويلة على المقايضة مع الماليين في معاملاتهم التجارية، مما تسبب في تفشي الفقر وارتفاع نسبة البطالة، حيث لم تلق الأزمة المالية بظلالها على الجانب الأمني للمنطقة فحسب، بل تعدت إلى الجانب المعيشي، حيث تسبب إغلاق الحدود المالية الجزائرية في خلق أزمة حقيقية للمواطنين القاطنين على الحدود الذين يعتمدون في معيشتهم على المقايضة مع الماليين، وهو ما زاد الطينة بلة في هذه المنطقة التي لا تتوفر على أدنى ظروف الحياة. وفي هذا الصدد يقول أحدهم "لما كانت الحدود مفتوحة، كنا نذهب إلى مالي لنأتي بالسلع، وهم يأتون ليأخذوا من عندنا، والآن أصبحت الحالة "ميتة" أصبحنا لا نجد ما نأكل "إغلق الحدود ووقف المقايضة جعل السبيل الوحيد لتوفير لقمة العيش هو جلب السلع من ولايات الشمال، ولكن بعد المسافة تسبب في ارتفاع جنوني لها، حيث وصل سعر البطاطا وحده إلى 250 دينارا، والطماطم ب 300 دج، دون التحدث عن باقي ضروريات الحياة. يقول أحد تجار المنطقة "إن المسافة طويلة جدا فأنا أجلب السلع من ولايات الشمال، كما أن البنزين لوحده الذي نحتاجه لقضاء المسافة يصل إلى 20 ألف دينار ونحن لا نستطيع أن نأتي بكميات كبيرة جدا نظرا لغياب غرف الحفظ والتبريد بالمنطقة". ويضيف المتحدث "لن أستمر في هذه التجارة طويلا، الخسارة فيها أكثر من الربح، ولأن سكان المنطقة لا يشترون نظرا لفقرهم، فالمقايضة هنا لطالما اعتبرها سكان برج باجي مختار وحتى الماليون مفتاحا لاستمرار حياتهم، ونتج عن إغلاق الحدود آثار وخيمة على غرار البطالة والفقر.الأمراض تصدر وتستورد من خارج الحدودالأمراض التي يعانيها أطفال المنطقة سببها اللاجئون الماليون الذين دخلوا الجزائر بطريقة غير شرعية الذين يصل عددهم إلى 30 ألف وفق مصادر محلية، اختلطوا بالسكان وعملوا معهم مما جعل الأمراض تنتقل بينهم وبسرعة، وقد أودت بحياة العديد من الأطفال السنة المنصرمة، لتفتك بعدها بالنساء والرجال. كما أضاف المصدر أن كل المنطقة يوجد بها طبيب واحد لفحص الجميع.غياب المرافق الصحيةكما وقفنا خلال جولتنا في برج باجي مختار على معاناة السكان في ظل غياب المرافق الصحية التي تعتبر أكثر من ضرورية بالمنطقة التي لا تخلو من الأمراض والأوبئة، زد على ذلك معاناة الحوامل. وفي هذا الصدد وقفنا على معاناة سيدة حامل في شهرها الخامس، كانت تعاني من آلام قالت شقيقتها إنها أصيبت منذ يومين لكنها زادت حدتها اليوم، وتم نقلها إلى أدرار، لكنها فقدت جنينها في طريقها إلى مستشفى أدرار. كما وقفنا على معاناة إحدى السيدات، كانت تئن من شدة الحمى فقالت: "أصابتها منذ نحو أربعة أيام إلا أنه لا يوجد أطباء والمستشفى الوحيد المتواجد على مستوى برج باجي مختار لا يغطي الاحتياجات".وأكدت العائلات بهذه المنطقة أن آلاف الأطفال والحوامل يموتون في الخيم والمنازل لغياب أدني شروط الصحة.شباب المنطقة يطالبون بحياة كريمة كباقي الجزائريينطالب سكان برج باجي مختار، السلطات العليا في البلاد بالالتفات إلى الأوضاع التي يعيشونها، خاصة بعد وقف التجارة بالمقايضة التي كان المنفذ الوحيد لسد رمق حياتهم، وقال شباب المنطقة في حديث ل"البلاد" إنهم مستعدون للعمل وتحسين ظروف حياتهم، كما طالبوا بمنحهم أراضي للعمل، مشيرين إلى أنه لم يصلهم أي دعم في إطار القروض التي تمنحها الدولة للشباب على غرار "أونساج وأونجام".الظروف المزرية التي يعيشها المواطنون المتواجدون ببرج باجي مختار والمناطق المجاروة، يطرح التساؤل: كيف لبرج باجي مختار أن تصبح ولاية في منطقة أقل ما يقال عنها أنها تنعدمبها أدنى شروط الحياة؟




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)