الجزائر

توشية قسنطينة بين مستلزمات التنمية ومتطلّبات التراث



عاد مقترح هدم سجن الكدية الذي يعود للحقبة الاستعمارية بقسنطينة إلى الواجهة، مع الاستعدادات لتظاهرة “قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015”، حيث طالب عدد من أكاديميي ومثقفي ولاية قسنطينة خلال جلسة عمل بمقر الولاية بإزالته، ولم يروا في هذا المعلم التاريخي المصنّف كإرث تاريخي وطني منذ 1992، سوى كونه “كتلة حجرية ضخمة”.
هذا المطلب الذي تقدّمت به النخبة القسنطينية يطرح الكثير من الأسئلة، بالرغم من أنّ “أهل مكّة أدرى بشعابها” يثير الحيرة والكثير من الغرابة لما تعيشه “عاصمة الحواضر”، إذ يرى المطالبون بالهدم، أنّ السجن الذي بنته فرنسا عام 1876 يعيق عملية عصرنة المدينة وإعطائها وجها يتماشى مع متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، واقترحوا تشييد نصب تذكاري يروي معاناة الشعب الجزائري مع طغيان وقهر الاستعمار وأساليبه في دحر المقاومة ومحاربة دعاة الحرية.
أمّا الرافضون لهذا المقترح، فيرون أنّ المساس بهذا المعلم التاريخي تعدٍ على تاريخ الجزائر، حيث ارتبط هذا السجن بفترة مهمة من تاريخ الجزائر ولا يزال شاهدا على فظاعة المستعمر وهمجيته، كما يؤرّخ لقبوع عدد من رجالات الجزائر البواسل بين جدرانه الباردة على غرار الشيخ الحداد، أحمد رضا حوحو، زيان عاشور، مصطفى بن بولعيد وغيرهم كثر، وفي هذا السياق، سبق وأن قرّرت الحكومة الجزائرية غلق عدد من سجونها التاريخية وتحويلها إلى متاحف ولاسيما تلك التي يعود بناؤها إلى فترة الاستعمار الفرنسي، ومن بينها سجن الكدية.
لكن أليس جديرا بالفريقين البحث عن سبل التوفيق بين مستلزمات التنمية الاقتصادية ومتطلّبات حماية وحفظ التراث الثقافي، وكذا ترقية السياحة الثقافية، بعيدا عن المزايدات والمشاحنات العقيمة، التي ستحول حتما دون إعطاء مدينة العلم والعلماء وعاصمة الحواضر ما تستحقه من تقدير يترجم تميّزها بين المدن، في مناسبة استثنائية بثقل احتفالية عاصمة الثقافة العربية لا تتكرّر مرتين، وعلى الفريقين العمل على تثمين ما تحوزه عاصمة الشرق من كنوز حضارية وثقافية وحتى تاريخية قلّما اجتمعت في مدينة واحدة، خاصة إن كانت مدينة الصخر العتيق.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)