الجزائر

ثورات سوريا رأي حر



كتبت حنا أرنت في كتابها ”عن الثورة” أنه إذا بلغ التبديل درجة البدء من جديد، وإذا أوصل العنف إلى حكومة مختلفة وإلى تشكيل فريق سياسي مغاير للذي سبقه، وإذا كانت الغاية من اسقاط الطغيان هي انتزاع الحرية عندئذ فقط يمكن القول أن ما جرى هو ثورة ...الثورة من منظور حنا أرنت، هي تجديد كامل، وإعادة انشاء من جديد. هذا يفترض طرد السياسيين ”أرحل”، يفترض أيضا الهدم والردم، تمهيدا لوضع ركائز دعائم البناء الثوري المنتظر، الذي تخيلته الذهنية التي وُلِدت فولَدت الثورة وتربت أثناءها.
أوقعتني مداورة هذه المسألة في حيرة. ففي سوريا يوجد أكثر من طرف يتحدث عن ثورة :
الدولة السورية تزعم أنها قامت بثورة على نفسها وعلى بنيتها، وأن هذه الثورة مستمرة، ولولاها لما كسبت ثقة نسبة كبيرة من السوريين، الذين اقتنعوا بتوصيفها لما تتعرض له بلادهم بأنها حرب استعمارية.
أما في أوساط المتمردين، الذين تجندوا بحسب تشخيص الدولة السورية في الجيش الذي أنشأته القوى الإستعمارية، فهناك على الأقل ثورتان :
1 ثورة إسلامية يقودها تنظيم القاعدة تحت اسم جبهة النصرة. وهذه الأخيرة، بحسب وسائل الإعلام هي الفصيل الأقوى عسكريا والأكثر عديدا. الغريب أن جميع الجهات التي تنشط لدعم حركة التمرد ضد الدولة السورية، تعلن براءتها من العلاقة بهذه الجبهة إذ من المعروف أن القوانين الأميركية، وربما الدولية، تحظر على الدول والمنظمات إقامة مثل هذه العلاقة، كون تنظيم القاعدة مدرج نظريا، على لائحة الإرهاب. هنا ينهض السؤال، من يمد جبهة النصرة بالرجال والعتاد والتموين؟ وما هي المعابر التي يسلكها ”الجهاديين”؟
2 هناك ثورة ثانية. يمثل ما يسمى بالجيش الحر ذراعها العسكري. وهذا الأخير يقوده عسكري منشق، اسمه إدريس. ظهر في البرلمان الأوروبي، ورافق السناتور الجمهوري الأميركي ماكين الذي زار المناطق السورية المحاذية للحدود التركية. المعروف أن الجناح السياسي لهذه الثورة هو الإئتلاف وفي داخله يوجد مجلس وطني، من المرجح أنه تشكل استجابة لنصائح الفرنسيين الذين ظنوا أن بإمكانهم تكرار التجربة الليبية، في سوريا!
مجمل القول، أن في سوريا، في آن واحد، ثلاث ثورات على أقل تقدير. من البديهي أن المجتمع لا يستطيع تحملها معا. لا غلو في القول أن تكاثر الثورات في المشهد السوري، بالقوة والعنف اللذين برزا بصورة صادمة، إنما يدل بالقطع على وجود حالة مرضية، أو ورم ثوري خبيث، إذا جاز التعبير! بناء عليه، سوف يكون على السوريين انتظار نتيجة صراع الثورات قبل ظهور، الدولة الجديدة من لدن الثورة التي تكون قد تمكنت من افتراس ضرائرها الثورات الأخرى. ولكن الأمل بأن لا يقتل الورم الثوري سوريا، لا يعفي من التساؤل، أية ثورة سوف تنتصر وأي تجديد سوف يحمل إلى السوريين؟؟


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)