الجزائر

ثمن حب الوطن؟!



ثمن حب الوطن؟!
“صديقتي العنابية، الأستاذة الجامعية المحاضرة، امرأة من الطراز الرفيع، علم، ثقافة، أخلاق وحب الوطن، بل وعشق للوطن.عاشت 30 سنة في الغربة بكندا، حققت وضعية اجتماعية رائعة، بيتا جميلا وفاخرا. نالت هذه المكافحة احترام الجميع، وعرض عليها أكثر من مرة أن تترأس البلدية ولكنها رفضت وفضلت التفرغ فقط للجامعة وتربية أولادها. بعدما تزوج أولادها الأربعة، باعت كل ما تملك وقالت “سأحقق حلمي بالعودة إلى وطني الغالي…”.وفعلا عادت واشترت شقة بعنابة الصيف الماضي وبدأت في التخطيط للعودة نهائيا.وفي شهر جويلية الماضي اعتدى عليها أربعة شبان لا يتعدى سنهم العشرين، سرقوا هاتفها وحقيبة يدها وخطفوا نظاراتها الشمسية وأبرحوها ضربا وشتموها أقذع الشتائم ونعتوها ب”الميڤرية”، أي المغتربة!!.هي الآن حبيسة الشقة منذ 3 أسابيع، أصبحت تخاف من ظلها.ومن حب الوطن ما يقتلنا أحيانا... اخ اخ اخ يا وطن!”. هذا المنشور نشرته صديقة لي على صفحتها في “الفايس بوك” واستأذنتها أن أنشره في مقال لي، لا أعرف صديقتها العنابية، لكنني أعرف جيدا صاحبة المنشور، وأثق في كلامها، وأعرف جيدا مدينة عنابة وكيف تحولت هذه المدينة من إحدى أجمل مدن البحر المتوسط، عمرانا وطبيعة، إلى مرتع للفساد واللصوصية، وكأن من تآمر على هذه المدينة الجميلة ليحول حياة سكانها إلى جحيم، جحيم لم يسلم منه حتى والي الولاية السابق الذي انفجر قلبه غيظا من الظلم الذي تعرض له من قبل بارونات وضعت يدها على العقار وعلى مصير المدينة، وحولتها إلى ورشة مفتوحة من البناءات الفوضوية، ولم تسلم حتى غاباتها من الإسمنت وتقاسمها مجموعة من الانتهازيين والوصوليين.أعود لهذه السيدة المسكينة التي دفعت مثلنا جميعا ثمن حبها وغيرتها على بلادها، فرغم ما حققته من نجاح في الغربة أين فتحت أمامها الفرصة لتحقيقه مثلما هي عادة البلدان التي تستقطب طاقات الأوطان الموعودة بالخراب، لم تشف من حب عنابة، ظنا منها أن جبال سرايدي ما زالت تقف بشموخ وكبرياء ولم يدنس ترابها وأشجار فلينها لصوص باسم شخصيات وطنية، وأن رمالها الذهبية ومياه شطآنها ما زالت صافية، مثل تلك الصورة التي تخزنها ذاكرتنا ونحن نسبح بفرح في مياه عين عشير وغيرها، ونلامس الأسماك الفضية، نمرح بكل اطمئنان، فلا أحد ينظر إلى ثيابنا، لا جلابيب ولا بوركيني ولا لحى تدنس زرقة البحر، ولا من يطالب بمصلى مدعيا الورع والتقوى لأنه لا يستطيع أن يصلي أمام فتيات يلبسن ثياب البحر.لم تعد عنابة تلك المدينة المضيافة، التي تتفاخر باحتضانها مصنع الحجار العظيم والذي جعل منها إحدى أغنى مدن الجزائر، لأنه وفر العيش الكريم لآلاف الأسر، لم تعد شوارعها المطلة على الشاطئ متنزهات لفتيات جميلات حالمات كل مساء في كل فصول السنة.احتل المكان لصوص بأسماء مختلفة وبفئات عمر مختلفة، وصرنا كلما عدنا إليها ويهزنا الشوق إلى نسيمها وإلى ذكريات جميلة هناك، نعود والقلب يعتصر ألما مما آلت إليه جوهرة البحر المتوسط. لكن ليست عنابة وحدها التي تعاني هذه الآفات، وليست وحدها التي تحولت شوارعها إلى مفرغات عمومية مفتوحة، فأغلب مدن الجزائر تدهورت بها الحياة، وصارت بها العيشة مستحيلة، وفي كل مرة تأتيها نكبة من مسؤولين يزيدون في هدم ما بقي قائما، وأكبر ما هدم هناك هو الإنسان، فلا يمر يوم إلا وتطالعنا الأخبار بجرائم مرعبة، قتل ونهب واعتداءات واغتصابات، وكأن الجزائر على شساعتها صارت ملجأ للأمراض العقلية، انحسر الإرهاب ولكن ابتلينا بما لا يقل أذى عن الإرهاب، وأصيب المجتمع في قيمه التي جعلته يواجه كل مخططات الاستعمار التدميرية، وها هو اليوم يدمر نفسه بنفسه بانتشار كل أنواع الفساد والمخدرات والجريمة المنظمة...صديقة صديقتي هذه يسقط مثلها كل يوم العشرات ضحايا بجزائر العزة والكرامة!




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)