الجزائر - A la une

بين السنة وأهل السنة
إن المسلم الذي يبحث عن نهج في الحياة غير سنة الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- إنما هو يضرب في دروب الضلال والتيه، ولن يصل إلى شيء.. وسنة رسول الله هي الحكمة التي أنزلت القرآن منازل الفعل في حياة الناس، ولن يكون منطقيا أبدا أن يكون المسلم مسلما إن هو اعترض على سنة الرسول وابتدع سلوكا جديدا واعتقد أنه هو الأصوب..بهذا المعنى القاعدي والتأسيسي نؤكد أن هناك ما ينبغي عدم تجاوزه في التعريف بالمسلم، هو الذي لا يرى في أي منهج سوى الإسلام كتاب الله وسنة رسوله منهجا.. وأن حدوث أي خلل لديه في هذا المعنى الكبير يقاس بحجمه.. وهو اختراق للضلال والجهل والتيه.ولكن هذا المعنى لا ينحبس في إفهام فئة من الناس ولا في إفهام جيل من الأجيال إنما هو واسع وسع الرسالة ووسع الكون والحياة وامتداد الزمن. المهم فيه أن يكون محافظا على قواعده التأسيسية، الأول فيها على الإطلاق أن الآيات منزلة من عند الله العزيز الحكيم وأنها قطعية فيثبوتها ولكن معظمها ظني الدلالة وذلك لأنها ترافق الحياة البشرية حتى انتهاء الحياة على الكرة الأرضية. وهي في هذا لن تكون محكمة المعنى قطعية الدلالة بل هي متجددة على المعاني والحياة لا تنقضي عجائبها.. وسنة الرسول- صلى الله عليه وسلم- ليست كما تم توصيفها فيكتب السابقين الذين كانوا قريبي عهد من العصر الأول.. إنها ليست فقط تقريرا وقولا وعملا.. فهذا التوصيف للمكونات وليس للسنة.. إنما السنة هي أين كان القول وأين كان العمل وأين كان التقرير وفي أي المناسبات والظروف والأمكنة.. لأن ما هو سنة في هذا المكان والزمان والظرف لن يكون سنة إن اختلف الزمان والمكان والظرف.. ومن قراءة الظواهر المحيطة بحدث السنة وووضعها في سياق ناظم نكتشف السمات العامة للسنة النبوية والمنهج النبوي. فآيات القرآن هي الثابت والسنة النبوية هي الناقل المتحرك ومن الثابت والمتحرك تصبح ديناميكية الإسلام قادرة بلا شك على التجدد وإعطاء الإجابات المتعددة والمتطورة حسب الظرف والملابسات الخاصة.. وهذه الديناميكية أصيلة في الإسلام وهي منسجمة تماما مع حركة الكون وقوانين الله في الحياة والأشياء..إذن فسنة الرسول- صلى الله عليه وسلم- أوسع من ذلك التضييق الذي يحاوله بعض المتحمسين الذين يخطفون ورقة من الكتاب الكبير ويهربون بها ويتشبثون بحروفها وشكلها دون الكتاب كله.. إنهم حينذاك يغطون على ضرورة البحث عن أهمية ما في الكتاب.. السنة النبوية هيمنهاج التعامل في الحياة بكل مناشطها بثقافة وسلوك ملتزم بالنواميس والقوانين التي أرسى معالمها سيدنا محمد بن عبد الله على عين الوحي وبتوجيهات مباشرة من الله العليم الخبير.. وإن أي اختصار للسنة النبوية إنما هو تماما يشبه من حاول إدخال عناصر من عنده عليها.. وفيالحالتين نحن نعاني من الجهل والتخلي عن سنة رسول الله,ولسوء حظ الأمة أن انبرى نفر من محدودي النظر وخاملي التفكير للحديث عن السنة بما بلغه علمهم من بعض الأشكال والسلوكات بلا وعي لظروفها أو جنوح لفلسفة الكلام ولوك الألفاظ والاستناد إلى كلام بشر عاشوا ظروفا غير ظروفنا وقضايا غير قضايانا.. فتقدم كلام البشر على كلام الله وتقدم مناهج البشر على منهج رسول الله- صلى الله عليه وسلم-..غاب المعنى الحقيقي للسنة وأصبحت السنة كمفهوم فاقد قيمته الحقيقية ولم يعد إلا ضمن تصنيفات طائفية توزع الناس توزيعا حيوانيا بولاءات عصبية فاقدة لحس المسؤولية وفي غير المعنى الحقيقي لسنة رسول الله وتوجيهاته.ومع أن الله ذكرنا باسمنا الذي سمانا إياه سيدنا إبراهيم عليه السلام: هو الذي سماكم المسلمين.. ومع أن الرسول حدد لنا اسمنا المسلمين بلا زيادة ولا نقصان رغم هذا كله إلا أن الأسماء التي اخترعها اللاحقون أصبحت بديلا عن المفاهيم الأولى التي وحدتنا ردحا طويلا من الزمن فأصبحت تسمع عن العقيدة والفرقة الناجية والسنة والشيعة والخوارج وسوى ذلك.. وداخل السنة تسمع عن الأشاعرة والسلفية والمقاصدة وداخل كل فرقة تسمع أسماء جديدة داخل السلفية تسمع عن السلفية العلمية والجهادية واختلط الأمر. وتسأل عما يتحدث هؤلاء؟ عن الفقه أم العقيدة أم القرآن أم الخروج على الحاكم أم البقاء تحت قبضة السلطان؟ وكل فريق من هذه الفرق يخرج الآخرين من إطار السلفية وقد يخرجه من إطار الإسلام..الغريب في هذه الفرق أنها لا تعتد إلا بمن يتكلم بلغة مشايخها ويخضع البشر لتصنيفات قام بها مشايخها في حين إن الله سبحانه وتعالى قال في طبيعة القرآن الكريم: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر".. غابت اللغة القرآنية ولغة الرسول وحلت محلهما ألفاظ المصنفين وأصحاب الفرق.. فالعلم عندهم هو الكلام الذي قاله فلان أو علان من علمائهم..وكخلق ملازم لمن ابتلي بقلة العلم يصبح التشدد هو الأبرز ويصبح الشتم والطعن في النوايا والأفهام والمقاصد هو الأسلوب المناسب.إن هذه الفئات المتنطعة والتي تختطف بعض الأحاديث والآيات وتلوي عنق الحياة لتقدم نفسها حامية للسنة والشريعة تحتاج بلا شك إلى تعليم ومحو أمية وتزويد بمنهج الرسول، الرحمة للعالمين.. وإن التأخر عن التقدم نحو واجب نصحهم وهدايتهم وتهذيبهم وإلزامهم بمنهج الهدى إنما هو منذر بتفشٍّ كارثي لتحركات مسكونة بالتشدد والعنف في أوساط المجتمع، تبعثره وتقذف به إلى المجهول وتجعله مؤهلا لاستقدام الأجانب بكل ما لديهم من خبث ومؤامرة..إن قيام العلماء والمفكرين والأدباء بالواجب نحو حاضرنا ومستقبلنا هو السبيل الأنجع لأنه لا شيء مثل العلم مبددا للجهل كما أنه لا شيء كالنور مبددا للظلام.. تولانا الله برحمته.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)