الجزائر

تمزج بين عبق الشرق الساحر ومظاهر الحضارة الغربية ''الخبر'' تستطلع سحر شنغهاي مدينة معابد بوذا والأقطاب الصناعية



 ما إن أتيحت لي الفرصة لزيارة شانغهاي بالصين بدأت الكثير من الأسئلة تتبادر إلى ذهني حول المعيشة في هذا البلد، وكيف سأتمكن من التجوال وأنا لا أتقن اللغة الصينية التي تعد بالنسبة لي وللكثيرين طلاسم لا يمكن فهمها، وأين سنجد الأكل المناسب، في بلد وصلتنا عنه صورة البلد الذي يأكل سكانه الأصليون كل ما يمشي على الأرض ما عدا السيارات، وكل ما في البحر ما عدا البواخر، وكل ما في السماء ما عدا الطائرات؟
 البداية كانت من مطار هواري بومدين الدولي بالعاصمة، في رحلة كنت أعرف، أنا والصحفيون الذين رافقوني، أنها ستكون طويلة وطويلة جدا، بدأت بأكثر من 5 ساعات للوصول إلى مطار الدوحة بقطر، ثم منه 9 ساعات أخرى للوصول إلى مدينة شانغهاي الواقعة في أقصى شرق الصين. ورغم طول الرحلة على متن طائرات الخطوط الجوية القطرية إلا أن الجميع كان متلهفا للوصول ونسينا تماما المسافة التي سنقطعها، والوقت الطويل الذي سنبقى فيه معلقين في السماء.
أقل من 10 دقائق للقيام بإجراءات شرطة الحدود
ما إن تطأ قدماك مطار شانغهاي الدولي حتى تسقط العديد من الأفكار المسبقة حول هذا البلد، الذي تصل عنه صورة بلد ديكتاتوري وعسكري، فبالرغم من أن هذه حقيقة، فإن الزائر لمدينة شانغهاي بالصين لا يحس بذلك تماما، لسهولة المرور على شرطة الحدود والابتسامة العريضة التي يقابلك بها رجال الشرطة وحتى أفراد الجيش المتواجدون في كل مكان كدلالة وحيدة عن النظام السائد في الصين، فإجراءات شرطة الحدود لن تتطلب من الزائر أكثر من 10 إلى 15 دقيقة، وهذا بفضل التنظيم الكبير الذي يميز الصينيين أثناء أداء عملهم، فلا يمكن أن ترى صينيا سواء شرطيا أو حتى عامل نظافة جالسا دون أن يقوم بشيء، فكل شيء بقانون وكل واحد يؤدي عمله كما يجب للمساهمة في السير الحسن للمطار.
أول شيء تصطدم به وأنت تدخل مدينة شانغهاي هو الجو الغريب السائد في المدينة، فإن كانت الحرارة في حدود 30 درجة إلا أن الرطوبة عالية جدا خاصة في الليل، ما يصعب كثيرا التنقل مشيا على الأقدام، خاصة وأن الأمطار يمكن أن تسقط بغزارة بصفة مفاجئة لتدوم معظم النهار، لكن جمال المدينة الجديدة أو القديمة يجعل المتجول فيها لا يعير اهتماما للأمطار ولا الرطوبة، ويتمتع فقط بالمناظر التي قل ما نشاهدها في العواصم الأوروبية
مدينتان في قلب مدينة واحدة
محطتنا الأولى كانت فندق سان ريجيس،المحاط بناطحات السحاب من كل مكان، فكثرة الأبراج سببت لي صداعا في الرأس وآلاما في الرقبة، وأنا في كل مرة أرفع رأسي لمشاهدة هذه البنايات الشاهقة. و لوهلة ظننت أن هذه هي مدينة شانغهاي لأكتشف بعد وقت قصير أننا متواجدون في المدينة الجديدة لشانغهاي، والتي تتركز فيها مختلف الإدارات والبنوك، في حين أن المدينة القديمة لشانغهاي لازالت قائمة بالبنايات التقليدية والأحياء الضيقة، ما يجعل الزائر منبهرا بين الأصالة والحداثة اللتين تعيشان جنبا إلى جنب في أحدث مدينة في الصين.
هذا الاختلاف يظهر خاصة في الليل، أين تتزين مختلف الأبراج بشاشات عملاقة تبث على مدار ساعات الليل ومضات إشهارية، تجعلك تحس وكأنك في فيلم يتحدث عن العالم في المستقبل، في حين تتزين المدينة القديمة هي كذلك بألوان خاصة تمثل الثقافة الصينية التي بالرغم من التطور بقيت راسخة لدى سكان المدينة.
الأكل أكبر معضلة
أول سؤال من الأسئلة التي كانت تتبادر لأذهاننا، ووجدنا له جوابا سريعا، متعلق بالأكل، فالعادات في شانغهاي تختلف كثيرا عنا فلا خبز ولا شطاطح ، وإنما أطباق محضرة بأشكال غريبة لم نتعود عليها، فتحولنا كلنا إلى البحث عن مكان يمكننا أن نجد فيه ضالتنا، وكم كانت سعادتنا كبيرة عندما وجدنا مطعما إيطاليا يحضر البيتزا التي ظهرت لنا في تلك الأثناء كأنها أحسن طبق في العالم، بالرغم من أننا في الجزائر نذهب إليها من أجل سد جوع ظرفي.
  بوذا دائما في القلب رغم التطور التكنولوجي
ومن بين أهم مظاهر تمسك الصينيين بالديانة البوذية، فالمدينة القديمة لازالت تعج بعدد من المعابد، التي تحولت كذلك لمتاحف يزورها السياح، وفي نفس الوقت يزورها معتنقو الديانة البوذية لأداء مناسكهم والتقرب من إلههم بوذا. وقد لفت انتباهنا أثناء زيارة أحد المعابد أن المتعبدين في الأغلبية ليسوا صينيين وإنما أوروبيون، وحتى آسيويون قادمون من بلدان أخرى يغتنمون فرصة تواجدهم في المدينة للتقرب من بوذا. وما يجذب الداخل إلى معبد بوذا هو طيبة رهبان المعبد الذين يستقبلونك بابتسامة عريضة. هذا المعبد الذي يسهر عليه مجموعة من الرهبان الذين يتجاوبون مع الزوار، خاصة من غير المعتنقين للديانة البوذية، من أجل تقديم أي شروحات يريدونها، وهي الفرصة التي أتيحت لنا من أجل التعرف على بعض خبايا الديانة البوذية المصورة في عدد من التماثيل الموضوعة هنا وهناك لبوذا وابنه وكذا زوجاته، وهي التماثيل التي لازالت تتلقى الهدايا والأكل من معتنقي الديانة للتقرب منها، كما خصص جناح في المعبد لبيع التماثيل الصغيرة والبطاقات، وحتى الجواهر التي تذكر ببوذا وديانته.
المعالم السياحية في كل مكان
بالإضافة إلى المعابد التي تحولت إلى معالم سياحية، فإن شانغهاي تزخر بالعديد من المعالم السياحية، ومنها برج ناطح للسحاب شبيه ببرج الكويت المكون من قبتين، الواحدة أصغر من الأخرى، والذي يمكنك عند الصعود إلى قمته مشاهدة المدينة بأكملها، وكأنك في طائرة، كما أن أرضية القبتين والمخصصة للوقوف عليها مصنوعة من الزجاج الشفاف، لتشعر وكأنك محلق في الهواء لإعطاء القاصد لهذا البرج الإحساس بالتحليق. كما يوجد في المدينة ثاني أطول برج في العالم حسب مرشدتنا الفرنسية، التي أكدت أنها عند وصولها إلى المدينة منذ أربع سنوات انبهرت بها، حيث جاءت لفترة محددة إلا أنها بقيت، بعد تعلقها بجمال المدينة.
أين اختفى 5, 1 مليار صيني
خروجنا من معبد بوذا كان نحو شوارع وأزقة المدينة القديمة لشنغهاي، وما لفت انتباهنا هو العدد القليل من المتجولين في الشوارع باستثناء السياح، فالصينيون الذين كنا ننتظر أن نجد الشوارع تعج بهم، خاصة وأنهم يتجاوزون 5,1 مليار نسمة، أكثر من 23 مليون منهم يعيشون في شانغهاي، التي تعد أول مدينة صينية من حيث عدد السكان، إلا أنك لا ترى منهم إلا القليل، ما يؤكد مدى التنظيم الذي وصل إليه الصينيون، الذين لا يغادرون أماكن عملهم طيلة النهار، عكس الجزائر العاصمة التي لا يمكنك السير فيها في كامل أيام الأسبوع، وفي أي وقت نظرا للكثافة السكانية، والعدد الكبير من السيارات التي تجوب الشوارع طيلة اليوم. فالصينيين لا تراهم إلا في بداية السهرة، أين يخرجون لقضاء حاجياتهم ليعودوا للاختفاء بنفس السرعة التي ظهروا بها، فاسحين المجال للسياح الذين يغزون شانغهاي، كما أن الزائر لشنغهاي من الجزائريين يتأكد أن مشكل الزحام في الطرقات مشكل تنظيم، حيث أن كل المدينة مدعمة بكافة التسهيلات التكنولوجية الحديثة، فالكثير من الإشارات المرورية تجد فوقها لوحة الكترونية متصلة بقمر صناعي لإيضاح مدى ازدحام الشوارع عن طريق الألوان، فمثلا اللون الأخضر يعني أن الطريق غير مزدحم على نقيض اللون الأحمر، فترشد السائق إلى الطريق الأسهل ليسلكه، ويساعد التزام السائقين الشديد بالقواعد المرورية في تقليل حدة الزحام.
مدينة شانغاي في محصلتها تجمع بين روحيات الشرق بمعابد بوذا بالخصوص، وماديات الغرب ممثلة في المصانع ومعاهد البحث التي تحوي آخر تكنولوجيات الأقطاب الصناعية، وكانعكاس لذلك المظهر الفريد من نوعه ابتكار شركة صينية في شانغهاي لأكبر حافلة في العالم طولها 25 مترا ومجهزة بـ 5 أبواب مع 40 كرسي، وتستطيع نقل 300 راكب، وهي موجودة حاليا فقط في شانغاي.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)