الجزائر

جدو حقي.. أسطورة قلم خالد



جدو حقي.. أسطورة قلم خالد
نشأ بين الكتاب والقلم، كان يقتني كل كتاب يمر به، حتى لقلب ب"أبوكتاب"، كان إخوته ينفرون من هذا اللقب، بينما والده كان يفاخر به، وكان يصيح عند عودته إلى المنزل "جاء الكاتب، جاء الكاتب".في المدرسة كان موضوع إنشائه هو المثالي، وهو الذي يفرضه الطلاب على أنفسهم كأول موضوع يقرأ مهما كان، وهكذا بدأت الإشاعات تسبقه بأنه "كاتب المستقبل"، فلم يترك هذه الفرصة تفوته، بل عمل بها ليلا نهارا، بالشارع وبالمنزل، بعدها انطلق بجمع القصص محاولا منها تأليف كتيب إلى أن صار مولعا بالتأليف، حيث بدأ تأليف الكتب وهو في المدرسة الابتدائية.عند "الطالب"، أي المعلم الخاص، وقتها تقدم والده نحوه وقال له "إنك كاتب ومؤلف، فلماذا لا تبدأ بتأليف الكتب، وأنا شخصيا أمد لك يد العون كاملة"، وفعلا كان يعينه ماديا، ومعنويا، ليتجرأ بعدها ويكتب أول قصة، قال عنها إنها الباب الأول للتأليف بالنسبة له، ووجدت حينها التشجيع من إخوته الكبار.ومن وقتها وإلى غاية آخر لحظات حياته، وهو مولع بالمطالعة وقراءة الكتب، يعتز ويفتخر كلما شرع بتأليف كتاب جديد، لأن في مخيلته دائما مشروع كتاب، فالأفكار تحضره في كل وقت وحين، إما عشوائيا وإما أن يخترقها هو، الكاتب السوري-الجزائري عبد الوهاب حقي، الملقب ب"جدو حقي" الذي فارق الحياة أمس الأول.زارته "الجزائر الجديدة" قبل حوالي سنتين في داره، فوجدته حينها ورغم تقدم سنه وضعف جهده، شيخا يحتفظ بقلب العشرين، قلمه كان لايزال يافعا نافعا، محتفظا بذاكرة قوية لم يتمكن الدهر أن يقهرها مرة، لم تخنه أو تغدر به برهة عندما راح يعود بنا لحظة بلحظة نحو زمن بعيد وماضي مجيد، امتدّ به العمر كثيرا، لكن لم يتوقف عن الكتابة والتأليف.صعب اختزال هذا الرجل الذي لم يفشل رغم تقدم عمره وتراجع وضعه الصحي، لأن خفة دمه وروح الدعابة التي لم تفارق مجالسه، ثم إيمانه بقدرته على العطاء، جعلته على الدوام شابا مفعماً بالحيوية، صعب جدا اختزال ذلك المعلم المربي صاحب النظارات المميّزة الذي يتردد كل مرة على المجالس والملتقيات الأدبية ليترك خير الحديث يذكر بعده، لأن فكره دائم التجوال في سماء الإبداع، تقاعد عن وظائفه غير أنه لم يتقاعد مطلقاً عن المطالعة والكتابة المغروستين فيه، صعب اختصار مسيرة صاحب الأطفال وصديق الصغار الذي علق في الأذهان باسم "جدو حقي" منذ عشرات الأعوام. تتذكر "الجزائر الجديدة" جيدا، بحة صوته وكرم استضافته، عندما استقبلها ذات يوم ليقاسمها حقا حقه في استرجاع ماضيه ومحاكاة حاضره.ناهزت أعماله الأدبية 300 عمل بين كتابات في المسرح، القصة، الرواية، كان من أهم ما يشبع رغباته المسرح الطفولي، يقول أنه من المهم جدا الوصول إلى مبتغاة الطفل الثقافية وإيصال أعماله إلى ما يجب أن تكون عليه، وبما أنه نشأ كاتبا مسرحيا، فقد إنغرست تلك الأعمال في نفسه وصارت هوايته، لأنه تمتع بالكثير من الأفكار المسرحية التي تخدم الطفل وأدبه.عمل ببرامج الأطفال في الإذاعة والتلفزيون الجزائري، وقدم مدة 11 سنة كل ما يليق ويستوفي المطلوب، له نتاج ضخم في مؤلفات أدب الأطفال، وعندما سألناه عن سبب ميله لعالم هذه الشريحة، أجاب رحمه الله يضحك: "لأن منه تنبثق الكتابة الصحيحة والأفكار السليمة، وعلى كل من يريد أن يكتب للأطفال، يجب أن يلج عالم الطفولة من ألفه إلى يائه، وأن يكون الكاتب للطفل متميزا ومنغمرا في تعاليم الكتابة الخاصة بعالمه، حتى يستطيع أن يقدم للأطفال ما يستحقون من عناية واهتمام، لا يوجد لدي وقت ومكان معين للكتابة، فهي فلتات طائشة تخرج من بين الحشى إلى عالم التأليف، فالكتابة تلازمني ليل نهار ولا تفارقني وبخاصة في أوقات فراغي، وأنا الآن أهيئ بعض الأعمال الكتابية لعلي أجد حيزا ليفسح لي المجال مجددا"، وحينها فصح لنا عن مشروع كتاب للناشئة، يخص تجاربهم وأعمالهم التي يمارسونها في الخلاء وبين أحضان الأسرة، يهدف به للتقرب أكثر من عالم الطفل والتعرف على اهتماماته منذ نعومة أظافره.عن ماضيه مع الكتابة، سألته الجزائر الجديدة، فأجاب الرجل الطيب: "الحقيقة كانت أسرتي منذ الرضاعة حتى الوفاة مولعة بالكتابة، وبدلا من أن يبدأ طفلهم يمتص الرضاعة، يمتص قلما، فالوالد رحمه الله كان مولعا جدا في الشعر، وكان مغرما في مطالعة الكتب، حيث استطاع أن يؤسس مكتبة خصوصية له في المنزل، وكانت وقتها –في الثلاثينات- بمثابة معجزة، وبعد وفاته عليه رحمة الله، ترك لي المكتبة وكان يقول دائما للأخوة والجيران"هذا الأديب الصغير الذي سيملئ الحي" يقصد الحي الذي كنا نسكنه، وفعلا كنت مغرما بمطالعة الكتب عكس بعض اخوتي وأبناء الجيران، الذين كانوا أعداء للكتاب، الذي كان بالنسبة لهم بمثابة "فرجة"، يتسلون بها ثم يقطعونها ويتلهون بأوراقها، وإما أن يكتفون بشراء الكتاب مرغمين، إما بأمر المدرسة أو الوالد".مشواره الأدبي كان حافلا بالمحطات التي كانت أغلبها بالجزائر، منها مسرحية جميلة بوحيدر التي اعتبرها نقطة تحول من جهات، فقد كان يقول أنه يسعى لتسمية أسماء الكتب وغيرها بأسماء المواطنين الوطنيّين الذين شدّوا اهتمامه، وكان في الطليعة، جميلة بوحيرد التي استهوته كثيرا، ولذلك ألف كتاب مسرحية "جميلة بوحيرد" الذي كان يفاخر به كل الفخر وهو بالنسبة له عنوان الوطنية من جهة، وحب العروبة من جهة أخرى.حول ما يجري في وطنه الأم سوريا، ذكر الراحل جدو حقي: "إني ومنذ نشأتي وأنا أعتز وأفتخر أنني أحمل أقلاما وأفكارا عربية تخدم الوطن العربي والكاتب العربي أينما كان وحيثما وجد، وقد عايشت الأنظمة السياسية التي مرت بالوطن العربي عامة، والوطن السوري خاصة، وعرفت أن المواطن العربي غيور على وطنه ونشأته لاسيما إذا كان له بعض المناشط الثقافية التي من خلالها يستطيع أن يلوح بأعماله الفكرية، والحقيقة أن المشهد الثقافي السوري لم ولن يتغير، دائما يطل علينا بين الحين والآخر بأفكار أدبية راقية، وأشير إلى أن سوريا والشعب السوري بصفة خاصة هو شعب عربي مشبع بالوطنية منذ الولادة، المدافع والمهتم بمستقبل فلسطين، ونحن كعرب نطالب أن يحذوكل العرب حذو النظرات السورية الأدبية منها والفكرية ليحافظوا باهتمام على مستقبل فلسطين كما فعلت سوريا، التي تتعرض لكثير من الأنظمة العالمية وبخاصة أمريكا".وعن ما سمي بالربيع العربي، قال لنا الراحل وقتها أنه عبارة عن تسمية للتسلية والقفز به إلى قتل الأنظمة العربية السليمة، وبخاصة النظام السوري لأنه ضد إسرائيل، لذلك وجب على كل مثقف عربي سليم أن يستل الحسام ويحارب به إسرائيل ومن جاراها.الأديب، الروائي، المسرحي السوري-الجزائري الراحل عبد الوهاب حقي، تقلد عدة مناصب وكان عضوا باتحاد الكتاب العرب في دمشق، اتحاد الكتاب الجزائريين، وعضو منتدى الفكر العربي الجزائري، وكذا عضوا بالجمعية الثقافية الجاحظية، وعضو جمعية الدفاع عن اللغة العربية.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)