الجزائر

تحملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة



تحملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة
الشيخ أبو إسماعيل خليفةإن النسيم لا يهب عليلا داخل البيوت على الدوام فقد يتعكّر الجو وتثور الزوابع بين الزوجين وإن ارتقاب الراحة نوع وهم ومن العقل توطين النفوس على قبول بعض المناقشات.فمن يتتبع جاهداً كل عثرة يجدها ولا يسلم له الدهر صاحبوإليكم هذه القصة التي ذكرها الشيخ سليمان بن محمد البجيرمي الفقيه الشافعي في حاشيته على شرح المنهج( (3/ 441-442) كما ذكرها أيضا أبو الليث السمرقندي الفقيه الحنفي في كتابه تنبيه الغافلين (ص: 517) وكذا ابن حجر الهيتمي في الزواجر (2/80) ولم يذكر واحد منهم إسنادها وأذكرها فقط ليعلم الجميع أنه لا بد من قبول بعض المضايقات والمناقشات داخل البيت وبين الزوجين خاصة..فلقد روي أن رجلا جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو إليه خُلق زوجته فوقف ببابه ينتظره فسمع امرأته تستطيل عليه بلسانها وهو ساكت لا يرد عليها.فانصرف الرجل قائلا: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فكيف حالي؟.فخرج عمر فرآه موليًا فناداه: ما حاجتك يا أخي؟.فقال: يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك خُلق زوجتي واستطالتها علي فسمعتُ زوجتك كذلك فرجعتُ وقلتُ: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟فقال عمر: تحمّلتها لحقوق لها علي فإنها طباخة لطعامي خبازة لخبزي غسالة لثيابي مرضعة لولدي وليس ذلك بواجب عليها وسكن قلبي بها عن الحرام فأنا أتحملها لذلك.فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي.قال: فتحملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة. اهأيها الكرام: إنّنا نعلَم جميعًا أنّ الكمَالَ عزيز وأنّ الاختلافَ من طَبيعة البشَر وأنّ الزوجين لا يمكِن أن يكونا نسخةً لبعضهما في الطبائع والأخلاقِ والرَّغَبات والتّفكير فيكفي من المفارَقات أنهما ذَكرٌ وأنثى كما أنهما لا يعيشان منعَزِلين بل في داخِلِ مجتمَع له متطلّباته وتأثيراته..وخاصة ونحن نعيش في مجتمع كثر فيه الحسّاد والوشاة الذين ينكّسون الطّباع ويعكسون الأوضاع ويصيرون أسباب المودة والالتئام عللا للتباغض والانقسام وليس ببعيد أن يكون لأهل الزوجين مواقف ظاهرة تبدو سببا مباشرا في كثير من الخلافات وكثير من مثل هذه التدخلات في الحياة الزوجية لهي مكمن الخطر لدى كثير من الأسر والله نسأل العافية والمعافاة..لِذا فقد تهبّ عواصف الخِلاف على بعض الأسَر ويختَلف الزوجان لكن عليهما ألا تكون نظرتهما قاصِرَة للحياة الزوجيّة وعدمُ إدراكهما الصحيح لمقاصِدِ النكاحِ الشرعيّة السامية التي من أهمِّها حصولُ الإعفافِ للزوجَين والسّكن الفطريُّ لبعضهما وإقامةُ البيت المسلِم والتعاوُن على البرِّ والتقوى وتربيةُ الذرّيّة الصالحة التي تعبُد الله وتطيعه فإذا استحضَر الزوجان هذه المعانيَ فلم يلتفتا إلى القشورِ أو القصور ولو حصَل خطأ دنيويّ قدَّراه قدره وتذكّرا قولَ الله عز وجل: (وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ). البقرة:237 حتى ولو كان نَقصًا في أحدِ الزوجين فإنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: لا يفرُك مؤمن مؤمنة إن كرِه منها خُلُقا رضيَ منها آخر. رواه مسلم. وليتذكرا قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنّ إبليسَ يضَع عرشَه على الماء فيبعَث سراياه فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً. يجيء أحدُهم فيقول: فعلتُ كذا وكَذا فيقول: ما صنعتَ شيئًا ثمّ يجيء أحدُهم فيقول: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأتِه قال: فيدنيه منه ويقول: نِعمَ أنتَ. رواه مسلم.فإذا كان هذا شأنَ إبليس الرجيمِ فإنّ أتباعَه من المفسدين قد حَرصوا على هدمِ هذا الكيان وتفكيكِ أواصرِ المجتمَع وروابطِه عن طريقِ تفكِيكِ الأسَر ولا حول ولا قوة إلا بالله..الزواج مودَّة ورحمة بين الزوجين يركن كلُّ واحد منهما للآخر ويكمل كلُّ واحد منهما نقْصَ الآخرِ فعلى كلّ من الزوجين مسؤولياتُه الخاصة. ومن الطبيعي اختلافُ وجهات النظر بين الزوجين في بعض القضايا كالاختلاف مع سائر الناس في وجهات النظر.وقد قيل:وَمَنْ ذَا الَّذِي تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا *** كَفَى المَرْءَ نُبْلاً أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهْفالسعادة الزوجية ليست منحة يحصل عليها البعض بالحظ ويحرم منها الآخرون بالصدفة وإنما هي جهود متواصلة يبذلها الزوجان عن سابق تصميم وإصرار حتى تعطي ثمارها..اللهم يا رب أَدِمْ التآلف بين كل الأزواج ووفّقهم لِما فيه مرضاتك واجعلْ بيوتنا مليئةً بالمودةِ والرحمة وبارك لنَا فِي الذريةِ ونشِّئْهُم علَى نهجِ خيرِ البرية صلى الله عليه وسلم وقهم حسد الحاسدين وشر المفسدين وأصلح أحوال المسلمين أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)