الجزائر

.. بين المطرقة والسندان



.. بين المطرقة والسندان
تعتبر السرقة الفكرية بالمفهوم العام اقتباس أو نقل منتوج سواء كان هذا المنتوج علميا، إعلاميا، أدبيا، ثقافيا أو غير ذلك، من شخص إلى آخر بدون ذكر صاحب الملكية أو المنتوج. وأصبحت السرقة العلمية بصفة عامة ممارسة يومية عادية، خاصة مع توفّر وسائل التكنولوجيا الحديثة، وهي ظاهرة عالمية لا تقتصر على الجزائر فقط وإنّما منتشرة في كلّ دول العالم منذ القدم، وتخص السرقة الفكرية عدّة مجالات منها العلمية، الأدبية، الإعلامية وغيرها.إذا تحدّثنا عن السرقة الأدبية أو الثقافية، فإنّ الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة «أوندا» يعمل على حماية كل منتوج يُقدًم على مستواه سواء كتابات أدبية، سيناريوهات، أشعار، أغان وغير ذلك. أما إذا تحدثنا عن السرقة العلمية أو ما يسمى باللغة الفرنسية «البلاجيا» في التعليم العالي، فهناك بعض السرقات ولا تكاد تذكر مقارنة بما يحدث في العالم، في حين سارع القطاع إلى وضع قرار يحدّد القواعد المتعلّقة بالوقاية من السرقة العلمية ومكافحتها، ويقترح جملة من التدابير التي من شأنها المساهمة في محاربة هذه الظاهرة، منها الأحكام الواردة في القانون الأساسي للباحث وتنصيب مجلس أخلاقيات المهنة الجامعية وآدابها وتنصيب خلايا تابعة لهذا المجلس على مستوى كلّ المؤسسات الجامعية لتفعيل أداء هذا المجلس، إلى جانب ميثاق الأطروحة الذي تم إصداره العام الماضي ليحدد واجبات وحقوق الطلبة المسجلين في الدكتوراه، فيما تبقى السرقة الفكرية من الناحية الإعلامية أكبر ضحية خاصة من الناحية القانونية، حيث لا توجد وسائل للمراقبة..»المساء» اتصلت ببعض المختصين في مجالات مختلفة وكانت هذه الآراء حول السرقة الفكرية.محمد نمامشة (عميد جامعة 08 ماي 45 بقالمة): لابدّ من التكوين المستمر للمحافظة على المنتوج العلمييقول محمد نمامشة بأنّ السرقة العلمية أو ما يسمى بالفرنسية «البلاجيا» ليست ظاهرة تخصّ الجزائر فقط، وإنّما ظاهرة منتشرة في كل بلدان العالم، ولكن توسّعت هذه الظاهرة مع توسع المعلومة، والوصول إليها أصبح سهلا عبر النت في الوقت الذي أصبح تدفّق المعلومة غزيرا جدا، بالتالي خُلقت تسهيلات للوصول إلى المعلومة العلمية، لكن استغلت في بعض الأحيان خارج أطرها القانونية عندما يُؤخذ المحتوى من الغير ويُنتسب إلى الآخر، خاصة والعلوم تتواصل وليس هناك انقطاع في مجال البحوث، بحيث في كل سنة هناك إضافات تساهم في الموضوع أو في البحث العلمي.يشجّع عميد جامعة قالمة الاستمرارية في القيام بالبحث العلمي، لكن بذكر الأشخاص الذين قاموا بهذا العمل، بحيث يعتبر الإجراء أمرا عاديا، ويوضح المتحدث أن الجزائر سعت خلال ال5 سنوات الأخيرة إلى ميثاق أخلاقيات المهنة الجامعية، وهو بمثابة عقد التزام معنوي لكلّ أفراد الأسرة الجامعية باحترام بعض القواعد العامة، منها التعايش السلمي الجامعي، لغة الحوار التي تكون سائدة في الجامعة، واجبات وحقوق كل أفراد الأسرة الجامعية من أساتذة وطلبة وغير ذلك، وتتطرّق فيها بما يخص السرقة العلمية التي ينص عليها الميثاق، حيث صدر في هذه السنة 2016 قرار وزاري حول أخلاقيات المهنة الجامعية خاص بالسرقة العلمية، وتمّ تنصيب في كلّ جامعة خلية تسمى «خلية أخلاقيات المهنة الجامعية» التي تنظر في قضايا السرقات العلمية وتصنّف ما هو سرقة وما هو اقتباس.هذه اللجنة تتكوّن من أساتذة من درجة عليا وخبراء في التعليم العالي ومن أقدم الأساتذة في الجامعة الجزائرية، وجاءت هذه الخلية بهدف تدعيم النص القانوني للقرار الوزاري الذي صدر في جويلية 2016، حيث تطرّق إلى جانب هام وهو السرقة العلمية وكذا جانب الاحتياط والوقاية، ويضيف أنه قبل تجريم الطلبة والباحثين في السرقة يجب تكوينهم أولا لاجتنابهم من هذه الظاهرة.كما يجب ذكر صاحب الموضوع وكذا ذكر المراجع التي أُخذت منها المعلومة، في المقابل يوجد جانب عقابي، حيث تُصنًف العقوبة حسب القانون العام للوظيف العمومي والتي تبدأ من الدرجة الأولى إلى الدرجة الرابعة. يشير محمد نمامشة إلى أنّ الجانب الوقائي يتضمّن شقين اثنين، وهما التعريف بكيفية الحفاظ على الملكية الفكرية وكذا الجانب العقابي، مؤكّدا أن ما يجب حفظه هو الاختراعات التي تدخل في مسار آخر. وذكر المعهد الوطني بالعاصمة الذي يقوم بحماية الملكية الفكرية، وفي هذا الإطار يتأسف عميد الجامعة عن نقص ثقافة حماية الملكية العلمية حتى في مخابر البحث، خاصة وقد وُضع بند لحماية الابتكار للتشجيع على مواصلة الاختراع والابتكار، كاشفا أنّ في بلادنا توجد منتوجات علمية كثيرة في المجال العلمي لكن الابتكار ناقص، وفي ذلك يصرّ المسؤول على التكوين المستمر، خاصة للطلبة الجامعيين والباحثين. وفيما يخص تقييم نسبة السرقة العلمية، قال محدثنا بأنّ هناك برمجية يقيّم هذه النسبة، كما أن الجانب الذي ينص عليه القرار الوزاري الأخير هو اقتناء البرمجية للتحقيق، وهو من بين الإجراءات التي سوف تُطبًق قريبا.عبد الوهاب بوذراع (صحفي بوكالة الأنباء الجزائرية من قالمة): الإعلام هو أكبر ضحيةيقول عبد الوهاب بوذراع بأنّ السرقة الفكرية من الناحية الإعلامية تكون أسهل مقارنة بالنشاطات الأخرى، مثل العلمية أو الأدبية أو الثقافية، لأنّ الإعلامي حسبه عندما يكتب مقاله أو ينجز أيّ عمل سمعي بصري، فهو لا يسجّل ذلك في ديوان حقوق المؤلف، خاصة مع توفّر وسائل التكنولوجيا الحديثة، وبذلك يصبح حتى ولو كان بعيدا عن الحقل الإعلامي بإمكانه اقتباس أي عنوان في المقال الذي يرغب كتابته التي هي مجهودات لإعلاميين آخرين، بحيث يقوم بعملية جراحية بسيطة، بتغيير بعض الجمل من المقال على أنه إنتاج خاص به.يشير المتحدث إلى أنّ السرقة العلمية معروفة منذ القدم، إلاّ أنّه من الناحية القانونية لا توجد وسائل للمراقبة ولا توجد بدائل ناجعة لأخذ المقال ونسبه إلى مصدره، بالتالي من الصعب أن تكون مراقبة مشدّدة للسرقة الفكرية فيما يخصّ الإعلام مقارنة بأيّ نشاط آخر. مضيفا أنّ السرقة العلمية أصبحت بصفة عامة ممارسة يومية عادية، مما ينقص من قيمة بعض المقالات القيمة التي أنجزها إعلامي صحفي، خاصة أنّه في بعض النشاطات الإعلامية، الصحفي لا يستطيع كتابة مقال بذلك الحجم وبتلك الرزانة سواء في اللغة أو في البناء الإعلامي، إلا إذا كان متخصّصا في ذلك المجال، وكما يقال «الأدب يصنعه المبدع ويقتله المقلد».يوضّح المتحدّث أنّه في الصحافة السرقة العلمية تنقص من قيمتها بشكل فظيع وندخل في ما يسمى بالرتابة في الإعلام، وما يسمى بالقوالب الجاهزة في الإعلام، والتي أصبحت منتشرة بشكل كبير. وهناك نماذج إعلامية تطغى على كلّ الكتابات الصحفية ولا تجد بصمة للصحافي في المقال، لأنّه بصفة موجزة يلجأ بعض الصحفيين إلى هذه السهولة، لأنّ العمل الصحفي مربوط ببعض العوامل وهي الآنية، الوقت القصير، القلق الذي يعيشه الصحفي وغير ذلك.يتأسّف بودراع عن عدم وجود مؤسّسة لحماية حقوق المؤلف الإعلامي، بالرغم من وجود برمجية تعطي نسبة السرقة الموجودة فيها حتى يكون لصاحب المقال الحق في ذلك، والصحيفة بحد ذاتها تكون مسجلة، وهو ما ليس موجودا في الوقت الحالي، مثلما هو الشأن بالنسبة لديوان حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، فيما هناك مؤسسات إعلامية تسجل نفسها في حقوق المؤلف.أما فيما يخصّ الاتفاقية التجارية المبرمة بين وكالة الأنباء الجزائرية والمؤسسة الإعلامية، فيقول المتحدث بأنها تقضي في بعض بنودها بأن تلتزم المؤسسة الإعلامية بالمحافظة على المقال ونسبه إلى مصدره وأصله، أو على الأقل إشارة إلى أنه مستمد من مقاله بوكالة الأنباء الجزائرية، وهذا ما لا نجده في الواقع. كما أن هناك بعض المواقع الإعلامية تقوم علنا جهارا بالاستيلاء على بعض المقالات وتنسبها إليها، وهو نفس الشيء بالنسبة لبعض الصحف، وهذا بخلاف المؤلف في الأدب كالشعر، كتابة السيناريو، الأغاني وغيرها، لكن في العمل الصحفي الوضع يختلف تماما ويبدو صعبا نوعا ما، والإعلام بصفة عامة أكبر ضحية في السرقة الملكية.دنيا الجزائرية (فنانة): لا بد من تأسيس نقابات تسهر على احترام أخلاقيات المهنةتقول الفنانة دنيا أنّ السرقات الفكرية هي اغتصاب النتاج العقلي أيا كان أدبيا، علميا، أو ثقافيا ونشره دون الإشارة للمصدر، وتخص عدة مجالات إبداعية كالمجال الأدبي من شعر ونثر، والمجال العلمي كالبحوث المنهجية، والمجال العام والثقافي، فيما يخص الكتابة في مختلف القضايا سواء كتابة أشعار، سيناريوهات، كلمات الأغاني وغيرها. كما تتفرع السرقة الفكرية في درجة خطورتها إلى أنواع، ولهذا تعتبر جريمة وأصبحت ظاهرة عادية.وتواصل المتحدّثة أنّه من الغريب أن يوجد مثل هذا الداء في مجتمع ثقافي دون أن يحمل أهل الثقافة والفكر علاجه، وهو كارثة أخرى تضاف إلى الكوارث مع السلبية القاتلة تجاه هذه القضية، فبغض النظر عن المعالجة القانونية للسرقات الفكرية لا يوجد للمثقفين والكُتًاب موقف عام وجامع للتصدي لهذه الظاهرة.وعندنا في الجزائر رغم خطورة هذا الفعل من حيث جعبة القوانين التي تدين وتعاقب السارق، إلا أن الساحة الفنية في السنوات الماضية لم تفقه لثقافة حماية الملكية الفكرية الغنائية، ورغم الأشواط المحمودة التي قطعتها في بلادنا من حيث التحسيس والتطوير وسن القوانين الجديدة التي تحصِن هذه الملكية، غير أنّ ثقل الإجراءات وأعباءها تشكّل عائقا للمتضررين الذين غالبا ما يصطدمون بهاجس الذهنيات، ويبقى دافع الربح والنجومية سيد الميدان على حساب الضمائر.تؤكّد دنيا أنّه لمحاربة هذه الظاهرة لا بد من تأطير الفنانين عبر الهيئات المختصة بهدف وقايتهم وتفعيل القوانين المنصوصة وتطبيقها بصرامة وجدية، وكل هذا يشترط تغيير الذهنيات، وهذا ليس بالأمر الهين في يومنا هذا، خاصة في مجال الموسيقي والثقافة على العموم، فهذان المجالان ورغم أهميتهما في بناء المجتمعات لم يحضيا بعد بالاهتمام الجاد.من جانب آخر، يستدعي الأمر اليوم تأسيس نقابات قوية تسهر على حقوق الفنان واحترام أخلاقيات المهنة في هذا المجال.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)