الجزائر

جزائريون يقاتلون ضمن كتائب "أنصار الدين" بتمبكتو



جزائريون يقاتلون ضمن كتائب
يقولون عن أنفسهم أنهم فروا بدينهم إلى هذه الأرض القاحلة فلاحقهم العالم بأجمعه من وسائل إعلام ووكالات استخبارات دولية.. يقولون أيضا أن ذنبهم الوحيد أنهم طالبوا بتحكيم الشريعة في بلدانهم فاضطهدوا وسجنوا.. يقولون أن الهجرة فرضت عليهم للخروج من بلدانهم في رحلة عمر بلغت يبعضهم أكثر من 25 سنة من المطاردة والقتال من أفغانستان إلى الصومال ثم البوسنة ثم الشيشان ثم اليمن ثم الجزائر فكردستان فالعراق فليبيا وأخير حطت بهم الرحال مجددا في إفريقيا.
عبر عدد من قصص أفراد جماعة أنصار الدين والجماعات السلفية الأخرى المتعاونة معها، حاول مبعوث الشروق تقصي حقيقة هؤلاء والنقل بكل مصداقية للكشف عن رجال هذه الإمارة السلفية الأولى من نوعها في إفريقيا بهذا الحجم التي سيطرت فيه على مدينة كبيرة في قلب صحراء غرب إفريقيا، حيث يتحدثون عن أنفسهم وتجاربهم من أنصار السنة في الصومال والسودان وكردستان إلى أنصار الإسلام في العراق وبلاد الشام إلى أنصار الشريعة في تونس واليمن ووصولا بهم إلى تجربة أنصار الدين في تومبوكتو .
تحالف بين أنصار الدين وتنظيم القاعدة للقتال
كان اليوم الثاني من مكوثي في وسط "تمبكتو"، يتمحور في السعي للخروج من المنزل الذي أنا مقيم فيه منذ ساعة وصولي إلى المدينة، طلبت من عبد الله أن يرتب لي حديثا مع من يثق فيه من أنصار الدين وأبتاعهم، ليجيبني أن "الأنصار" والتنظيمات الأخرى من القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وأهل السنة والجماعة والتوحيد والجهاد في غرب إفريقيا والسلفيين القادمين من دول أخرى بشكل فردي، لا نعرف أي واحد منهم يمكننا أن نتعامل معه دون تحفظ أو تقيد بشروط كتلك التي وضعوها أمامنا عن طريق الوسيط في أول محاولة للدخول إلى وسط تومبوكتو بطريقة علنية.
كما قال لنا شخص أعلمني عنه صاحب المنزل عبد الله أنه من "التماشق" أي من طوارق أبناء المدينة، أن جماعة أنصار الدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أعلنوا الوحدة والتوافق والحلف من أجل إعلاء كلمة الله ونشر التوحيد وتطبيق الشريعة ، كما اتفقوا على القتال صفا لصف وجنبا لجنب للحيلولة دون اجتياح المدينة أو دخولها عنوة من طرف القوات العسكرية التابعة للحركة الوطنية لتحرير الأزواد التي تقيم حواجز ونقاط تفتيش على مشارف المدينة.
ويضيف محدثنا الطارقي"لقد وزعوا علينا بيانات ومنشورات ومطويات ، خلال تجولهم في الشوارع وعقب أدائنا للصلوات الخمس في المساجد، وكانت عناوين هذه المطويات "الولاء والبراء في دين الله" و"الفريضة الغائبة" و "شروط لا إله إلا الله"، كما ألحوا في حديثهم إلينا على أنهم إخواننا ولا يطمحون إلى إيذائنا أو إيقاع السوء بنا، بل همهم الوحيد هو الفوز بعادة الدنيا والآخرة بالقتال تحت راية الإسلام وراية التوحيد، وتجنب القتال تحت لواء ما يصفونه ب "راية الجاهلية كما تفعله الحركات التي تدعو للاستقلال والتمسك بالديمقراطية" في إشارة منهم إلى موقف الحركة الوطنية لتحرير أزواد، ويقولون أنه يحرم على المسلمين أن يناصروا الحركات التي تدعو إلى الوقوف تحت "راية الجاهلية" بل يدعون للوقوف تحت راية الإسلام الصحيح النقي من الشوائب ومن عبادة القبور والتزلف إلى أصحاب القصور.
مقاتل من أنصار الدين يتحدث "قدمنا إلى هذه الأرض لتطبيق الشريعة بعد أن طاردونا في أوطاننا"
فكرت كثيرا في الخروج من المنزل مرتديا اللباس التارقي، وكنت حريصا أن أخفي ملامح وجهي كأي شخص يتمسك بعادات التوارق، خرجت أولا إلى السوق، وكنت ألاحظ التجول الحساس الحذر للسكان، إضافة إلى أفراد جماعة أنصار الدين والسلفيين الآخرين، بزيهم العربي، بعضهم كان يلبس زيا عسكريا والبعض الأخر كان يلبس السروال الفضفاض عليه العباءة الباكستانية أو ما يعرف بلباس البنجاب، كما كان الكثير منهم خاصة المتقدمين في السن يعمدون إلى الظهور أمام المدنيين من أهل تومبوكتو على متن السيارات التي تحمل السلاح الثقيل المضاد للطيران، كما أن أغلبهم يعمدون إلى الظهور أيضا ولحاهم مخضبة بالحناء والزعفران، سألت عبد الله ليقول "إنها سنة النبي صلى الله عليه ولم يا صديقي" ويضيف "لا تتحدث كثيرا".
في هذه الأثناء كنت أحمل كاميرا صغيرة وأستعين بها على التقاط صور لمقاتلي أنصار الدين والسلفيين الآخرين، حيث جلسنا للشرب الشاي على طرف الطريق، وثم أخرج مرافقي عبد الله الكاميرا بين ثيابه لأخذ صور لمجموعة من أنصار الدين كانت تقوم بدورية في أحد أحياء المدينة.
جلت شاردا أنظر إلى دورية أنصار الدين، وكنت أفكر ما الذي أخرج هؤلاء من بلدانهم ليأتوا إلى هذه البقعة بالذات من الأرض ليعلنوا فيها تحكيم شريعة الله، وإذا بأحد مقاتلي أنصار الدين يفاجئنا بإلقائه التحية والسلام علينا، ليتكفل مرافقي عبد الله سريعا في الرد عليه بلباقة، ويدخل معه في حديث عن سبب قدومهم بالضبط إلى هذه الديار دون غيرها، فقال الرجل "نحن قدمنا إلى تومبوكتو بالإسلام ولم نقدم لنشر الفوضى والخراب كما يشاع، كما أننا جئنا لتثبيت العقيدة الصحيحة، العقيدة التي من أجلها تركنا أهالينا وعائلاتنا وأموالنا، نحن طلقنا الدنيا واشترينا الآخرة، وما عند الله خير وأبقى، بعد أن طاردونا في أوطاننا وبين بني جلدتنا" ثم يبادره عبد الله بالرد ليقول "نحن مسلمون أبا عن جد منذ العشرات من القرون وأجدادنا الأوائل أسلموا على أيد الصحابة والتابعين الفاتحين لبلاد إفريقيا، فكيف لكم أن تدعونا إلى الإسلام ونحن مسلمون؟"
كنت أمسك أعصابي من شدة الخوف والغضب من عبد الله لأنه دخل في نقاش مع مقاتل أنصار الدين، لكنني أيضا كنت أنتظر بشغف أيضا ما سيقوله الرجل الذي كان في ريعان الشباب وتبدو على ملامحه شدة المقاتل إضافة إلى لهجته التي توحي أنه من دول الشمال الإفريقي، يقول له "لم نكن يوما نكفر المسلمين أو نتحل دماءهم بغير وجه حق، فدم المسلم على المسلم حرام إلا بإحدى ثلاث.. النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة، فنحن لا نتحل دماء المسلمين عبثا كما تعتقدون"
أنهى الرجل حديثه ليستأذن منا بأدب ويلتحق بأفراد دوريته الذين كانوا بدورهم يتحدثون مع آخرين يدعونهم لمعتقداتهم وأفكارهم التي جاؤوا من أجلها لهاته النقطة من العالم.
أنصار الدين: الهجرة واجبة على السلفيين إلى تومبوكتو
بعد هذه الجلسة التي جمعتنا بأحد مقاتلي أنصار الدين، ونحن كلنا ملثمين، انتقلنا إلى سوق المدينة أين كان الكثير من الناس يجتمعون هناك في ظل التواجد الدائم للسلفيين المسلحين من أنصار الدين والتنظيمات الأخرى التي لم نكن نستطيع أن نميز بينها وبين غيرها، لأنهم كلهم بزي واحد تقريبا ويرفعون صوتهم بدعوة واحدة لتطبيق الشريعة وعودة الخلافة الإسلامية إلى الأرض.
اقتربنا من سوق المدينة، لنسمع خطبة رجل يتحدث بالأمازيغية وآخر يترجم إلى السونغاي وآخر إلى العربية، حاولت أن أسمع أكثر الأشياء فكان من بينها "أيها الموحدون إن الله قد أوجب عليكم الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ونصرة الموحدين من أتباع دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلا تكونوا كالذي نكص على عقبيه وخذل دين الله"
وأضاف الرجل الذي كان يتحدث بحدة وبصوت جهوري "لقد جمع الغرب الكافر قوته وأنصاره من المنافقين من أبناء جلدتنا الذين باعوا قضية الإسلام، لمحاربة إمارة تومبوكتو التي قالت ربنا الله وهم قالوا ربنا أمريكا والشيطان، أيها الناس إن ساعة الجد قد أزفت فلا تولوا الأدبار يوم الزحف واثبتوا فإن الله مع الصابرين وقد وعدنا الله بنصره وجنده.
لقد وقعت هذه الكلمات في نفسي وقعا كبيرا، حيث اعتقدت أنهم توصلوا إلى معلومات تخص الهجوم على المدينة من خارجها من قوات أجنبية أو من قوات الحركة الوطنية لتحرير الأزواد التي وضعت نقاط تفتيش وحراسة عسكرية.
أشرت على عبد الله أن نرجع إلى المنزل، لكي نقرر ما الذي توجب علينا فعله في ظل هذه المستجدات والتحضيرات التي يسعى لها أنصار الدين وأتباعهم في المدينة، حيث أثارت هذه الخطوة مخاوف كبيرة في نفسي، خاصة من احتمال قصف المدينة بالطيران الحربي إذا تدخلت أمريكا أو فرنسا وقوات الناتو.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)