الجزائر

''بلوكاج..''


 إذا كان الهدف من المشاورات الجارية حول الإصلاحات السياسية، هو محاولة إقناع الخارج بأن الجزائريين بإمكانهم الجلوس حول طاولة مستديرة لتبادل الكلام المباح، فإن المقر والديكور الذي اختير لهذه المشاورات والتغطية التلفزيونية المضمونة وحتى الممثلين فيها، يمكنهم أن يؤدوا هذه المهمة وبامتياز، لسبب بسيط، هو أن الخارج في قرارة نفسه، يريد أن تبقى الجزائر في نفس مستوى تخلفها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحزبيا، وكل ما يهمه في العملية هو ضمان بقاء مصالحه ليس إلا، وعليه فإن كل ما يمارسه من ضغوط في شكل نصائح وتمنيات بضرورة تطبيق الإصلاحات، هو مجرد محاولات ابتزاز معروفة، لأن البلدان التي بنيت وشيدت وخرجت من الغرقة ، إنما كان ذلك بفضل سواعد أبنائها وحدهم، ولم يكن يوما بفضل نصائح تلك الدول.
أما إذا كانت النية من وراء هذه المشاورات الجديدة مع الأحزاب والشخصيات والمنظمات، هو البحث عن التشخيص السليم للمرض وإعداد الوصفة الملائمة لعلاج الأزمة، فإن العملية بشكلها الحالي لا تفي بالغرض ولن توصل إلى المفيد ، لكونها شبيهة بذلك الصبّاغ الذي يأتي في ساعة متأخرة إلى بيته، بعدما يكون قد ملأ بطنه نبيذا، ليقوم غاضبا ومفزوعا من فراشه ويمسك بفرشاة الطلاء ويطلي بها جدران المنزل من فوق إلى تحت دون أن يعي ما يفعل، وفي الصباح عندما تطير عليه السكرة ، يستيقظ على لون أسود للجدران، فيقوم بشتم من فعل ذلك، ويمسك الفرشاة من جديد ليعيد طلاءها باللون الذي كان عليه سابقا. غير أنه في اليوم الموالي يعيد صاحبنا نفس الكرّة ويقوم بنفس السلوكات في سعيه لإصلاح ما قام به في الليل خلال الصباح.. وهكذا دواليك.
ولذلك من الضروري أن تكون البداية بطرح السؤال: هل الجزائر في حاجة إلى إصلاحات؟ إذا كان الجواب بنعم، وهو أمر لا يختلف حوله اثنان، فإن الضرورة تقتضي البحث عن أصل الداء وعن أهل الإصلاح الموثوق فيهم وفي علمهم ونصائحهم. فهل ما يجري اليوم من مشاورات يندرج ضمن هذا المسعى؟ إن عدم اعتراف الحكم بوجود بلوكاج في البلد، يعني أن تشريحه للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي مبني على فرضيات خاطئة، وهو ما ينجر عنه آليا أن عناوين من قصدهم في طلب الاستشارة هي الأخرى خاطئة، وبالتالي ستكون ردودهم ومواقفهم تتماشى مع ما يطلبه الحاكم وليس وفق ما تقتضيه متطلبات الإصلاح. إن الحكم على نجاح أي برنامج إصلاح من عدمه، ليس بالأمر الصعب، لأنه يحتاج فقط إلى إقناع الجزائريين بأن حياتهم في عهد الإصلاح تغيّرت وتحسنت عما كانت عليه قبله، أي في عهد الفساد، فهل أحس الجزائريون بوجود هذا التغيير؟ الإجابة موجودة في الشارع...


h-slimane@hotmail.com
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)