الجزائر

بلاد العجائب



لا يختلف اثنان على أن الجزائر تعيش مؤخرا بحبوحة مالية لم تشهدها منذ تأسيس الجمهورية.. نمسك الخشب.. ونقول اللهم أدم هذه النعمة واحفظها من الزوال.. ولكن العجب كلّ العجب، هو أن كل هذه الأموال التي ملأت الأرصدة وضاقت بها الخزائن، لم تمنع مؤخرا من دخول ثمانية أطفال من أسرة واحدة لا تتجاوز أعمارهم 13 سنة العناية المركزة بإحدى المؤسسات الاستشفائية لمدينة حاسي بحبح بولاية الجلفة، ليس بسبب وباء حلّ بالمنطقة، ولا نتيجة سقم معد تسلل إلى القرية، ولكن من فرط الجوع وسوء التغذية، حيث أنهم كانوا يقتاتون بالماء والأعشاب لمدة عشرة أيام، وكأننا نعيش في القرن الإفريقي، في الوقت الذي تضيق موائد وبطون ولاة أمورهم من أصغرهم إلى أكبرهم بأشهى أنواع الطعام وأفخر أشكال الزاد.
إن هذه الحادثة رغم خطورتها، إلا أنها في نظر مسؤولينا وبعض الناس أمر عادي لا يستوجب التوقف عنده أو المبالغة في الحديث عنه، ''فالسماء لم تسقط''، والضحايا ولله الحمد تم إنقاذهم من الموت في آخر المطاف. ثم لماذا التهويل والتضخيم؟ فكل شيء يسير عندنا بالمقلوب وعكس المنطق تماما، ومع ذلك، المركبة تمشي وطاقم السفينة متحكم في القيادة ومسيطر على الأمور، فلا غُرو أن تنفق الدولة من خزينتها ملياري دولار في شكل فاتورة لتوفير الأدوية، ومع ذلك لا يجد المواطنون المصابون بأمراض مزمنة هذه الأدوية، التي تتوقف عليها في بعض الأحيان حياتهم، في الصيدليات، فيضطرون إلى جلبها من الخارج بطرقهم الخاصة، بعد أن استطاعت لوبيات الدواء التحكم في السوق والصحة العمومية للجزائريين بشهادة المسؤول الأول عن القطاع، والجهات المسؤولة تتفرج.
لقد صرنا للأسف الشديد لا نسير في السكة المفترضة، وقطارنا حاد عن مساره، فأصبح يسلك الاتجاه المعاكس، متجها بنا إلى الوراء، في الوقت الذي تسير الأمم قُدما نحو الأمام، لدرجة أن سلوكياتنا تغيرت من النقيض إلى النقيض، فأصبح الجزائري يستبيح دم أخيه حتى في مباراة كلاسيكو بين الغريمين الكتالوني والملكي في إسبانيا، مثلما حدث العام الماضي في أحد أحياء وهران، واستطاع ميسي أن يفجر قبل أيام معركة ضارية بالسيوف والأسلحة البيضاء في حي الباخرة بمنطقة برج الكيفان بالعاصمة، بينما يمر هذا الداربي الرياضي بردا وسلاما وبروح رياضية عالية على المناصرين الحقيقيين في معقل برشلونة ومدريد.. وحتى لحظة الفرحة لم نعد نفقه الاستمتاع بها ولا إطالة عمرها، حيث سرعان ما نُحولها إلى مآتم وأحزان، والشاهد على ذلك القائمة الطويلة للمواطنين الذين لقوا حتفهم أثناء تعبيرهم عن سعادتهم وفرحتهم بالانتصارات التي انتهت بتأهل فريقهم إلى المونديال الإفريقي.
تُرى، هل من المعقول أن تشهد هذه الأيام كل ولايات غرب الوطن أزمة وقود حادة، تضطر أصحاب السيارات إلى تشكيل طوابير طويلة تمتد لمسافات قياسية أمام محطات البنزين، في بلد يُعد من البلدان المنتجة للمواد النفطية؟ وهل من الطبيعي أن نسمع عن ندرة في قارورات غاز البوتان، في وطن يحتل المراتب الأولى عالميا في تصدير الغاز الطبيعي؟ وكيف نهضم حرمان المواطنين من الكهرباء في عز الصيف بسبب الانقطاعات العارضة رغم تسديدهم فاتورات باهظة؟ أسئلة بسيطة يوجد الكثير منها في واقعنا، توحي إجاباتها بأننا أصبحنا بحق نعيش في بلاد العجائب.

derkimed@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)