الجزائر

بعدما قالت أن مطالب الشارع اجتماعية وليست وليدة أزمة سياسية السلطة تفتح الباب لاحتجاجات الموظفين لإجهاض أطروحات السياسيين



 ساهم تعاطي السلطات العمومية الايجابي مع المطالب الاجتماعية، إلى فتح شهية المواطنين والموظفين في مختلف قطاعات النشاط، لتنظيم احتجاجات واعتصامات دون أدنى عناء بمحاذاة قصر المرادية، البرلمان والحكومة، في حين قوبلت مطالب الأحزاب السياسية الداعية إلى ''الإصلاح والتغيير'' بنوع من التجاهل، مما يعني أن السلطة، مثلما عبّر عنه الوزير الأول أحمد أويحيى، مقتنعة بأن الأزمة اجتماعية بحتة وليست سياسية.
بدأ الحراك السياسي الذي دشنته الأحزاب غداة أحداث الشارع في جانفي الفارط يميل نحو الأفول بفعل صمت السلطة وعدم تعاطيها الايجابي مع مطالب التغيير الدستوري وحل البرلمان وتعديل الحكومة وإنشاء مجلس تأسيسي، بحيث وجدت الأحزاب السياسية نفسها لأكثر من 3 أشهر في عزف منفرد، من خلال طرحها عدة مبادرات سياسية وتنظيم مسيرات واعتصامات، لكن من دون أن تجد أذانا صاغية لدى السلطة التي بقى فيها رئيس الجمهورية صامتا ومكتفيا برسائل يقرأها مستشاروه من حين لآخر لا تجيب في نهاية المطاف عن مطالب التغيير السياسية. وليس غريبا ذلك، لأن السلطة دأبت منذ عقود في عدم التفاعل مع المبادرات التي لا تخرج من رحمها ومنطقها في ذلك ''الرفض جملة وتفصيلا'' . لكن ما يثير الانتباه أنه بقدر ما عملت وتعمل السلطة على تجاهل المطالب السياسية للأحزاب، بغض النظر عن جديتها من عدمه، بقدر ما تسعى بطريقة أو بأخرى لتغليب كفة الحراك الاجتماعي على السياسي، من خلال ''تشجيع'' الحركات الاجتماعية البحتة التي تصاعدت وتيرتها بشكل كبير وفي ظرف قياسي وحتى في قطاعات لا تتواجد بها تمثيلية عمالية ''نقابات'' تقودها، على غرار الحرس البلدي، الباتريوت، ضحايا الإرهاب وغيرها.
هذا الأمر يدفع للتساؤل لماذا تحركت هذه القطاعات في هذا التوقيت بالذات بالرغم من أن مشاكل الكثير منها قديمة وليست وليدة اللحظة؟ صحيح أن الآلاف من الموظفين قد نفذ صبرهم من الوعود التي لم تتحقق منذ سنوات وبالتالي لم يعد أمامهم من حل سوى استعمال ورقة الضغط في الشارع، لكن الصحيح أيضا، أن السلطات ردت بـ ''الإيجاب''  وبالسرعة المطلوبة على انشغالات المحتجين، خصوصا ما تعلق بتسوية الأجور والمنح والتعويضات، وهو ما فتح الشهية لدى موظفي قطاعات أخرى لتفعل بالمثل خصوصا في ظل بقاء باب خزينة الدولة مفتوحة، وهو ما لم تكن تفعله الحكومة من قبل، حيث ظلت تتعامل مع ملف الأجور ضمن لقاءات الثلاثية وليس خارجه. فما الذي جعل الحكومة تبسط يدها كل هذا البسط بعدما كانت مغلولة إلى عنقها؟
قد يكون سلوك الحكومة فرضه ضغط الشارع، لكن ذلك لا يكفي وحده لتفسير رضوخها إلى المطالب الاجتماعية إلى درجة جعلتها تنتقل حتى لإقالة المدير العام للوظيف العمومي دون أن تكون مطالبة بذلك، وهو ما يعني أن ما قالته الحكومة غداة أحداث 5 جانفي الفارط من أن مطالب الشارع اجتماعية وليست سياسية وراء إنعاشها لهذا الحراك الاجتماعي ووعودها بمعالجة مطالبه، ليس كقناعة اهتدت إليها، وإنما كطريقة منها لقطع الطريق أمام مطالب تغيير النظام السياسي والإصلاحات الشاملة. وقد تكون السلطة نجحت ولو ظرفيا، لكونها تمكنت من إحباط عزيمة الأحزاب السياسية من خلال جعل مطالبها في التغيير تصطدم بحائط اسمنتي عبّر عنه الوزير الأول بلاءات ثلاثة، لا توجد أزمة سياسية، لا مجلس تأسيسي ولا حل للبرلمان، وذلك بعد إجهاض ثورة الشارع في جانفي وقدرتها بعدها على توزيعها على ثورات اجتماعية صغيرة على صلة بالخبز فقط.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)