الجزائر

"تسريد المقاومة الفلسطينية".. أدب مفصلي في المنجز العربي



استعرضت الدكتورة انشراح سعدي، أوّل أمس الأحد، تحولات الكتابة عن فلسطين في الرواية العربية. وبدأتها من الرواية الفلسطينية انطلاقا بعمل اميل حبيبي، الذي نشر متسلسلا في جريدة "الاتحاد" بعد سنة من الاحتلال الصهيوني لفلسطين. وتناول فيه يوميات البطل سعيد تحت وطأة الاحتلال الغاشم، ورواية "العائد إلى حيفا" لغسان كنفاني، الذي تناول فيها قصة سعيد، الذي عاد بعد عشرين سنة على الاحتلال، وهما نصان روائيان أرّخا للاعتداء والاحتلال.أشارتالدكتورةفيندوة "تسريد المقاومة الفلسطينية في الرواية العربية" التي احتضنها "فضاء غزة" بصالون الجزائر الدولي للكتاب، إلى أن هذه المرحلة الأولى اتسمت بالتأريخ للعدوان، في حين جاءت نصوص سحر خليفة بعد تبلور الوعي، ونشوء المقاومة، فروايتها "باب الساحة"؛ حيث صورت تمكّن الانتفاضة من هدم بوابة الساحة التي أقامها الاحتلال، لكنها صورت الجمود الفكري عند الفرد الفلسطيني، الذي لم يتحرر من ربق أفكاره الرجعية حين يتعلق الأمر بالمرأة. ورفعت سحر خليفة سقف النقد في عملها "ربيع حار"، بينما صوّرت التواطؤ الفلسطيني - الصهيوني من أجل تهريب السلاح في رواية "أصل وفصل".
كما تناولت المتدخلة عمل أدهم الشرقاوي "نطفة"، الذي يصور حالة الخوف من الإبادة، فحاول البطل المسجون أن يهرّب نطفة لتحمل زوجته، على أمل بقاء النسل. وفيها إشارة إلى محاولة الإبادة، التي يسعى الصهاينة لتفعيلها، والطرق التي يفكر فيها الفلسطيني؛ من أجل مد جذوره في هذه الأرض التي لا يقبل أن تكون إلا له.
أما في الرواية الجزائرية فتوقفت الدكتورة سعدي عند "سوناتا لأشباح القدس" لواسيني الأعرج، و3الصدمة" لياسمينة خضرا، التي اعتمد فيها الأول على التخييل، والتاريخ، والذاكرة، وعرض فيها رغبة اليهود بعد قرار إهداء فلسطين لهم، في العيش بسلام مع أهل الأرض الأصلية والمواساة، صور التهجير والتعنيف الذي لاقته البطلة "مي" مع أهلها في فلسطين؛ ما اضطرها للعيش في المنافي بأمريكا، لتقتات على الذاكرة، وتوصي بأن تُدفن في القدس.
وهي أمنية صعبة المنال، تطلّبت من ابنها أن يُدخلها القدس ولو في قارورة بعد حرقها، وهذا ما حدث، فيما صوّر ياسمينة خضرا الصدمة وبأر عرب إسرائيل من خلال الدكتور أيمن، الذي يعيش في إسرائيل، ويتفاجأ بأن زوجته سهام نفذت هجوما تفجيريا وماتت، ليطرح الروائي من خلاله، تساؤلات عن مدى رضا عرب إسرائيل عن وضعهم، وكيف يمكن الإنسان أن يفجر نفسه مقابل معتقد يعتقده، وقالت: "كلاهما اعتمد على الخيال لإيصال إيديولجية تخدمه".
وفي التونسية تحدثت المحاضرة عن رواية التونسية حفيظة قارة "بيبان العراء"، وقالت إنها وُفقت في تصوير صورة الفلسطيني في الرواية؛ لكونها انطلقت من تاريخ مشترك؛ تهجير الفلسطينيين من لبنان، وحادثة حمّام الشط سنة 1985؛ حيث أعطت معادلات موضوعيا ومنطقيا، تمكنت من خلالها من أن تجعل القارئ يقتنع بالأصوات المتنوعة في العمل وإن كان السرد ذاتية، تقاسمته دجلة العامري التونسية المصابة بسرطان الثدي، وغسان سلمان الفلسطيني المهجَّر إلى تونس.
ووقفت الأستاذة عند نصوص أخرى، هي "شرق النخيل" للمصري بهاء طاهر، الذي كتب نصا بوليفونيا، أعطى فيه الحرية لكل الأصوات التي هدّمت صورة الفلسطيني البطل، ووضعته في مواجهات مع حقيقة نظرية المؤامرة، وتراخي كل من العرب والفلسطينيين إزاء القضية الفلسطينية، كتبها بهاء طاهر بدعاء وبوعي كبيرين.
ومن جهتها، أكدت الدكتورة أمنة يعلى، أن من الصعب الإلمام بكل ما كُتب عن المقاومة الفلسطينية منذ النكبة الأولى في 1948. وأضافت أن المتأمل في تاريخ المقاومة من ذلك الحين مرورا بحرب حزيران وما تخلله من محارق في فلسطين إلى حرب 1973 وغيرها من المجازر، يكتشف أن المثقفين والأدباء الفلسطينيين كانوا يعيشون المقاومة ويمارسونها كغسان كنفاني.
وأضافت أن المقاومة كقضية، ظلت أكبر من النصوص التي يكتبها الروائيون، أو متساوية مع النص، أو أن النص يفوق القضية. وعندما يصبح النص أكبر من القضية يصبح "التسريد"، وقالت إن تسريد القضية وتمثيلها نصيا بقي مؤجلا إلى غاية ثمانينيات القرن الماضي، فبدأ الحديث عن المقاومة، وتسجيل تاريخها. وكان على الأدباء استيعاب ما وقع كي يعيدوا تمثيله في كتاباتهم. وظهر أدب المقاومة سواء في الشعر أو الرواية، وهو أدب مفصلي مهم في المنجز العربي.
وقدّمت الروائية عائشة بنور نبذة عن روايتها "نساء في الجحيم" المهداة إلى الذين عطّروا الأرض بدمائهم في الجزائر وفلسطين.. دلال المغربي، مريم بوعتورة، غسان كنفاني، شادية أبو غزالة، ناجي العلي… وكل شهداء الحرية، مشيرة إلى أنّها تختزل واقع المرأة الفلسطينية ومسيرتها النضالية عبر التاريخ، وتشبثها بالأرض رغم التهجير والقمع؛ حيث يتم طرح هذه القضية من خلال سرد ذكريات مجموعة من الفلسطينيات، ومنهن الأسيرات في السجون.
وأشارت الروائية إلى وجود صلة وجدانية بين الجزائر وفلسطين، فالتاريخ لا ينسى ما عاناه الشعب الجزائري من وحشية الاستعمار الفرنسي. والقاسم المشترك بين الشعبين هو المعاناة، وعدم التفريط في الأرض. وبطبيعة الحال، قضية فلسطين لا جدال فيها، القضية الفلسطينية هي القضية الأم مهما كان، ولن تُغير القوانين الدولية ذلك.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)