الجزائر

بائعات تيارت.. انتقادات، تحرشات ومعاناة لا تنتهي! عمل المرأة لا يزال عيبا وعارا في عاصمة الرستميين



بائعات تيارت.. انتقادات، تحرشات ومعاناة لا تنتهي!                                    عمل المرأة لا يزال عيبا وعارا في عاصمة الرستميين
تخوض الكثير من الفتيات بولاية تيارت، تجربة العمل كبائعات في مختلف المحلات التجارية في ظاهرة يقال أنها حطّمت بعض القيود التي كانت تكبّل بنات المنطقة، سيما من العائلات المحافظة التي كانت تعتبر عمل المرأة في بعض الميادين عيبا وعارا، في وقت يطالب فيه البعض بتأنيث بعض محلات التجارية.
لا يختلف اثنان أن المرأة صارت تتقلّد عدّة مهن ومناصب راقية، وبالموازاة هناك نساء يعملن بجدّ متواصل من أجل لقمة العيش ومساعدة أسرهن لتخطّي صعوبة الحياة ومتطلباتها، فمن هنا انطلقت المرأة لأعمال كثيرة. واكتسحت العديد من بنات حواء عالم التجارة وأصبحن يدرن أكبر المحلات بكل جدارة، لتعمّم الظاهرة لدرجة صارت فيها أغلب المحلات المنتشرة بمدينة تيارت تضم بائعات من الجنس اللطيف، وتتواجد بنات حواء داخل المخابز، محلات بيع الحلويات، البقالات، المراكز التجارية، أسواق الأجهزة كهرومنزلية، عتاد الاعلام الالي، النظارات الطبية، المستلزمات النسائية والإكسسوارات، وغيرها من المجالات التجارية الأمر الذي لقي استحسان بنات حواء مقابل انتقاد الشارع التيارتي.وفي جولة قادت “السلام” إلى محلات مدينة تيارت، لفت انتباهنا أن أغلب المحلات تعجّ بالبائعات، وبمجرد الدخول تستقبلك فتاة بابتسامة عريضة على منوال منال، البائعة بأحد المركز التجارية بطريق السوقر، اختيرت بكل عناية لتلبية طلبات الزبائن ومساعدتهم على اختيار ما يبحثون عنه من مستلزمات. تقول منال أن ممارستها لمهنة البيع كانت أفضل بالنسبة إليها من أن تبقى دون عمل، مضيفة: “إن العمل شرف ولا أخجل من كوني بائعة، فتجدني أول من يدخل المحل بغرض تنظيفه قبل أن أتكلف بعملية استقبال الزبائن وتقديم ما يطلبون والإجابة عن استفساراتهم ،كما أنني لم أظن يوما أن أصبح بائعة في مركز تجاري ، إلا أنني لم أجد عملا آخر، خاصة وأن مؤهلاتي العلمية لا تكفي لأحصل على منصب عمل آخر، تردف قائلة عن بداية تجربتها: “في البداية كنت أبدو وكأنني أعمل رغما عني، إلا أنني ومع مرور الوقت تمكنت من التأقلم مع جو المهنة وأصبحت مصدر ثقة صاحب المحل الذي أصبح يحمّلني مسؤولية المحل في حال غيابه”، اما عن تعاملاتها مع الزبائن فتجيب: “الحمد لله لم نلق يوما مشكلا مع الزبائن، بل على العكس فكثير منهم لا يشترون المواد الغدائية وكل المستلزمات إلا من محلنا، بعد أن توفرت لدينا كل المؤهلات من حسن الخدمة، جودة السلعة والأسعار معقولة”.خديجة، واحدة ممن خضن هذه التجربة وهي فخورة جدّا بعملها راضية بقدرها، تقول عن هذا: “كم من مجالات ندخلها ومواقف نضع أنفسنا فيها مرغمين ولولا الحاجة أو ضغوطات الحياة لما طرقنا لها بابا، ولكنها هي الحياة بمقاديرها وأقدارها تضع من تشاء وترفع من تشاء وتؤتي القناعة والرضا لجميل من صبر ورضا بما كتب الله”.
جامعيات يمتهنّ البيع في المحلات
فتيات مثقفات ومنهن حتى المتخرجات من الجامعة دفعت بهن الظروف وقلة فرص العمل إلى امتهان أي مهنة شريفة تحفظ لهن كرامتهن وماء وجوههن، فاحتمين بالمحلات التي لم يبخل بعض أصحابها بتوظيفهن بها، خاصة تلك التي تختص في بيع بعض المستلزمات الخاصة بالنسوة والممنوعة عن الرجال، فخضن ميدان التجارة ودخلن غمارها واكتسبن زبائن من الجنسين بالنظر إلى اللباقة التي يتمتعن بها في ممارسة مهنهن، وحسن التعامل مع الغير مما أدى إلى ميول العديد من النسوة إلى محلاتهن ضمانا للراحة، وتجنبا للاحتكاك ببائعين رجال. وبهذا تكون الفتاة الجامعية مهنة تحترفها بدليل زيادة عدد المحلات التي تسيرها شابات جامعيات من مختلف الأعمار، حتى صارت البائعات منافسات للرجال الذين تراجع إقبالهم على هذه المهنة، حتى أن هناك من أصحاب المحلات من صاروا يفضلون جلب فتاة أو فتاتين من أجل تسيير المحل، لاسيما وإن كان مختصا في بيع حاجيات المرأة مهما تعددت أنواعها سواء كانت متعلقة بالحلويات، التجميل،الاكسسورات أو الملابس كون أن المرأة لا تفهمها إلا المرأة، وللفتيات العلم الواسع بتلك المجالات على خلاف الرجال. من بين اولئك “فاطمة.د” السنة الثالثة علوم ادارية وقانونية والتي تكشف لنا أن فقر العائلة وعدم قدرتها على تحمل تكاليف الحياة الجامعية دفعتها إلى البحث عن أي مهنة تكسبها المال الحلال لتوفير حاجياتها، فلم تجد إلا هذه المهنة بعد أن فتح لها الأبواب بائع مكتبة بحي الجامعة التي لا تبعد عن اقامتها الجامعية كثيرا، وقالت “فاطمة” أنها تعمل هناك منذ عامين وتجد راحتها في التعامل مع الزبائن من الجنسين، خاصة أن جل الزبائن هم طلبة الجامعة، وأضافت أنها لا تجد أي عقدة في ممارسة المهنة كون أن الكثيرات امتهنها في الوقت الحالي التي لا يقوى فيه المرء منا أن يستكبر على أي حرفة يتقوت منها حلالا مادام أنه بعيد عن طريق الحرام. نفس ما وضحته “مليكة” كلفة بتسيير محل للإعلام الآلي وحاصلة على شهادة تقني سامي في هدا المجال قائلة أنها من اختارت تلك المهنة لاسيما وأن المحل هو ملك العائلة، حيث تتكفل هي بالزبائن لأنها الأدرى بهذا المجال.
مميزات كثيرة وتفوق كبير
أكّد الكثيرون من أصحاب المحلات الخاصة ببيع المستلزمات النسائية والإكسسوارات أن العنصر النسوي أصبح جدّ فعال في عملية تسويق المنتوجات، بعد أن كانت عملية البيع مقتصرة على الرجال.
وفي هذا الصدد، يقول نور الدين، صاحب محل خاص ببيع الملابس النسوية بحي المنظر الجميل أن مهنة البيع أصبحت تستقطب الإناث بصورة يرى أنها تفوق العنصر الرجالي وهو ما يعود بالفائدة على أصحاب المحلات التجارية، مضيفا أن أغلب محلات البيع أصبحت توظف الفتيات، لأن راحة المرأة تكون مع أختها المرأة البائعة وهي تجرّب ما تشتري من ملابس على حد تعبير المتحدّث، كما تكون البائعة أكثر لطافة وليونة في التعامل مع الزبائن، تنجز عملها بإتقان أكثر مما هو عليه عند بعض شباب اليوم، إضافة إلى أنهن يعملن بدون شروط كالتي يفرضها الشباب الذين عادة ما يتركون العمل بمجرّد حدوث أي سوء تفاهم، فيما تكون المرأة أكثر صبرا.
الزبائن.. بين مؤيد ورافض
وحول نفس الموضوع استطلعنا رأي الشارع وكانت النتيجة أن البائعة ينظر لها في مجتمعنا على أنها فتاة من دون مستوى دفعت بها الظروف إلى امتهان تلك الحرفة التي تبقى حكرا على الرجال من وجهة نظر الكثيرين، حيث ترفض عديد من الأسر الجزائرية عمل بناتها كبائعات، إلا أن الظروف وقلة فرص العمل دفعت بالكثيرات إلى امتهانها، بل هناك سيدات دفعت بهن بطالة أزواجهن إلى البيع بالمحلات، وحتى أن الإنتشار الواسع لتلك المهنة أكسبها طابع الإعتيادية. وإن وجدت من ترفض هذا العمل خوفا من نظرات الناس لها، إلا أن غيرها صممن على مزاولة تلك المهنة ومادامت أنها مهنة شريفة تبقى أفضل من انتهاج طرق ملتوية. تضاربت الآراء حول عمل المرأة في محلات البيع بين من يراه إهانة للمرأة، وبين من يراه تحديا يستوجب التقدير، فيما فسّر آخرون خروج المرأة للعمل كبائعة هو نتيجة حتمية للحاجة الشديدة التي تقابلها أزمة العمل وإيجاد الوظيفة المناسبة،تقول “آمال” زبونة التقيناها بأحد المراكز التجاري: “لا أعرف لماذا هذا الحرص غير المعقول في دفع النساء للعمل في محلات البيع ولو كانت للمستلزمات النسائية، لأن أغلب أصحاب المحلات يريدون جلب الزبائن من خلال الشكل الخارجي للفتيات”.
أما “نجاة” زبونة أخرى، فأشارت إلى أن عمل المرأة كبائعة لابد أن يكون وفق المرجعية الشرعية، وتضيف “حق المرأة في شريعتنا محكوم بضوابط شرعية حتى لا تكون المرأة مستغلة من قبل صاحب المحل، في حين أن العمل مهما كان نوعه يبقى حق المرأة مثلما هو بالنسبة للرجل ولا ينبغي لأي شخص آخر أن يتصرف فيه أو يمنعها منه”. ومن الجوانب الملاحظة في عمل المرأة كبائعة في المحلات، يؤكد بعض الناس أن بعض أصحاب المحلات يفضلون دوما البحث عن بائعات من نوع خاص وهن فئة الأرامل والمطلقات والنساء المسؤولات عن إعالة عائلاتهن، كونهن يتمسكن دوما بعملهن، حتى ولو كان الأجر لا يلبي كل احتياجاتهن.
وخلافا لما سبق، فقد استحسن كثير من المواطنين حرص بعض المحلات على أن يكون الباعة من النساء، وذلك لرفع الحرج عن النساء وتمكينهن من اقتناء احتياجاتهن بكل راحة، وهو ما لا يتوفر لهن في محلات البيع الرجالية، تقول صبرينة: “عادة ما نجد حرجا كبيرا في اقتناء بعض الملابس والمستلزمات النسائية، لذا فالبائعة تبقى دوما أفضل بالنسبة للزبونة، حيث تشعر بالإرتياح أثناء تسوّقها فتجدها تستفسر من الموظفة ما تشاء دون أيّ حرج”، وهو نفس ما تراه “ياسمين” صاحبة محل لكراء الفساتين للعرائس، مؤكدة حسب ما جاء في حديثها أن الزوج يطمئن على وجود زوجته في المحل مع البائعات وأنها سوف تتسوق بكل حرية، وتؤكد المتحدثة أن هناك الكثير من الفتيات يرغبن في العمل في هذا المجال فهو فرصة لحصولهن على فرصة عمل: “ليس هناك أي شروط للتقدم للعمل في مجال البيع سوى إجادة التعامل مع الزبائن ومعرفة نظام المحل، أما بالنسبة للمحاسبة لا يتطلب منها سوى إجادتها للحاسب ومعرفة برنامج إكسل”.
«مليكة” هي الأخرى بائعة في محل ملابس داخلية نسائية ترى أن عمل المرأة بائعة في مجال بيع الملابس النسائية مهم جدا لكي تحظى المتسوقة بقدر كبير من الحرية، فيما تؤكد “رانيا” على أنها خطوة موفقة وفيها حل لتوظيف الفتيات فكثير من الفتيات أنهين الدراسة الجامعية ولم يحصلن على وظائف، كما أن تأنيث البيع في محلات الملابس النسائية فكرة رائعة – حسب المتحدثة – وقد نالت إعجاب المتسوقين من الجنسين، لتتمنى في الأخير ّإستمرار هذه الفكرة وتقدمها وأن لا تواجه عقبات أو اعتراضات من أي جهة. محمد عبر عن وجهة نظره في الموضوع قائلا: “في الحقيقة امتهنت المرأة كل المهن التي لا تخصها فكيف بها أن لا تبيع في محلات تجارية والله مهنة المرأة ومكان تواجدها مفروغ منه، في مجال التربية والتعليم او الصحة هذا الذي يفترض ان يكون ولكن للأسف اكتسحت المرأة مجالات لا تناسبها تماما والله يسترنا من العواقب” وهي النظرة التي طالب البعض بتغييرها بالاعتماد على التثقيف والتوعية، معتبرين أنها ضمن الضروريات التي فرضتها الحياة العصرية
عاطلون.. النساء لم تترك لنا مجالا للعمل!
أبدى العديد من الشباب استياءهم من عمل المرأة كبائعة، لا لشيء سوى للمنافسة الحادة من الجانب النسوي، فاختراق المرأة لجميع الميادين قلّل من فرص عمل الرجال في الحصول على نفس منصب العمل. “أسامة” من الرافضين لمسألة عمل المرأة داخل محلات البيع، يقول: “أنا لست ضد عمل المرأة شرط أن يكون عملا منتجا شريفا، إلا أنه في بعض الأحيان، يكون الاختلاط كبيرا في المحل وبالتالي تزيد فرص الانحلال الخلقي”، وردا على “أسامة” تجيب سمية: “إذا أردتم عدم اشتغال المرأة في محلات البيع، فقدموا لها وظائف بديلة عن هذا، فالبيع والتجارة مهنة ليس عيبا على المرأة ممارستهما”.
..سنفرض احترامنا على الكل
ما لمسناه في استطلاعنا أن الفتيات البائعات أو (لي فوندوز) كما شاع عنهن على الرغم من نظرات الاحتقار التي تلاحقهن من البعض إلا أنهن لا يبالين بها ورفعن شعار التحدي، خاصة أنهن يرين فيها مهنة شريفة بل تستلزمها حتى بعض أنواع النشاطات دفعا للحرج عن النسوة على غرار بيع بعض المستلزمات الخاصة بالنسوة والتي لا يليق عرضها من طرف الرجال الذي صار يقر أن المرأة البائعة صارت منافسا قويا له بل وتستحوذ على زبائنه في أغلب المرات بالنظر إلى اللباقة وحسن المعاملة التي تطبع أكثر الجنس اللطيف رغم انهن عرضة لمضايقات يومية .
البائعة “ليلى” واحدة من البائعات التي لا زلن يطلبن الفتوى في مجال عملهن تقول: “لا حول ولا قوة إلا بالله.. أريد أن أسألكم أنتم أولاً.. هل عملنا هذا حرام؟ هل هو مخالف للشرع والسنة؟ أم هو جريمة تستحق العقاب؟ لا أدري ماذا أقول لكم فنحن لا نسرق ولا نتسول ولا نسيء لأنفسنا ولا إلى أحد والإنسان حيثما يضع نفسه إن انحرف فسيجد أمامه مئات المنحرفين وأن استقام فسيرى حوله كل المستقيمين وها أنا نموذج أمامك لي أكثر من خمس سنوات متخصصة في مجال مبيعات حجاب المرأة، الجلابيب والخمارات باحترامي لمهنتي فرضت احترام الناس كلهم لي”.
«مضايقات وصعوبات جمة ولكن الشريف من شرف نفسه”، هكذا ردت حياة في حديثها عن الصعوبات التي تتلقاها المراة العملة، تستطرد قائلة: “إن بعض الناس لا يزالون ينظرون لعمل المرأة في محلات البيع نظرة ازدراء واحتقار، وكثيرا ما نواجه مشاكل مع بعض الاشخاص يتذرعون بعملية الشراء بغرض التحرش بالفتاة البائعة التي ينظرون إليها على أن لها علاقة غير شرعية مع صاحب المحل”. هذا وتذمرت كثير من البائعات من استغلال اصحاب المحلات لهن والذي أخذ أبعادا خطيرة فمنهن من تشتغل من الثامنة صباحا الى الخامسة مساء ولمدة شهر كامل، وأحيانا دون الاستفادة من العطلة الاسبوعية مقابل أجرة لا تزيد عن 2000 دينار، كما أن صاحب المحل يمكنه فصلها متى شاء وكماأن أغلبهن غير مؤمنات اجتماعيا إلى جانب المعاكسات و المضايقات
الحاجة إلى تثقيف وتوعية
أشارت المحامية “س.خديجة” في حديثها عن نظرة المجتمع للمرأة البائعة، أن مجتمعنا بحاجة إلى التثقيف المجتمعي والتوعوي فللمرأة الحق في ان تشتغل وتعمل وتختار المهنة التي تناسبها ما دام أنها متفقة مع شرعنا ونهجنا، وهذا العمل ضرورة ملحة لواقعنا -حسب المتحدثة- التي تضيف مؤكدة أنه إذا كان المجتمع يمتلك فكرة واعية حول أحقية المرأة في العمل المحصل لرزقها فإنه سيحترم هذه الفتاة ويقدر عملها ولا يؤذيها أو يزدريها فهي تؤدي رسالة مثلها مثل الممرضة، المعلمة، الموظفة، كما أكدت المحامية على المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق الإعلام في ابراز وتوضيح كل تلك الجوانب.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)