الجزائر

.. تهمتهم أنهم مواطنون صالحون



 لم تتعب بعد ثورة تونس. هدأت ولكنها لم تصب بالوهن. مطالبها يلخصها أبناءها في تفكيك هياكل نظام بن علي. فالرئيس وإن سقط لم يذهب معه صرح الفساد والتجاوزات.
لم تتعب ثورة تونس، لكنها أبدت من الغضب ما يكفي.. غضبت على العقيد القائد القدافي بسبب ما أبداه من أسى على سقوط زميله. ولأنها اكتشفت زور الثوار الذين رفعوا على مر العقود شعارات من ورق التوت . فالنسخة العربية لـ شي غيفارة أو هكذا يتمنى، أبدت ميولا لحياة الملوك، حياة أبدية على عرش لا يدوم.
ولم تكن حالة العقيد النسخة العربية الفريدة من نوعها. فهي نسخ متعددة يجمع بينها هاجس الغاشي . ويتساءلون في قمة شرم الشيخ حائرين ماذا يريد منا هؤلاء؟ 
كانت شرم الشيخ قمة أخرى  لـ شرخ الشيم . لم تستطع تجاوز كبرياء بشر، ليباركوا خيار شعب وفضلوا عليه بحث كيفية ضمان التزود بالخبز ، ليكتشف العالم وهو يتابع القمة الاقتصادية العربية، بأنه حتى أيام العواصف لا تركيز من أعضاء نادي الجامعة العربية إلا على البطن..
من الدراسات الغريبة والتي تم نشرها من مدة غير بعيدة، أن المواطن العربي يشتغل بمعدل 22 دقيقة في اليوم. قد تكون النتيجة مبالغ فيها، إلا أنها لا تفزعنا، لأننا قرأنا من قبل بأن نفس المواطن يقرأ 34 دقيقة في العام ولم يحدث شيء. تعاقبت القمم واستمرت النتائج الهزيلة.
والعلاقة بين العمل والقراءة (أي التفاعل بينهما) هو الذي ينتج الخبزة وليس العكس، أي أن القمم الاقتصادية هي سياسية. فاذا ظلت تبحث عن الخبز، فإنها لن تنتج رطلا من الفرينة، بل ستستمر في البحث عن الدولار لاستيراده.
ولو أن القمة استوعبت الدروس لأدركت بأن من بين الحلول العملية هو الانطلاق في الاستثمار بمشاريع حقيقية. لكن هي سياسة الافتراض تحملق في الشيء ولا تراه وعندما تدرك بأنه أمامها يكون الأوان قد فات. هكذا تعامل بن علي مع الهدوء السياسي ومع الازدهار الاقتصادي لمدة سنوات صنع مجدا من بخار.
ربما سيذكره التاريخ التونسي بأنه الرجل الذي فتحت أمامه أبواب السماء وأبواب  التوانسة يوم 7 نوفمبر ,1987 لكنه فضل القفز على السطوح منتهكا حرمات وثقة الناس فيه، فرّط في الأمانة من أجل  رغبة أو نزوة.
عادة ما يصور الكاريكاتوري أيوب الجزائر على أنها شركة مساهمين ويرمز للمسؤول   بذلك الوجه المختفي وصاحب البطن المنتفخة وسيجار كوبي، من رائحة فيدال الذي لم يكن وفيا لصديقه شي غيفارة .. هو رسم كاريكاتوري وصورة تنقل رؤية جزائريين عن جزائريين آخرين.
إن الاستمرار في تجاهل احتياجات مجتمع من غير الخبز والزيت، لم يعد قادرا على حجب الحقائق. والمطلوب هو التجاوب مع حاجيات ملحة. فالسلطة التي تحرك أداة الأمن لردع وتخويف النقابي أحمد بدوي على خلفية رسالة أس. آم. أس ترعبنا حقا، لأنها تبرز أنياب الاستعداد انتقاما ولو من رسالة.. (كيف وصلت الى محتواها؟)
فقد كانت تلك مهنتها قبل أكتوبر عندما كانت تصرف المال والجهد لتعقب حركات وأفكار وطنيين، ذنبهم أنهم يختلفون معها في الرأي. ضايقت، سجنت وشردت مواطنين، تحولوا بعد انتفاضة أكتوبر الى عناوين يقصدها النظام طلبا لخدمات تلميع الوجه.. لقد تم سجن العديد  منهم في أواسط الثمانينات، بتهمة المساس بقلب النظام والمساس بالوحدة الوطنية..الخ، لتعرض فيما بعد على بعضهم مناصب حكومية ويوجد منهم من اعتذر (مقران آيت العربي اعتذر عن قبول حقيبة الإعلام عام 1993) ومنهم من قبل لفترة (سعيد سعدي الذي دخل حزبه بحقيبتين،أو نايت جودي عن الأفافاس، قبل أن ينسحبوا والأمثلة عديدة لمناضلي الحريات من اليسار الى اليمين.
والسلطة التي ترفع المواطن الى سماء القداسة قبيل انتخابات، تنزل به الى رتبة القاصر عندما يتعلق الأمر بمطلب الحريات. هي قوية في استخدام الإكراه القسري وقليلة الحيلة عندما يتعلق الأمر بالإقناع وكسب رضا الآخر..
وإذا حكمت بالأمس بأداة محكمة أمن الدولة، فهي تستخدم اليوم قانون العقوبات كأداة سياسية وعطّلت الدستور بمرسوم.
إن من بين الدروس التي يمكن استخلاصها من ثورة التوانسة ، أن الشعب لم يغترب بفعل اقتصاد السياحة، بل زاد وعيه بالفارق المتزايد بين يومياته المتآكلة بفعل الروتين الذي أوجده القمع وتفشي الفساد وبين ما يراه عبر الفضائيات وشبكة الأنترنت. وإذا كان هناك من أياد خفية وجب قطعها أو تلاعبت بمشاعر الناخبين القصر أو مناورات خارجية، فإن المسؤولية ملقاة على التكنولوجيا التي أوجدت وعيا يقوم على المقارنة وإدراكا للفوارق.
والحل في هذه الحال يكون بقطع الأسباب وقطع روابط التواصل. فالتكنولوجيا أضحت في قلب السياسة. وهي لمواطني الجنوب بمثابة جهاز جي. بي. آس يرشدها الى عوالم أخرى حتى وإن لم تكن هذه العوالم كلها حقيقية..
فهل ستنتظر سنوات أخرى لتقر بأن من تعتبرهم اليوم يهددون الأمن والاستقرار ويدعون إلى العصيان المدني ما هم في الحقيقة إلا مواطنون صالحون؟   


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)