الجزائر

بيت بن بلة كان مزارا لرموز الثورة


بيت بن بلة كان مزارا لرموز الثورة
قبر عبد الناصر كان وجهة بن بلة عند وصوله إلى مصر
بن بلة كان مهوسا بفن الأرابيسك وأكلة ''الكسكسي'' بالخضار

كانت إرادة الله أن يغيب أحد رموز الثورة التحريرية المجيدة وأول رئيس جزائري بعد الاستقلال، أحمد بن بلة، عن احتفالات الجزائر بمرور خمسين سنة على حريتها، حيث رحل في هدوء، وكان يقول باستمرار ''أنا أفتخر بأنني أحد مناضلي جبهة التحرير الوطني، التي كانت تتويجا لنضالات الجزائريين، من الأمير عبد القادر إلى مجزرة 8 ماي .''1945 تذكرته ''الخبر'' وزارت بيته بالقاهرة، رفقة أرملة اللواء فتحي الديب في رحلة من الذكريات والمواقف.

يقع منزل الرئيس الراحل أحمد بن بلة في مدينة مصر الجديدة، شمال شرق العاصمة المصرية القاهرة، خلف حديقة ''الميري لاند''. كان في استقبالنا عند الوصول بواب العمارة رقم ''3'' الذي رحب بنا بشدة، بعدما عرف أننا جزائريون، وراح يسرد لنا حكايته مع الزعيم الراحل ومواقفه الإنسانية معه وبساطة تعامله مع الناس واحترامه للجميع وعطفه ومساعدته للفقراء ''الله يرحمه ويسكنه فسيح جناته، كان إنسانا رائعا وأميرا''، بهذه العبارة ودّعنا البواب وهو يفتح لنا باب المصعد الكهربائي.

بن بلة فتح بيته لكل الجزائريين القادمين إلى مصر

صعدنا إلى الطابق الثامن، وهناك كانت في استقبالنا السيدة بهيجة، أرملة اللواء فتحي الديب، مسؤول المخابرات المصري الشهير، المكلف بملف الثورة الجزائرية، التي فتحت لنا باب منزل بن بلة رقم '',''33 ثم بدأت تروي لنا الأيام التي قضتها رفقة عائلة الفقيد، قائلة: ''في بداية الخمسينيات قدم بن بلة إلى مصر، وطلب من زوجي أن يساعده لشراء منزل بالقاهرة، وشاءت الصدف أن يترك جيراننا هذا البيت فاشتراه مباشرة، وفرح كثيرا وقتها، لأنه كان يرغب في السكن بالقرب منا وكان له ذلك. وعندما كان يؤثث منزله سألني عن نجار خبير في فن الأرابيسك، فقد كان مهوسا بهذا الفن الأصيل الذي يميّز الحضارة العربية الإسلامية، فعرفته بالنجار الذي صمم أثاث بيتي، وطلب منه أن يصنع له غرفة أكل وغرفة نوم وصالون''. وأضافت: ''لقد كان منزل بن بلة مزارا لكل الجزائريين القادمين إلى مصر، على غرار فرحات عباس، كريم بلقاسم ورابح بيطاط وبن يوسف بن خدة وحسين آيت أحمد، وكان يحب زوجي فتحي كثيرا ويعتبره أخاه الذي لم تلده أمه''.

وتقول السيدة بهيجة إنها كانت ترافق زهرة، زوجة الرئيس الراحل بن بلة، في مشاويرها، وكانتا مثل الأختين ''زهرة، رحمها الله، إنسانة رائعة بامتياز، كنت أحب أكل الكسكسي الذي كانت تحضره، وأعتبر أولادها مثل أولادي، مهدية كانت منطلقة جدا وتحب التعرف والتحدث إلى الناس، وتزور صديقاتها باستمرار حتى المقيمين في المحافظات، عكس نورية تماما التي كانت منطوية على نفسها، وإلى اليوم يتصلون بي ليطمئنوا علي''.

كان شغوفا بالكتب ويحب سماع الراديو

وبالرغم من كبر سنها والعكاز الذي كانت تستند عليه، إلا أنها كانت مصرة على التنقل معنا ونحن نتعرف على هذا المنزل التاريخي الذي عاش فيه رموز الثورة المجيدة. ويتكون المنزل من مطبخ و7 غرف، وداخل كل غرفة حمام.. ونظرا لولعه وحبه الشديد للقراءة، حوّل الزعيم بن بلة شرفة غرفة نومه إلى مكتب، به مكتبة أثرية تحتوي على مجموعة من الكتب، من بينها: ''اليهود واليهودية والصهيونية'' لابن كثير، ''الأقباط في مصر'' لرجب البنا، ''قضيتي مع ثورة المليون شهيد'' للهادي المشيرقي، ''سيد قطب'' لعادل حمودة وموسوعة ''نفح الطيب'' للمقري التلمساني. وتوجد بالمكتب صورة للراحل رفقة الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى، وصور أخرى مع شخصيات تاريخية على غرار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ورفاقه في النضال، إضافة إلى درع من نادي الليونز الدولي بالقاهرة، وآخر من جامعة عدن من جمهورية اليمن، وعلى رف المكتبة توجد لعبة شطرنج وجهاز راديو صغير، كان، رحمه الله، يحمله كل صباح في يده ليسمع الأخبار. تقول هدى مدبرة المنزل: ''كان الأستاذ يستيقظ في الصباح الباكر، يحمل المسجل في يده ليسمع الأخبار وهو يرتشف قهوة الصباح، كان هادئا ومحترما جدا وكريما ويحب كل الناس، ولم يكن كثير الطلب ويرضى بالموجود، وفي كل زيارة له إلى القاهرة يعرّج على قبر الزعيم جمال عبد الناصر، كأول وجهة له، ويضع إكليلا من الورد عليه ويوزع النقود على الجنود المحيطين بالمقبرة، وبعدها يتوجه إلى مسجد عبد الناصر بمنطقة كوبري القبة للصلاة''، وتابعت ''كان يحب أكل الخضار واللحم المشوي والكسكسي بالخضار والصلصة''. ونحن نقلب ذكريات بن بلة وألبوماته، صادفتنا صورة لفتحي الديب والزعيم الليبي معمر القذافي، فسألنا السيدة بهيجة عن رأيها حول الثورة الليبية ونهاية القذافي، فأجابتني مبتسمة ''تصرفاته غريبة.. دمر ليبيا وحوّلها إلى خراب بتصرفاته غير المدروسة وغير المنطقية، التي لم تكن تعجبني بتاتا''.

وعلى الجانب الآخر من غرفة الأكل، لفتت انتباهنا آلة العود على الأرض، فسألنا مدبرة المنزل عن صاحبه، فقالت إنه ملك للسيدة ياسمين شرفي، مندوبة الجزائر لدى الأمم المتحدة، حيث كانت تزور باستمرار عائلة المرحوم وتطربهم بعزفها للأغاني الجزائرية.

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)